بسمه تعالى
عشر بحرانيات من وحي العشرة : (3) سلطة الطائفة عقول لا بقل فيها ولا عدس
"ألف وأربعمائة وخمسة وعشرون عاما" من السلطة الطائفية المطلقة المطبِقة والمهيمنة بلا رحمة أو شفقة على مقدراتنا المادية والمعنوية.. عاثت فينا تقتيلا وتدميرا وصنعت متاريس لها ألوانا متباينة من الحكم القبلي والملكي والجمهوري والوطني وما أشبه، وألوانا محصورة العقل على لون طائفي استبدادي مطلق تجتمع عليه بلا خلاف. فأين الشفيع لهذه السلطات أمام الرعية الصابرين المتجرعين الألم والمقايضين همومهم اليومية بهم وغم غزير على مدى (1425) عاما؟!.
وكلما تهافتت السياسات الدولية تهافتت إلى جانبها "السلطة الطائفية المطلقة" وتلون نظامها في الحكم حتى انبثقت عنها مسميات سياسية جديدة مثيرة للاستهجان وتشي بالتطور والتجديد في دائرة "الطائفية المطلقة" ذاتها لا غير وبدون استحياء أو خجل.
ومنذ البداية ، وبعد رحيل المصطفى (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى سبحانه وتعالى ، قلنا : إن الخلف على السلف سائرون ، وإذا بنا نسمع بالتتابع أن معاوية (صعد) المنبر ولم يرتقيه في جدل سياسي مثير ، فأعلن ابنه يزيدا حاكما وريثا ، فتساءلنا: وكيف يحكم يزيد الفاسق وشارب الخمور وقاتل النفس المحترمة وبينه وبين حكم المدينة جيل واحد فقط .. لا بد من خطب عظيم لحق بالناس بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)؟! .
ثم تنطفئ نار الأمويين بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) فيندحرون ويلعنهم اللاعنون ،وتلتهب نار العباسيين من بعدهم فيعقبهم العثمانيون في ستة قرون من الحكم الطائفي المطلق ثم يندحرون فيلعنهم اللاعنون . وهكذا تُعلَن فينا "سلطة الطائفة المطلقة" قدرا في أشكال و رؤوس كرؤوس البصل والفجل ، وعقول لا عدل فيها ولا "عدس ولا ثوم ولا بقل ولا عسل".
وها نحن اليوم نسكن دار تحولات عالمية قد تقفز بعالمنا الإسلامي على سلطة الـ(1425عاما) ذات اللون الطائفي الواحد البغيض المطلق إلى سلطة مغايرة يدّعى بأنها متوازنة ، في مناخ تتنادى وتتباكى فيه عناصر سلطة ألـ(1425عاما) المندحرة والمتهاوية إلى أنها لازلت الممثل الوحيد لـ(طائفة الله المختارة) التي اصطفاها ربها وطهرها وجعلها للناس إماما مهما جرى من تحول عالمي ، لأن القدر – في قطعها- حتّم دوام لجوء السلطة لها وان سلطة التعدد المذهبي المتوازن إن رقت منبر السياسة فهي سلطة لا شرعية ومخالفة لسنة الأولين في الحكم والآخرين ، ولا تمثل إلا خلافة القطب الدولي الواحد المتضمنة لكل مكونات الغبن لـ(طائفة سلطة الله المختارة) ، وكل الخشية أن تكمن خلف حوادث هذه الخلافة ثقافة الإدانة والاتهام لهذه (الطائفة) بالعبث بمقدرات الأمة ودينها طوال قرون الـ(1424) المنصرمة ، فلا حق لها في ميراث الأمة. والحال أن العالم يعلم بأن (سلطة طائفة الله المختارة) لا تمثل طائفة كريمة بعينها بل تدعي ذلك وتتوارى دوما خلف مذاهبها.
لا عجب إذن أن تصدر في صحافتنا مقالات وبحوث ودراسات ومؤلفات غرضها التعدي الطائفي على مرجعياتنا الدينية في البحرين أو خارجها ، أو النيل من ثقافتنا ونصوصنا الدينية وأفكارنا ورموزنا، وعلينا ترقب المزيد من ذلك في دوائرنا الحكومية . فهذه طعنات " المستبد الطائفي العادل" في الله !.. وهذه ردود فعل "المنكسر بقلب الأسد" في الله! .. وهذه استغاثات المستغيث" الغريق الصدّيق" الذي يعتقد بأن مياه الكون كلها خاضعة لإرادته التكوينية فكيف يُشرَّع من خلف طهره للبحار الحق في إغراق سادتها وقادتها وأئمتها!.. فمن يشرع لذاته "سلطة الطائفة المختارة" لقرون من الزمن فله الحق الخالص في جعل مراجع الأمة من غير طائفته أقطابا تدار عليهم رحى الأوصاف الخسيسة!!.
ولا غرابة أيضا أن تبرز لنا أبواق نشاز تسعى لإحياء ثقافة متجددة لحكم (طائفة الله المختارة) على هيئة المساعي الحميدة لأحياء (الفكر القومي) في حاضرنا كي ترث سلطة (1425عاما) المتهاوية من جديد ، وكلنا يعرف بأنها تتوارى خلف (الحق التاريخي) في الوراثة على سنة معاوية ويزيد ومن على شاكلتهما، وتوغل في تشريع مفاهيم "الديمقراطية" في شكل خاص قائم على مبرر تنقية السلطة من عبث العابثين والمارقين والقاسطين بعد التبري على ملأ مما لحق بالأمة جميعها من ألوان الطائفية والاستبداد والتطرف الأمني لرجال المخابرات وكبار موظفي الدولة لتشي لأمنائنا بأن أهل البيت( عليهم السلام) هم عشاقها الأول منذ الأزل وما عادل فليفل مثلا ومن ورائه من هواة القتل الطائفي خارج إطار القانون إلا عبّادا غلبهم الشيطان للحظة .. فالمرء على العفو أقدر !.
في مثل هذا الظرف ، تسعى (سلطة طائفة الله المختارة) حثيثا لوصف مذهب أهل البيت(عليهم السلام) المبارك بمذهب "الثورة" ، وتطوف صحفها ومنتدياتها الثقافية حول هذا الوصف ببراءة الأطفال ، في محاولة خبيثة للنيل من شأن وعظمة أهل البيت(عليهم السلام) ووصف اتباعهم بالأمة المستكينة التي لا شأن لها في الحياة سوى الصبر على الضيم حتى "الثورة العمياء" ،وفي الجانب الآخر هناك (أصحاب العقول) الكبيرة المتمثلة في عناصر (سلطة طائفة الله المختارة) المنتجبين المتوثبين لجني ثمار تلك " الثورة " على مدى التاريخ ،!.
هذه مغالطة لا يتبناها إلا جهال الثقافة والسياسة . ويرد هذا الرأي باستفهامات واعية عن نهضة الحسين وأهل بيته (عليه وعليهم السلام) ، فهل كانوا ثوار السياسة وكان الأمويون والعباسيون ومن أتى من بعدهم على سنتهم طلابا للسلطة فتأملوا في الفراغ الحاصل بعد تلك "الثورات العمياء" لأتباع أهل البيت(عليهم السلام) فاكتشفوا في أنفسهم "أولي الألباب" الوارد ذكرهم في القرآن الكريم فتلبسوا بالسلطة فصلحت لهم وصلحوا لها إلى أن يأذن الله باليوم الآخر ولم تصلح لأهل البيت(عليهم السلام) واتباعهم؟!
إن مذهب أهل البيت( عليهم السلام) مذهب القيم الدينية لا مذهب الدواهي الكبرى . ولو كانت سلطة أمير المؤمنين علي(عليه السلام) سلطة سياسة على سيرة (سلطة طائفة الله المختارة) لثبت أصلها في أكثر من خمس سنوات مستقرة على أقطاب وموازين متعددة مثّل رأسها معاوية في الشام ومثل جناحيها طلحة والزبير في الكوفة والبصرة .لكن دولة الإمام علي(عليه السلام) كانت حروبا متعاقبة ، حربا من بعد حرب، افتتن فيها كبار الصحابة فصعدت نجوم منهم وبهتت وضمرت أخرى كثيرة.
وهكذا بقية أهل البيت (عليهم السلام) كانوا صناعا للقيم وحراسا لها ، لذلك صمد هذا المذهب على كثرة النوائب وعلى طائفية بغيضة لـ(سلطة طائفة الله المختارة) لمدة (1425عاما) ، ونحن على يقين بما يخبئ لنا القدر في رحم المستقبل مادمنا على نهج أهل البيت(عليهم السلام).
إن نهضة الحسين(عليه السلام) كانت نهضة القيم الخالدة التي نحتفل في شهري محرم وصفر من كل عام ببقائها وصمودها وبنموها واتساع رقعتها الديمغرافية ، كما نحتفل بالرعاية والعناية والأثر الإلهي الذي نراه في كل لحظة على هذه القيم واتباعها ، فهي من قيم الشهادة والشفاعة التي أبى الله عز وجل إلا أن يخلدها ويجددها ويجعلها حية طرية كلما اخلد الزمان .
فـ"الثورة " علامة من علامات التململ والتناقض الصريح بين اتجاهين أو جهتين تكون إحداهما مالكة لكل مقومات السلطة والهيمنة والاستبداد ، وقد تنشأ "الثورة" لحاجات يومية ملحة بلا قيم إنسانية حقيقية . ولكن القيم حينما تكون المحرك الأساس لمشاعر الإنسان وضميره وعقله ووجدانه فإنها بلا شك ليست إلا إعلانا تاريخيا صريحا عن أصالة تلك القيم ورجالها ، وعلى امتلاك هذه الرجال للحقيقة المطلقة التي تشكل الامتداد الأصيل لرسالة الأنبياء(عليهم السلام) . عندئذ فلنخسر "الثورة" ومصالحها ولتذهب صحافتنا ومؤسساتنا الطائفية إلى الجحيم ، ولنكسب القيم الأصيلة ولنحافظ عليها لتتوارثها الأجيال ، فخير لنا هذه الوراثة الكريمة ولا خير في وراثة تلبّسها يزيد من بعد معاوية تكون وبالا على الأمة ومحل لعنة طويلة الأمد كما لعنت طائفية الـ( 1425عاما) التي استقر في قلبها يزيد بن معاوية ونمت بين أضلعها الشجرة الملعونة في القرآن الكريم. واما شماتة الشامتين من ذوي النفوس الضعيفة والمتهافتين أمام دارهم معدودة تسبغ عليهم من رواد نادي (سلطة الطائفة المختارة) المتوجسة خيفة على مستقبلها الطائفي ،مقابل الطعن في ذات المرجع هذا أو ذاك من أبناء (طائفة المطهرين)، فهي إلى ريح صرصر تهدها وتلقي بها أشلاء تحت لعنة اللاعنين.. ولكني على يقين بأنها لا تستحق كل هذه الضجة ، فدعوها تخلد في دارها "فليس في صحن الدار سوى الديار"! . |