إني لا يخاف لديّ المرسلون
رحل اليوم.....
كل شيئ بدى حزيناً , وجوه الناس, عيونهم , قلوبهم طلت من الصدور تعلن للجميع حدادها. حتى السماء كانت تريد أن تمطر الناس بالخير و لكنها بدت مستحية منا أهل النعيم , فكيف لها ان تجلب عرساً للارض وهي تعلم اننا بك يا ابا محمد لمحزونون.
رحل اليوم.....
كان كل شيئ غارقاً ساهماً يفكر, حتى أصوات الناس وهي تهلل لا اله الا الله , محمدٌ رسول الله ,عليٌ ولي الله, هذا ما وعد الله و رسوله وصدق المرسلون, إتخدت نشيجاً واحداً , لتبرهن للجميع أن حالة الاستغراق لم تكن فردية , وانما كنا جميعاً مفرغين في هذا العزيز الذي لن نفقد.
رحل اليوم......
كنت صبياً, اتذكره يجلس في المكان ذاته في المأتم كل يوم , كل سنة,إنه أعلم من أن يغير مكانه فهو يعرف من يحضر إلى هذا المأتم, يقبض من الجميع تبرعاتهم, يدعو لهم بوافر الرزق, راجياً الله ان يتقبل اعمالهم و يعودهم على مثل تلك الايام. لم اره يوماً عابس الوجه, لا زالت ابتسامته الرقيقة ماثلة أمامي , أراها كلما نظرت الى وجه أبي, فهي لم تفارق وجهه حتى في أظلم الايام و اشدها سواداً, لم اسمعه يتذمر قط , فلقد كان يملك طاقة يفتقدها الكثير منا, شعاع من نور يضيئ القلب فتتفتح به البصيرة و تعطي للدنيا حجمها الحقيقي.
رحل اليوم.....
رحل اليوم يا أبي صديق عمرك و رفيق دربك, رجلٌ عز مثيله, وشح نظيره, وأنا اُطحن بين شقي رحى لا تهدأ , حيران اسفا , لا أدري هل اخبرك بهذا المصاب الجلل أم أغض الطرف عنه الى حين, ولكن كيف لي؟ و هل أستطيع؟
وأنا منذ رحيله كلما نظرت إليك وجدته بجانبك, يسامرك, يضاحكك, يشاكسك, يشد على يديك, يهون عليك طوارق الايام, ينظر إليك في صمت راهب شغلته عبادته عن ما في أيدي الناس,
يسأل عنك بلهفة و شوق حتى الرمق الاخير.....
ابي: ليت لي ما كان لك!!!
رحلنا اليوم ...
وظل جسده رهين الارض-أرض النعيم- التي لم تعد تبالي أباركتها السماء بزخات المطر أم لا , فلقد حصلت على البركة التي تريد, فهي الآن تضم بين جنبيها أحد أبنائها البارين بها, الذين لا يدخرون جهداً لخدمة أهلها.
وقد استشعرت الارض مصابنا, فجاءت خلفنا تطمئننا: لا تحزنوا ... فأنا ارض النعيم سأظل دوماً حبلى بمثل هؤلاء الرجال, أعرف كيف أمزجهم بتربتي و اُخرج لكم من جديد شجر الزيتون , لا تجزعوا فإن مثل هؤلاء هو قلبي الذي ينبض بكم.
رحلنا اليوم .....
وعرجت روحه إلى السماء خجلى, خائفة ...
خجلى... لانها تعلم انها َتْقدِمُ على البتول تُسائلها على استحياء
سيدتي: هل حققتُ لك وعد ابيك؟
هل ندبتُ مصابك؟
هل واسيتك؟
سيدتي كنت اتحسس و جودك معنا في مأتم الشباب منذ اللحظة الاولى
نعم أنا على يقين انك دائماً هناك
سيدتي أتوسل إليك إحفظيه لنا كي لا يصبح مأتم الشتات!!
خائفة... فهي تَردُ على رب الجلالة
عفوكَ عفوكَ عفوكَ
فيأتيها النداء إني أنا الله فلا تحزني
يا أحمد
ألم تحمل خشبتك على ظهرك تماماً كما فعل الخزاعي دعبل
ألم تنصر ابن بنت النبي تماماً كما فعل الرياحي ابن يزيد
ألم تبلغ رسالتك تماماً كما فعل الاسدي حبيب
اسكن
لا تخف
إني لا يخاف لديّ المرسلون
أحمد السكري
15 ديسمبر 2004 |