عشر بحرانيات من وحي العشرة(9): يحصدون الرؤوس على طريقة المافيا الكاريبية
في مقام الحديث عن الألوهية واثبات وحدة الله سبحانه وتعالى ، يتخذ بعض المتكلمين بعض الافتراضات أو المقدمات لبراهينهم العقلية . فعلى سبيل المثال: يفترضون وجود خالقين متشابهين في كل شيء ومتساويين في القدرة والسلطنة . ثم يصلون إلى نتائج كثيرة مثيرة ، من بينها :إن كل إله منهما يظل مقيدا بالإله الآخر ولا يتعدى حدود قدرته وسلطنته ولا يطغى على منطقة هيمنة الإله الآخر. هذا مع افتراض جدلي يفضي إلى أن كل واحد منهما لن يعلو على الآخر. وبذلك يسقط الخالقان المفترضان إذن في دائرة الحدوث، كما في نص الآية الكريمة :
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (91) سورة المؤمنون
وفي مقام الحديث عن البشر كمخلوقات متعددة في أشكالها وألوانها ووظائفها وغير ذلك مما يميز ذواتها في الأحوال والأوصاف ، يعتقد بعض السياسيين في البحرين– بما كسبوا من علم ورشد – في الحياة المدنية اعتقادا شبيها إلى حد ما باعتقاد المتكلمين، فيفترضون أن تكامل مؤسسات المجتمع المدني على أساس تعدد وظائفها يعد ذهابا عند كل واحد منها إلى ما أسس وصنع ووظف، فذلك مما يدعو إلى ضرورة إثبات الذات. وعلى قوائم هذه الضرورة يعلو بعضها على بعض آخر، فيترتب على هذا الأمر وجوب الأخذ بنظرية الوحدة في المجتمع المدني ونبذ التعدد المؤسسي بأشكاله وأفكاره وآرائه ومواقفه ووظائفه!.
فتعدد المآتم وبرامجها وزعاماتها هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة !.
وتعدد المواكب الحسينية هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وتعدد المرجعية والفتوى في الشعائر هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وتعدد البرامج الثقافية الحسينية هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وتعدد الجمعيات السياسية والاجتماعية والثقافية الدينية هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وتعدد المواقف السياسية والاجتماعية والثقافية هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وتعدد القيادات والزعماء والوجهاء والعلماء في نظر ورأي وموقف هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وتعدد النشاطات المطالبة بتحقيق طموح المواطن في كل شأن هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وتعدد الفكر والمفاهيم في معالجة السياسات الوطنية هو ذهاب كل واحد منها إلى ما خلق ،فذلك علو يستوجب الكراهية والفرقة!.
وكل تعدد هو وصول إلى تشابه وتساوي مكروه ومرفوض بالبداهة ويستوجب القيد والضعف والحاجة ، فلا مناص من بناء الوحدة العددية بأية وسيلة ، لأن الغاية هنا تبرر كل سلوك وحدوي ،والمسألة دينية ووطنية مؤيدة بالعقل والنص.!
فالمآتم يجب أن تكون مأتما واحدا فقط . وكل المواكب الحسينية يجب أن تكون موكبا واحدا فقط. والمرجعية والفتوى يجب أن تكون واحدة فقط. وكذلك البرامج الثقافية الحسينية ، و الجمعيات السياسية والاجتماعية والثقافية الدينية ، والمواقف السياسية والاجتماعية والثقافية ، و القيادات والزعماء والوجهاء والعلماء في النظر والرأي والموقف ، و النشاطات المطالبة بتحقيق طموح المواطن في كل شأن ، و الفكر والمفاهيم في معالجة السياسات الوطنية ، كلها يجب أن تكون واحدة بلا "ديمقراطية" ولا " شورى" لأن الديمقراطية والشورى من بنات العلو والكبر ، ومن آثار انتفاضة شعبية غير راشدة!
فإذا تسنم أحد منا رآسة مأتم أو حسينية ،كان هو الرأس الذي يجب أن تتذلل له كل الصعاب على يد الحافين من حوله .
وإذا تسنم أحد منا رآسة هيئة مواكب حسينية ، فعلى المواكب كلها أن تخضع لاتجاهاته الفكرية وتوجيهات ظله الوارف.
وإذا تسنم أحد منا رآسة جمعية ، فعلى كل نظمها وأفرادها أن تسير على خطى قراراته الفردية وإلا فليذهب كل عضو إلى حيث "يخلق" ويشاء بمفرده.
وإذا تسنم أحد منا مرجعية فالفتوى فتواه ولا لغير من نظرائه حق شرعي في المرجعية والفتوى.
وإذا قدر لأحد منا استلام منصب رسمي في وزارة أو غيرها فهو أعقل الناس ولا عقل في الدنيا غير عقله ، وان القانون بجل نصوصه سندا لهذا العقل الفريد المجرد على نمط الحكومة ، فتتحول وزارته وأحواله الشخصية إلى نسخة عن خلية مافيا كاريبية .
وإذا قدر لأحدهم استلام منصب ثقافي أو إعلامي فإن مؤسسته الثقافية أو الإعلامية تتحول بفضل كفاءته وبعد نظره إلى "منظمة أوروبية سلفية" لا شغل لها إلا حصد الرؤوس على طريقة الـ(كي جي بي) الروسية.
وهكذا يسود الأمر في بقية الوظائف الرئاسية والمرجعية والإدارية الشعبية والرسمية . و
هكذا كنا ، وهكذا يجب أن نكون ، وحدة واحدة ، حتى يتسنى لنا بناء قمة هرم واحد يسهل قلعها حين تينع أو تحين فرص قطافها في موسم أموي!.
فلا خيار لنا للخروج من هذا المأزق التاريخي إلا بالحسين (عليه السلام) . فهو الذي خاطب الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بألفاظ تنطبق على كامل المعاني بلاد زيادة أو نقصان ، حين قال: "أيها الأمير، إنا بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالبيعة والخلافة".
والخليفة هنا هو "يزيد بن معاوية" ذي القوة أو المنعة ، والسواد الأعظم من الناس في إثره مؤيدون وموالون في رغبة من حطام الدنيا ، والحسين(عليه السلام) هنا بلا ناصر أو معين إلا في قلة من أهل بيته وأصحابه المنتجبين . وبجانب هذا الظرف المعقد لم يقل الحسين (عليه السلام) :" أني لا أبايع يزيدا " ، إنما قال:" مثلي لا يبايع مثله" في إشارة واضحة إلى أن المراد بهذا القول النفسي هي القيم في قمة تمامها وكمالها و قداستها عند الحسين(عليه السلام) ، في مقابل " الفسق" على قمة شدته وعلوه .
|