لـ «آي فون» عينه التي يبصر بها... والـ «واتساب» نافذته التي يطل منها على 10 آلاف متابع
الشيخ علي هويدي بعد العمى: أنا الآن أكثر سعادة ونشاطاً... تأقلمت مع البلاء فتحول الألم لأمل
قبل عامين من الآن، كان عالم الدين الشيخ علي هويدي على موعد مع لحظة ألم، شكلت منعطفاً جديداً في حياةالرجلالمعروف بنشاطه الاجتماعي في منطقة إسكان عالي.
إنها لحظة العمى الذي أصاب عينيه فأفقده البصر بنسبة كبيرة، بعد متاعب ألمت بشبكية عينيه، وجعلته يتردد على أطباء هنا في البحرين، وخارجها.
لكن هويدي، عضو شورى جمعية الوفاق سابقاً، لايزال هو هو، قبل العمى وبعده، وأبعد من ذلك، فقد بات نشاطه اليوم «أكثر» وسعادته «أكبر»، كما يعبر هو عن نفسه.
«الوسط»، كانت ضيفاً على هويدي في منزله، لتوثق حكاية الرجل الذي هيأ له «فراغ العمى»، فرصة إنجاز المشروع المؤجل، ممثلاً في توثيق تاريخ العمل الإسلامي في إسكان عالي، في الفترة من 1985 حتى 2014.
يبدأ هويدي حديثه، الذي لم يخلُ من مزاح وابتسامة، ليقول «قبل 4 سنوات بدأ مرض السكري في تفريخ تبعاته التي طالت شبكية العين، ما اضطرني لبدء رحلة العلاج بداية من مستشفى السلمانية الطبي، حيث الطبيب البحريني الذي كان المرضى يهربون منه، هو قدري، والذي أجرى لي عملية ليزر في العينين، بدل عين واحدة كما كان اتفاقنا».
ويضيف «نتيجة لذلك، تولدت لدي ردة فعل حيال الطبيب الذي كان عصبياً مع مرضاه، وكان يمارس مهامه وهو متقاعد عن العمل، ما جعلني أستبدل «السلمانية» بـ «ابن النفيس»، والتوقف بعد ذلك بسبب عدم القدرة على مجاراة التكاليف الباهظة
للعلاج».
ويتابع «استأنفت مشوار العلاج في أكثر من عيادة هنا في البحرين، حتى نصحني أحد الأطباء بالسفر لألمانيا، وهناك أجريت لعيني عملية بنجاح، وكان لزاماً علي المتابعة والعودة بعد أسبوع، لكنني قررت القيام بذلك في البحرين، حتى بدأت أشعر بارتفاع في ضغط العين».
ويواصل «قبل عامين، فقدت بصري، وتزامناً مع ذلك بدأت في إدراك صعوبة الوضع الذي أنا فيه، لأبدأ في مرحلة جديدة عنوانها «تقبل الوضع الجديد والتأقلم معه»، حتى بات تفكيري منصباً على ذلك جنباً إلى جنب مواصلة مشوار العلاج، بدلاً من الغرق في هموم المرض».
حكمة الابتلاء، كانت حاضرة لدى هويدي الذي ظل يردد «كثيرون يعيشون المرض بكل تفاصيله، ما يتسبب لهم بانكسار وهزيمة، لكنني قررت أن أخرج نفسي من هذه الدوامة، وحين وصلت لقناعة بصعوبة كبيرة في جدوى العلاج، قررت التوقف، رغم المساعدات المالية التي عرضت علي تارة من الشيخ حسين نجاتي وأخرى من الشيخ علي سلمان، وفي الحالتين كان الرفض ردي الوحيد».
رغم ذلك، يؤكد هويدي الذي ينفي عن نفسه شعور الصدمة بسبب الإصابة بالعمى، أن باب الأمل لا يزال مفتوحاً على الأقل من الناحية الطبية، مستشهداً على ذلك بالأنباء التي تشير لاحتمالية توصل الأطباء، خلال السنوات الخمس المقبلة، لعلاج يعيد لشبكية العين ضوءها.
وبالمقارنة بين حياته قبل العمى وبعده، يجزم هويدي بأن نشاطاته الاجتماعية باتت أكثر عن ما كان عليه وقت الإبصار.
ويمتلك هويدي صيتاً ذائعاً يتجاوز حدود منطقة إسكان عالي بكثير، هيأ له ذلك نشاطه الاجتماعية، فهو أحد مؤسسي جمعية إسكان عالي الخيرية، وأحد أبرز الشخصيات الفاعلة في أكثر من مؤسسة بما في ذلك مأتم القائم.
واليوم هو إلى جانب كل ذلك، يدير حوزة نسائية قوامها 100 طالبة، وبفضل التطور التكنلوجي، بات هويدي قادراً على ممارسة حياته بكثير من اليسر وذلك بفضل هاتفه الذكي «آي فون»، الذي أصبح عينه التي يرى بها، فيما تحول برنامج التواصل الاجتماعي «واتساب»، نافذته التي يطل من خلالها على نحو 10 آلاف متابع.يعلق على ذلك هويدي بالقول «الرؤية التي أهلتني لمقاومة العمى بسيطة، ومضمونها هي عزيمتي الكبيرة التي جعلتني مصراً على أن لا يحول بيني وبين تأدية مهامي، شيء، حتى لو كان هذا الشيء هو العمى». وفي موضوع التكنلوجيا، يقول «بفضل مساندة عديلي، أستخدم في هاتفي برنامج صوت يقرأ لي كل ما هو مكتوب، بما في ذلك الرسائل التي أتلقاها عبر برنامج «واتساب»، الأمر الذي مكنني من نسج خطوط تواصل مع أفراد ومجموعات من داخل البحرين وخارجها، مجموعهم يقترب من الـ 10 آلاف متابع، ومعهم تدور النقاشات الفكرية وأمارس مهارتي في حل المشاكل الاجتماعية والإشكالات العقائدية».
ليس هذا فحسب، فهويدي الذي يمثل ذاكرة العمل الإسلامي في منطقة إسكان عالي، تمكن مؤخراً من تفريغ هذه الذاكرة في كتاب من 100 صفحة، بات بحاجة للصور ليقع في حضن قرائه. هنا يستحضر هويدي دور شريكة حياته، ليقول «وراء كل رجل عظيم إمرأة. إنها المرة الأولى التي أتمكن فيها من فهم أبعاد هذه المقولة، وكان ذلك بفضل الدور الكبير الذي قامت به زوجتي في كتابة صفحات الكتاب، حتى كانت هي الحبر وكنت أنا الفكر، وأبداً لم يجتاحها شعور الملل رغم العمل اليومي الذي امتد على مدى عام».وأضاف «لم يقتصر دور زوجتي على ذلك، حيث كانت ولاتزال تحرص على تهيئة الوجبة المناسبة لظروف معاناتي مع مرض السكر، وتباشر تناولي للأدوية».
ولا يرى هويدي، وهو يختتم حديثه، ما يثير العجب من استمرار شعوره بالسعادة، فـ «الحياة أكبر من أي مرض»، لكنه يرى أن شعور الألم يحضر حين يغيب الصديق في أكثر الأوقات حاجةً له.
|