لحظات من التفكر المجرد من شأنها أن تعطيك الكثير من الوعي. فهل وقفت على تساؤل ذاك العالم الرباني ذي البصيرة النافذة ؟
فقد قدر لهذا العالم مراقبة مسيرتين سياسيتين في إحدى البلاد الإسلامية . فوجد صورا مرفوعة وأعلاما ممشوقة في مسيرة اليوم الأول على غير صور وأعلام مسيرة اليوم الثاني ، فأخذه عقله البسيط إلى البحث عن حقيقة الاختلاف بين مسيرتين معارضتين لنظام سياسي واحد ؟
فقيل للعالم المجيد: "أن كلا المسيرتين كانتا للمعارضة ، وان معارضة مسيرة اليوم الأول على غير معارضة مسيرة اليوم الثاني ، وان صور شهداء ومعتقلي اليوم الأول غير صور شهداء ومعتقلي اليوم الثاني. وكل قوم بما لديهم هم فرحون بما أوتوا من الشهداء والمعتقلين.
فكانت حكمة هذا العالم الرباني المستوحاة من فكر أهل البيت(عليهم السلام) سابقة . فقال : "انهم بهذا سيجتمعون في يوم مستقبلهم على غير ما يؤمنون ويرضون ،وسيتفرقون حين تدعوهم ضرورات الإيمان وحقوق الوطن إلى ذلك" !.
وفي الأخير ، يدعو هذا العالم الجليل أبناء وطنه لمسيرة موحدة تجمع كل الصور وكل الأعلام والأعلام ، فيجتمع المتظاهرون ولا تجتمع قلوب الأعلام !
وتمر الأيام تتلوا الأيام ولا يجتمعون . وإذا بالمفاجأة تسقط نظام صدام ولا يجتمعون . ثم تسقط كل خياراتهم السياسية فيجتمعون فجأة تحت راية الولايات المتحدة الأمريكية ولا يجتمعون . فهم كلهم رؤوس ، وإذا بحكومة يرأسها مجلس حكم منهم ولا يجتمعون ..أرأيت مزرعة البصل؟!.
فهل نرضى لوطننا البحرين ولأنفسنا ولمجتمعنا هذه الفرقة الخبيثة ؟
لقد كدنا نقسم الشهداء إلى شهداء للحركة الإسلامية وشهداء للحركة الدستورية . ونحمد الله أن بعض رموزنا المخلصين قد تحملوا مسؤولية بناء الوحدة الاجتماعية ، ولكن لازالت هناك بعض المنغصات في وادي آخر. من بينها : أننا لازلنا ننظر للمعتقلين والسجناء بنظرات متحزبة حادة جدا. فهذا من معتقلي وسجناء هذه الجماعة ، وذاك من معتقلي وسجناء تلك الجماعة . وبناء على ذلك ، تتحدد فرص تكريم المعتقلين والسجناء وتتقيد في إطار هذه الدائرة الضيقة عند بعضنا من الأعلام .
وتجد الجميع يشترك في إحياء ذكرى الشهداء بلا تحزب ، لأن حياءنا من بهاء الشهداء وحسن صورهم عند الله تعالى يمنعنا عن ذلك ، ولكن التحزب يكون ظاهرا أثناء تعاطينا مع المعتقلين والسجناء وكأنهم تحت رحمة غير الله ، ولأن الأمر هذا يدعونا لموقف قد يخسرنا الكثير عند المتحزبين من أقراننا. وإذا بنا لا نضع اعتبارا للمعاناة الناتجة عن آلام التعذيب التي يعيشها هذا المعتقل أو ذاك السجين لكونه من جماعة أو جمعية فلان .
لقد قرأت مؤخرا المقابلة التي أجريت مع الأخ العزيز نادر النشيط ، المعتقل في فترة الثمانينات التي هي اشد وطأة على المعتقلين والسجناء نسبة إلى غيرها في فترات التسعينات. وأنا بدوري أكن لهذا الأخ العزيز ولعائلة النشيط الكريمة كل الحب والتقدير والاحترام ، وعشت أيامه المريرة من خلال معرفتي بما كان يجري له ولغيره في السجون من إرهاب آنذاك . وكلما رأيته ورأيت أخي العزيز محمد صالح النشيط (15عام سجن) في الفترة القصيرة التي تواجدت فيها على ارض البحرين ، وجدت فيهما شموخا وعزة لا توصفان . كل ذلك بما أعطوا وضحوا من أنفسهم ولم يطلبوا من أحد جزاء ولا شكورا مقابل ما قدموا .
وإذا كان الآخرون قد كرموهما ، فلأنهما كانا في طليعة العاملين والمخلصين في منطقتنا . أليس من العزة والكرامة أن نكرمهما وهم أبناء منطقتنا . أليس من الحكمة تقديرهما والاعتزاز بهما كرموز في واقع وتاريخ هذه المنطقة.
إن إحياء ذكرى الشهداء وتخليدهم هو إحياء لواجبات وضرورات ديننا. بينما تكريم المعتقلين والسجناء في حياتهم قبل مماتهم ، هو عنوان كبير واسع فيه دلالة على احترامنا لنضالنا وجهادنا وتضحياتنا ، ولأنفسنا وذواتنا القادرة على تخطي كل عوامل الفرقة والجهل.
|