تمر علينا ذكرى رحيل السيدأحمد الغريفي، ذلك الرمز الديني - الاجتماعي الذي استطاع في فترة وجيزة من حياته تحقيق الكثير عندما نراجع قساوة الظروف التي عاشها.
رحل الغريفي في 27 يوليو/ تموز 1985 إثر حادث تعرض له وهو عائد إلى منزله في المساء. وطبيعة الظروف المحيطة آنذاك اثارت اسئلة عن الحادث وعن الوضع بصورة عامة وكانت جنازته يوما مشهودا.
السيدأحمد الغريفي درس في النجف والقاهرة وامتزج فكره الاسلامي بالواقع المتحرك باتجاه صعب جدا. فلقد كانت فترة منتصف الثمانينات من أصعب السنوات التي مرت على البحرين من الناحية السياسية. إذ تم القضاء على الجماعات السياسية الاسلامية الواحدة تلو الاخرى، وكان الرعب هو عنوان المرحلة.
فبينما كان الرعب يسيطر على النفوس والنشاطات تختفي الواحد بعد الآخر، كان جامع الخواجة يجتذب الشباب المتعطش إلى التوجيه والارشاد، وكان الغريفي يسير بخطى ثابتة وهادئة، ينصح ويوجه ويحذر من عواقب الازمة المستمرة آنذاك.
كان "بعض" الناشطين ينصح بعدم الصلاة خلف الغريفي وعدم الذهاب إلى منزله لأنه كان مراقبا، وزيارته أو الالتقاء به قد يعرض الشخص لمخاطر الاتهامات التي كانت توجه إلى أي ناشط في المجتمع. غير أن الغريفي كان ينشط وكأنه لا يرى الذين يضايقونه، ذلك لانه كان يعيش حرية الفكر في داخله ويعيش الاطمئنان القلبي الذي منحه الله لمن يذكره.
ربما يتساءل المرء: ماذا لو كان بيننا الغريفي؟ أولم نكن قد أنعشنا الحركة الإصلاحية بطاقة مهمة مثله؟ فهو الذي نهل من العلوم الاسلامية في النجف والقاهرة، وهو الذي كان يقرأ ما يقرأه الشباب ويتحدث بما يتحدثون به ويقترب منهم في همومهم ويوجههم إلى رضا ربهم وخدمة مجتمعهم.
أننا في البحرين يمكننا أن نفخر بالغريفي وأمثاله، لان ارضنا اثمرت الرجال والنساء الذين حملوا هم مجتمعهم وعملوا بجد ومن دون كلل لرفعة شأن البحرين والصعود بأهلها إلى مراتب عليا من الحياة الحرة الكريمة.
الغريفي من عائلة لها جذورها الممتدة ولها ابناؤها الذين مازالوا يرفدون الساحة بنشاطاتهم، والغريفي له تلامذته الذين التفوا حوله طوال السنوات العجاف التي مررنا بها. ولو كان معنا هذه الايام لكان نبراسا للشباب والناشطين الذين يتوقون إلى شخص هادئ ومفكر وناشط ومطلع على ما يكتب في شئون الفكر والسياسة والمجتمع.
علماء الدين الذين حصلوا على تعليمهم في اكثر من بلد والذين دخلوا الدراسات الحوزوية والجامعية اثبتوا قدراتهم المنهجية في التعامل مع واقعهم وخدموا دينهم، والناس الذين يتأثرون بهم. والغريفي كان من هذه النوعية، واحياء ذكراه يقتضي دراسة عوامل نجاحه واقتفاء أثره.
بعد ثمانية عشر عاما مازالت صورة وذكرى السيدأحمد الغريفي في أذهان الكثيرين ممن عرفوه، وهذه الذكرى تحيي النفوس وتدعوها إلى الاستزادة من معينها. |