كلما قرأت في كتب التراث المختلفة, ازددت احتراماً و تقديرا لتراثنا الشعبي وذلك لما يمثل من حس رفيع, و يختزل من تجارب و خبرات هي في الحقيقة نتاج ما كابده بشر هذه المعمورة ( المطمورة اليوم), لذلك فهو يأتي صادقاً معبرا اشد تعبير عن مكنونات نفوسنا.ولعل أرقى موروثاتنا و ابلغها, أمثالنا الشعبية , والتي لا تكاد تمر بموقف –مهما كان نوعه و ظرفه و تفاصيل ملابساته- إلا ووجدت مثلا يعبر عن حالك فيه او تجاهه.
أما مثل اليوم ( يا من اشترى له من حلاله عله) فإني أجد نفسي أعود إليه كلما طالعتني الصحف بإعجاز من إنجازات برلماننا! فمسيرة هذا البرلمان الرائدة لا يمكن وصفها بجميع أمثالنا الشعبية رغم قوة تعبيرها وطبيعتها الاختزالية و تأثيرها لدى المتلقي البحريني!!! لماذا؟؟
تعامل البرلمانيون مع ملفاتنا المهمة ب........ منقطع النظير, فمن التجنيس إلي ملف التأمينات, وصولاً إلى قانون تكميم الأفواه السياسية و التشديد على هلامية الكيان السياسي المعارض, فهذا القانون هو حقيقةً الابن الشرعي لنظرية الاشتغال و الانشغال , أعتى نظريات الديالكتيك السياسي في البحرين, والقادم اخطر.... بعد كل واحد من هذه الملفات أراني اكرر يا من اشترى له من حلاله عله. لترتسم على شفتي ابتسامة مرة –تستطيع ولشدة مرارتها أن تفسد عليً طعم اللبن الذي رضعته.
فنوابنا الأجلاء لم ينوبوا عنا في شيء بل نابوا عن أنفسهم ( النيابة كما افهمها هي السعي إلى مصالح فئة ما), فأصبح جلهم يعرف من أين تؤكل الكتف و الذراع و الرجل و الصدر بل و حتى الكرش. فتراهم ينتفخون يوما بعد يوم , ينتفخون على جميع الأصعدة و في شتى المجالات من تصدر المجالس إلى تصدر المشاركين في مسابقة اكبر كرش ادمي ( التخمة). أما البعض الأخر فنجده ناب الحكومة خلال فترة نيابته البرلمانية, فكان و لا يزال ينتظر وعلى أحر من جمر البطالة التي يكتوي بها العاطلين عن العمل- ان تهمس له الحكومة بما قد يجول في خاطرها من أماني ليتفانى هو وجمعيته في تحقيق ذلك ثم يذهب في اليوم التالي إلى ولي نعمته طالباً منه العفو و الغفران عن ما بدر منه من تقصير.
ولعل المبكي- نعم مبكي فقط, حيث ليس من مضحكٍ هنا- أنني وبصفتي احد المغلوبين على أمرهم في بلد يجره الجميع إلي الهاوية, أدمنت القهر والإحباط, فصرت أصبح كل يوم لا لشيء إلا لأخذ جرعتي منهما عبر الحرص الشديد على قراءة جرائدنا ومتابعة أخبار الجزيرة البائسة. وعلى الرغم من أني مدمن اطلب قهراً اكبر وإحباطاً أكثر كل يوم و ذلك بتقصي أخبار مجلس النواب , رغم كل هذا الحرص – حرص المدمن- رغم كل هذا , مازال أمامي نواب لا اعرف أسماءهم , رغم كل القهر ( العهر) اليومي الذي يمارس ضدنا مازال هناك نواب أتمنى ان اسمع أصواتهم. ابنتي سمر التي لم تكمل عامها الأول تكلمت, وبعد كلمة بابا و قبل ان تنطق بكلمة ماما صارت تطالب بما تريد و تعتبره حقها قائلة ابغي. أما هؤلاء النواب فلقد اكملو عامهم الثالث و لم ينطقو بعد,(هل هو خلل في الجينات) هؤلاء النواب الصامدون الصامتون لم يتعلمو ان يقولو بابا بعد , فهل يأتي يوم يطالبون فيه بحقوق شعب طحنه الشوان و الحجر, في رمزية السياب عن الثنائي الذي لا يبقي و لا يذر.
وحين أركز قليلاً, وأمعن النظر في ما يخصنا أهالي النعيم. أجد ان نائبنا الفذ ( ممثل الدائرة الثانية من محافظة العاصمة) فهو يتحسس حاجات المواطنين , و يدافع عنها تماماً كما كان يفعل أبو ذر الغفاري في الشام – لذلك اقترح تسميته بالنائب الغفاري لما بينهما من تشابه-. فهذا الدكتور الألمعي صاحب النظرة الثاقبة في الفائض من عائدات البترول و المقالات الرنانة في إرساء دعائم الديمقراطية في بلد تحاكي المملكات الدستورية العريقة, هذا الفذ لم يكترث يوماً بلقاء الأهالي او حتى زيارتهم . وقد تنامى إلى مسامعي انه قال " إنهم لم ينتخبوني , فقد فزت بالتزكية" . نحن في النعيم فعلاً لم ننتخبه !!! ولكن هل عدم انتخابنا له يجعل منه نائباً عن دائرة أخرى؟ او نصبح نحن اقل مواطنة مِن مَن انتخب؟؟ هل ينفي عدم الانتخاب منا الحاجات والمطالب؟؟
اليوم وبعد هذا العطاء منقطع النظير منك و من زملائك الجهابذة تحت قبتكم النوراء, نحن سعيدون أننا لم ننتخبك و أترابك, لعل الكثير منا في النعيم غضبان أسفا على عبادة العجل و عدم انتخاب غيرك. ولكن ثق إننا لن نفوت الفرصة على أنفسنا مرتين , فمرارة ما جرعناه منكم يا ممثلي الشعب الغيورين لا تقل عن طعم الزقوم ايام النفق المظلم.....
|