لم يكن الحاج عبدالرسول الاسكافي عندما طلب منه مسؤولو التعذيب بوازراة الداخلية في صباح السبت الثامن من شهر يوليو 1995 مستعداً لسماع خبر استشهاد ابنه، خصوصاً وان المسؤولين الذين تحدثوا معه وطلبوا منه الحضور إلى المستشفى لم يخبروه بالوفاة، بل قالوا ان ابنه مريض. وعندما اكتشف الرجل ما حدث لابنه كاد يموت على الفور حزنا وكمدا، وأغمي عليه فعلاً بعد رجوعه من المستشفى ومعه جثة ابنه.
كان سعيد الاسكافي الذي ولد 7/3/1978 واحداً من شباب هذا البلد المعذب، الذي شارك في الانتفاضة التي شهدتها البحرين إبان عقد التسعينيات من القرن العشرين. وكان طالباً بالصف الأول الثانوي بالثانوية العامة الصناعية. وخرج في بعض التظاهرات شأنه كغيره من الشباب المتطلع لغد أفضل على أرض البحرين. عاش محروماً من حنان الاُم وحضنها الدافئ بعد أن توفيت والدته وتركته مع خمس أخوات وستة إخوة قبل بضع سنوات. يضاف إلى ذلك ثلاث أخوات وأخ واحد من والده الذي تزوج بعد وفاة والدته. تعرض هذا الشاب لمعاملة قاسية جدا أثناء فترة سجنه التي لم تتجاوز ستة أيام، وهي معاملة وصفها الأطباء الذين رأوا صور التعذيب على جسده بعد استشهاده بأنها جريمة يستحق مرتكبها المثول أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الحرب ضد الإنسانية؛ فمنذ أن اعتقل في 29 يونية وحتى وفاته يوم الأربعاء 6 يولية تعرض إلى معاملة قاسية جدا وتعرض لألوان مختلفة من التعذيب النفسي والجسدي. كانت آثار التعذيب واضحة على أنحاء جثته، فيما أكد الأطباء تعرضه لأنواع عديدة من التعذيب بهدف كسر معنوياته وللحصول على "اعترافات".
في 29 يونيه جاءت عناصر الجهاز الخاص إلى منزل الشهيد لاعتقاله، ولكنه لم يكن هناك. فما كان منه بعد رجوعه إلى المنزل إلا أن قرر الذهاب إلى مركز الشرطة بنفسه معتقداً ان ذلك سوف يوفر على العائلة قدراً كبيراً من المعاناة؛ فهو يعلم ان من لا يفعل ذلك يفتح باب المشاكل على مصراعيه أمام عائلته. فذهب في اليوم التالي ولكنه لم يعد إلا جثة هامدة! وعندما كان على المغتسل اكتشف الذين كانوا يغسلونه انه تعرض لأنواع من التعذيب الجسدي والنفسي قبل وفاته. وقد أثار ذلك مشاعر المواطنين الذين حضروا لتشييعه بأعداد كبيرة جدا. وفي اليوم الثالث لوفاته توجهت الجموع إلى قبره لقراءة الفاتحة على روحه (ما اصطلح على تسميته محليا: كسار الفاتحة)، ولكنهم تعرضوا بعد ترديدهم عدد من الشعارات المعادية للحكومة لهجوم من قبل قوات الأمن بدأ بإطلاق الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والحي. وقد أصيب عدد من الأفراد بسبب ذلك، وتعرض بعضهم لشظايا في أعينهم، وفقد بعضهم بصر عين واحدة.
و قد كتب والد الشهيد رسالة إلى وزارة الداخلية يتهمهم فيها بقتل ابنه ويطالب بإجراء تحقيق في ذلك، مؤكداً ان ابنه الشهيد تعرض لأبشع أنواع الاعتداء الجسدي والنفسي قبل وفاته في السجن وكانت آثار التعذيب واضحة في أنحاء جسمه، وخصوصاً في يديه اللتين تقرحتا. وقد توفي، كما يبدو يوم الأربعاء 6/7/1995 حيث سرب جهاز الأمن في ذلك اليوم خبراً بأن سعيداً سوف يطلق سراحه، ولكن اكتشف أهله يوم السبت انه قد استشهد.
ولدى انتشار الخبر خرجت تظاهرات غاضبة في مختلف مناطق البحرين، كانت أولاها مسيرة التشييع في منطقة النعيم، مسقط رأسه التي مرت في الشوارع العامة منددة بالحكومة. كما شهدت السنابس والديه واسكان جد حفص والمصلى وطشان تظاهرات احتجاجية أيضا. وفي الليلة التالية خرجت مسيرات في سترة والدير وسماهيج وكرزكان.
كان الشهيد سعيد الاسكافي، برغم صغر سنه، يتمنى الشهادة كبقية الذين سبقوه على هذا الدرب. وعندما ذهب إلى المباحث لتسليم نفسه في 29/6/1995 أوصى أهله بالعناية بالدجاج وطيور الكناري التي كان يربيها وحوض السمك الذي كان يهتم به، الأمر الذي يؤكد وداعته وبراءته. وقد اعتمد على نفسه منذ صغره في كسب الرزق لتأمين حاجته من المال لمواصلة دراسته، وكان يشارك في الاحتفالات ويساعد الآخرين. ولم يكن كثير الخروج من المنزل إذ كان لا يخرج إلا لممارسة رياضة كرة القدم أو للدراسة المسائية في المأتم.
لقد بقيت في نفوس الشعب حسرة عميقة باستشهاد هذا الشاب خصوصاً بعد أن تأكد ممارسة أبشع أساليب التعذيب وأقذرها ضد شاب يافع لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر. وسوف تبقى هذه الحسرة في النفوس حتى تأخذ العدالة مجراها ويلقى قاتلوه ما يستحقونه.
تحية اكبار واجلال شهيدنا الذي لم يتخلف عن أداء واجبه الإسلامي والوطني برغم حداثة سنة.. لقد كان كبيراً في نفسه، عظيماً في مواقفه، عملاقاً في إرادته، طوداً في صموده أمام الجلادين، شامخاً بأهدافه، خالداً باستشهاده.