إن الأسباب المباشرة والسطحية لتفشي الفقر، البطالة وسوء توزيع الثروة والاستغلال غير الصحيح للموارد الاقتصادية وروافدها، غير أن هذه الأسباب لاتمثل العلة الجوهرية بقدر ما تمثل إفرازات وتبعات لمسببات أساسية تمثل في كنهها العلل الأصلية لهذا المرض العضال.
في شهر أبريل من عام 2003م صرح مدير التأمينات الاجتماعية قد أعلنت إفلاسها في كلٍ من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد.. إنه وبعد أول استلام المصروفات التقاعدية بعد أكثر من عشر سنوات من تدشين المؤسسة والصندوق لم تكن هناك مطالبة مالية تذكر. هذه الفترة كانت مرحلة تكديس للمشاركات حيث في الثلاثين سنة الماضية التي تلت تكوينهما. لم تستطع المؤسستان استثمار الاشتراكات بحيث تغطي التكاليف الإدارية من جهة وتضمن تدفقاً للسيولة بما يسمح بصرف رواتب مجزية للمساهمين..
وهنا تثار عدة تساؤلات... التساؤل الأول هو إما أن القائمين على المؤسستين غير مؤهلين من ناحية مهنية بحيث أنهم لايعرفون ما يعملون بهذه الأموال الطائلة بحيث لا يستطيعون تمييز المشروع الخاسر من الرابح. وإلاّ فأين مشاريع المؤسستين وما هي ربحيتهما ؟؟
من عام 1999م إلى 2002م انخفضت عائدات الاستثمار في الصندوق من 9.1% إلى 5.5% وبشكل أسوأ في التأمينات من 6.8% إلى 1.5% فمن المسؤول عن هذا التدهور والانخفاض وما هي الإجراءات العملية التي إتخذتها الحكومة وكذلك هاتان المؤسستان لوقف هذا الانخفاض الخطير والمخيف؟؟
والتساؤل الثاني يكمن إما أن أيدي الفساد هي المسيطرة على المؤسستين بحيث لاتعطى الفرصة للاستثمار الجيد الذي يعود بالنفع على المؤسستين؟
وإما أن تكون مصاريف المؤسستين (موارد بشرية ومادية) في ازدياد بحيث تطغى على المدخولات وأرباحه وهذه أيضاً محل تساؤل فحسب ما نشر من أرقام فإن مصروفات المؤسستين يناهز 6 ملايين دينار سنوياً. فأين تصرف وأين تذهب هذه الملايين؟
وفي ظل ازدياد الفساد المتفشي في البلاد لاتوجد هناك جهة رقابية على المؤسستين يكون للموظفين والعمال تمثيل ودور يمنع أي تجاوزات مالية أو إدارية وهذا ما يعزز المطالبات الشعبية في وجود برلمان حقيقي كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية وفي ظل الأوضاع السياسية الراهنة لا يمكن أن يطرح سؤال كمثل السؤال (من أين لك هذا ؟!) وهذ السؤال المحرم ومن الخطوط الحمراء التي يجب عدم تعديها لإحتمال أن ينجر السؤال ليطال شخصيات متنفذة كبيرة..
إنها قناعة مدللة بأرقام ووثائق بأن هذها السبب وراء الوضع المتردي في البلد بشكل عام.وهنا يطرح تساؤل كبير فبعد مضي أكثر من ثلاثة عقود من الاستثمار لملايين الدنانير من أموال المواطنين أضحى مستقبل الأجيال على كف عفريت. فهل يمكن أن نطمئن على مصير الأجيال القادمة؟ إذا بقي الوضع على ماهو عليه.. فسوف نكون واهمين. |