جميل جدا أن يحدد شعار " عالمية فكر الأمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف)" لهذا العام بمناسبة مولده (عليه السلام) . ولكني أتساءل : كيف ندخل إلى العالمية بفكر الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف) ونحن نساق بمفاهيم منبثقة عن " اعتدالين " خطيرين :
- "اعتدال" الهروب عن الواقع السياسي والأخلاقي بمواقف وآراء مفرطة الانحناء حين يعود الأمر لمسائل الدولة ومتعلقاتها .
- و" اعتدال" التطرف إزاء كل ما توجب علينا إصلاحه في شأن الناس .
فـ " الاعتدال" كلمة دخلت إلى بلادنا في أسوء معانيها في الجوانب السياسية على وجه الخصوص ،حتى قال البعض في فلان من الشخصيات السياسية بأنه " شخصية سياسية معتدلة " .
وإذا ما شئنا التعرف على تلك الشخصية ، نظرنا إلى رأيه أو موقفه تجاه حادث سياسي أو قضية أمنية معينة تمس ديننا ومبادئنا أو أخلاقنا أو وضعنا الأمني أو السياسي ، فإننا نجده في أسوء حنقه واستيائه وقد تنزل في توجيه الاتهام عند تلك الحادثة أو القضية المهمة والخطيرة من الرأس المدبر إلى اقل المتنفذين انضباطا. ومن الأسباب والعوامل بأشكالها المختلفة إلى النتائج مباشرة وبلا تردد.
فإذا ما تحدث فلان عن إرهاب السجون بـ" اعتدال" فإنه لا يتعدى سيئ الصيت ( عادل فليفل). في وقت يرى عامة الناس أن ( فليفل ) ما هو إلا آلة متنفذة غير منضبطة قد عاثت في البلاد فسادا ، فكيف بمن هم يمتلكون زمام أموره ويتصدرون منصة القرار الأمني!
وإذا ما تحدث عن الفساد في مناطقنا بـ" اعتدال" فانه لا يتعدى بعض المتنفذين أو الإداريين في إدارات الدولة وبعض اوجه القطاع الخاص المتطفل على مناقصات الدولة وصاحب الأفضلية عند السلطة التنفيذية في كل حين ، في حين يرى الناس أن الدولة لا تصلح إلا بصلاح رؤوس سلطانها.
وإذا ما تحدث عن الوضع السياسي والقانوني للبلاد بـ " اعتدال" فإنه ينظر إلى النصوص بعمق حتى يجد فيها ما يضفي على مواقفه الفقيرة في عالم السياسة في يوم ما مسحة من البراءة . فبرر بسوء ما اخفق فيه ، ولا ينظر إلى الحق ليعرف به رجاله . فينادي حين يحين الحين :" النص صحيح ولكن بعض المستشارين قد أولوه وحرضوا الكبار على الانقلاب كل هذا المنقلب على النص وما دونه .إذاَ موقفنا ورأينا صحيح". في وقت يرى الناس إن القضية السياسية تلك كلها قد خرقت في أقوى زواياها لا أضعفها !
" الاعتدال " في نظر هذه الشخصيات ، هو النظر بالرأي والموقف إلى ما هو غير مكلف للذوات . وعلى هذا الأساس تفصل لبوس السياسة وتصريحاتها .
وقال قائل في قولي في " الاعتدال" هذا ، أنني لم انصف هذه الشخصيات . فقد أطلقتٌ موقفا غير " معتدل" على عواهنه ! . لكني أجيب :
" أليست هذه الشخصيات السياسية " معتدلة " جدا وبحق وبما تعنيه الكلمة ، حين تتعاطى مع الحوادث أو القضايا التي يمارسها مواطنو هذا الوطن في مناطقنا ؟! . فهم يحددون موقفا ورأيا بسرعة قياسية ، ويسمون الأشخاص والأسماء بلا وجل أو خوف ، ويمسون الرأس المدبر دون المتنفذين حتى يطيحون به ، ولا يهمسون في الآذان بل يصمونها لفرط تصريحاتهم وأقوالهم" .. ولا يخافون لومة لائم ، ثم ينصبون التهم جزافا على طول الزمن حتى يأخذ الله بأجل هؤلاء الأشخاص وهذه الأشياء.. ولا يرحمون !
" الاعتدال" ليس هروبا عن الحقيقة ، بل هو عدل ما بين الأشياء أو الأشخاص ، وان تقول الحق ولو كان على نفسك ، وان تعرف الرجال بالحق والأشياء كذلك. وبهذا العدل نستطيع أن نتخطى " المحلية" الضيقة ، ونتجاوز عبادة الأوثان من " الخطائين" و" المتكبرين" ، وان نعبر إلى " العالمية " بمواقفنا على نهج الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، لا على نهج الحوائج المضيعة لنا في الدنيا والآخرة .
ثبتنا الله وإياكم على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وجعلنا من جنود خليفة الله في الأرض إمامنا المهدي( عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي نزف إليكم بمناسبة مولده الشريف في هذه الأيام المباركة تهانينا .
|