قال تعالى في محكم كتابه الكريم " و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفورا رحيما "
الهجرة في سبيل الله قد تكون أمرا لازما في حياة الإنسان المؤمن حينما تضيق به السبل و تقف في طريقه العوائق و الصعاب ، و لا يستطيع إحياء و نشر القيم الإسلامية الفاضلة..فحينما يهاجر المؤمن في سبيل الله تاركا وطنه و أهله و أحبته و عمله و كل ما لذ و طاب في هذه الدنيا ، واضعا رضا الله سبحانه و تعالى أولا و أخيرا نصب عينيه .. و من ثم يدركه الموت في الهجرة ، فهو إن شاء الله شهيد عند الله سبحانه و تعالى ..
و الشهيد الشيخ يوسف أحمد سلمان الشيخ ، هو ممن هاجر فاستشهد في سبيل الله خارج أرض وطنه ، و يشرفنا أن نسلط في هذا المقام بعض الأضواء على حياة الفقيد الشهيد ، من نشأته و حياته ..
فقد ولد الشهيد السعيد في منطقة النعيم في عام 1960 ، في أسرة تنحدر من أحد العلماء المعروفين في البحرين ممن كان لهم إسهاماتهم البارزة دينيا و ثقافيا و اجتماعيا، فنشأ الشهيد في بيت عامر بالفضيلة و الدين ، و ترعرع في أحضان القرآن الكريم و التعاليم الدينية و الأخلاق النبيلة حتى شب عليها . و ما أن بلغ الشهيد سن الثامنة عشرة من عمره حتى خرج حاجا إلى بيت الله الحرام ..
كما كان الشهيد يوسف معتمدا على نفسه منذ صغره ، إذ كان يعمل أثناء العطل الصيفية ليتحمل مصاريف دراسته و معيشته، و لما وجد الساحة بحاجة إلى العطاء و التضحية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بقيادة آية الله الإمام الخميني رضوان الله عليه، حتى سارع إلى الهجرة لإيران طلبا للعلم والاستفادة من المعارف الدينية ولإحياء القيم الإسلامية والنهوض بمجتمع إسلامي، وقد كان ذلك في عام 1981م إذ التحق بقافلة الرساليين الذين تركوا ديارهم و وظائفهم مهاجرين للجمهورية الإسلامية.
و في عام 1989 م هاجر الشهيد هجرته الثانية إلى سوريا ، بجوار مرقد الطاهرة السيدة زينب عليها السلام ، حيث وجد ضالته في الحوزة العلمية الزينبية ، فاستغل الشهيد وجوده فيها محفوفا بأقطاب العلم و المعرفة من أساتذة الحوزة العلمية بالنجف الشريف ليدرس مختلف العلوم الإسلامية على يد كبار الفقهاء و المجتهدين و ليقطع شوطا كبيرا في هذا المضمار .
أما عن صفاته و أخلاقه ، فقد عرفه الجميع بتواضعه الجم ، فلم يُرى إلا و البسمة تعلو محياه ، كان واسع الصدر حليما محبا و محترما للكبير و الصغير، يهب لمد يد المساعدة للقريب و البعيد .
و قد كان معروفا بين جميع أوساط الزائرين لمرقد السيدة زينب عليها السلام ،حتى أنه عندما توفى ، أقيمت له العديد من الفواتح في مختلف البلدان .
كما كان الشهيد يقتدي بأخلاقيات أهل البيت في تعامله مع أهله و مع الناس ، فدائما كان يردد أن هم مرجعنا الأول و الأخير . و في عام 93 م نزل الشهيد مع عائلته إلى مطار البحرين، إلا أنه لم يسمح لهم بالدخول و تم إيقافهم ليوم كامل ، ثم تسفيرهم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ، و بقي في الإمارات لما يقارب الخمس سنوات ، يكدح ليل نهار ليعيل أسرته حتى لا يمد يده للآخرين .
و في يوم الخميس الموافق 18 فبراير من عام 1999 م و في الساعة الواحدة ظهرا ، رحل الشيخ يوسف على إثر حادث مروري مروع ، قد راح ضحيته مع ابنته الصغيرة ملاك ذات العامين، كما أصيب جميع أفراد أسرته بجروح و كسور بليغة ، أشدها إصابة هي لولده أحمد و الذي لا يزال يعاني حتى وقتنا الحالي ، و قد بقيت جثته الكريمة لمدة أربعة أيام في الإمارات ، حتى سمحوا لها بالدخول بعد إجراءات مشددة و مصاعب عديدة ، ليدفن أخيرا في مقبرة النعيم .
و أخيرا و ليس أخرا .. نرجو من الله العلي القدير أن يتغمد الشهيد في رحمته الواسعة و يسكنه فسيح جناته . و سلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم استشهد و يوم يبعث ..
|