أن تعتقل في بلد من العالم الثالث فإنك تخرج بخبرات (هذا إذا خرجت صاحي) من الوحشية والإذلال والمهانة والانحطاط وتحفظ قاموسا من الشتم والتجريح والقبح واللؤم والرذيلة التي تنضح بها النفوس العفنة للمحققين والمعذبين والسجانين. ولا نحتاج إلى تعداد صنوف التعذيب وألوان العذاب الذي ينزلونها بنا (فكل فرد منا ذاق أو سمع الويلات) ونحن نقاومهم بالصبر والاستعانة بالله والاستغاثة بأهل البيت. ومن ضمن فنون المهانة أن تحتقر في مأكلك ومشربك إلى الحد الذي يستعطف البعض من المعتقلين ( السنطري ) لأن يتفضل عليه بكأس ماء بارد من البراد بدلا من الحنفية التي تشوي الجوف، أو يتصدق عليه بفاضل سلطته، فمشاهد المجاعة التي ترونها على شاشات التلفزيون تتجسد واقعا في المعتقل. دعوني أصف لكم أبسط الوجبات (الريوق ) حيث يوزع على كل واحد منا خبزان (عجين مشّمم بالنار ) ويوضع في وسط حلقتنا المكونة من خمسة أو ستة أفراد كأس شاي واحد للمجموعة لتغميس الخبز، فتتسارع الأيدي وتتزاحم (للمصاوط ) فيه والويل للواحد من المجموعة إذا خطر بباله أن يرتشف رشفة !.
ومع وحشية البلوش ( كلهم صاروا بحرينين ) في تعاملهم معنا حسب تعليمات مسؤوليهم , ألا انهم يقدرون الصائمين في السجن , ويقدمون لهم افطارا خاصا من عشاء الشرطة , ولأن جدول عشاءهم يكون دجاج مقلي ليلة الاثنين وليلة الجمعة , فان مجموعة من الشباب تدعي الصيام في يومي الأحد والخميس حيث يعدهم صنطري أول الليل ويقدم افطارا على عددهم من قطع الدجاج المقلي قبل الأذان ويغلق الباب لكي يذهب للصلاة، وعند ذلك تتطاير قطع الدجاج في الهواء وتتلقفها أفواه جائعة ونفوس محرومة , حيث يهجم العشرات على سبعة صحون , وربما من ادعى الصيام لا يحصل على قطعة دجاج ساخنة , وتختلط المشاعر بين الضحك والزعل , الايثار والأنانية , والطمع والزهد .
وفي احدى الليالي قدموا لنا قطعا وافرة من الدجاج المقلي بعد العشاء المعتاد , والى الآن لم نعرف السبب لذلك , وحلل المعتقلون الأمر عدة تحاليل , والمهم فرحنا جميعا بما أكرمه الله علينا من نعمة كبيرة جدا , وتعشينا العشاء الثاني ونصفنا الصحون حتى أصابت بطوننا التخمة ( ملهوفين ) باستثناء شباب الدراز حيث اجتمعوا معا , وقرروا أكل القليل من الدجاج وتخبأة الباقي للسحور فقد قرورا الصيام يوم غد شكرا لله على المائدة الوفيرة التي أنزلها عليهم , ولأنهم سيقعون تحت المساءلة والعقوبة اذا اكتشف أمرهم من قبل الشرطة, فلا بد أن يحكموا خطتهم لذلك و وصل بهم الأمر أن لفوا سحورهم في فانيلة بيضاء , وربطوها في سقف سيفون الحمام ( ويع ) وأحاطوا الأمر بسرية تامة عن الجميع, وذهبوا مطمئنين إلى النوم على أن يستيقظوا بطريقتهم في حوالي الثانية بعد منتصف الليل ليجتمعوا على سحور شهي , ولكن فاتهم أن أحد أفراد الفريق ( النعيم ) علم بالأمر كله, وقام باتصالاته بأبناء الفريق فاجتمعوا واتفقوا على أن يعملوا مقلبا بالدرازيين , فلم أوافقهم ولم أستطع أن أثنيهم عن عزمهم وبعد ساعة اذ بمعتقلي فريق النعيم يصطون على سحور الدرازين، ويتعشون للمرة الثالثة وهم يتضاحكون بضحكات عالية , ولم أشاركهم الأكل ولكني ربما شاركتهم الضحك، وحين حان موعد سحور الدرازيين نبهوا بخفة وسرية بعضهم البعض ( وعيون النعيميين ترقبهم وهم يكتمون ضحكاتهم ) , فتسلل أحدهم الى السيفون، وفك رباط الفانيلة، وقدمها إلى ربعه المجتمعين على شكل دائرة , وحين فتحوها وجدوا عظاما ( مكسكسة) مع حواشي خبز , وتزلزل السجن بصراخهم وقابلهم أهل النعيم بقهقهاتهم , وانكشف امر الجناة , وتشابكت الألسن وعلا الصراخ وقبل التشابك بالأيدي تدخل المعتقلون الآخرون ثم سنطري النوبة الذي هدد بالعقوبة للمتشاجرين.
ولم أدر من الذي صام في اليوم الثاني ؟ الدرازيون ؟ أم النعيميون ؟!
replica watches
fausse golden goose
|