المؤسسة الحسينية ودورها الإصلاحي في المجتمع
إن الميزة التي يتميز بها المجتمع المدني في هذا العصر هي ( المؤسسية ). وهذا ما أثبتته الدراسات الاجتماعية التي قام بها العلماء عند البحث عن كيفية تطور المجتمعات وتحضرها للمستقبل، والتي أكدت على ضرورة أن نتجاوز عصر الفرد إلى عصر المؤسسة، وننتقل من الحالة الفردية إلى حالة العمل الجماعي.
لكن يا ترى من أين تبدأ عملية الإصلاح في المجتمع، هل تبدأ من الفرد لإصلاح المجتمع؟ أم من المجتمع لإصلاح الفرد ؟ وهل نبدأ من إصلاح الفساد الإداري أم نبدأ من الإصلاح في المجال السياسي أم الاجتماعي؟ .
إنه من غير المهم تحديد نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح في المجتمع، فجميع مساعينا وحركتنا يجب أن تصب في مجرى الإصلاح بمختلف المجالات وتعدد الأقنية وشتى الوسائل ، ففي بنائنا للفرد ( اللبنة الأولى ) يعد إصلاحاً لمجتمع قوي متماسك . وفي انطلاقتنا لبناء المجتمع فإن قوانينه ونظامه سيؤثران بشكل مباشر في عملية بناء وإصلاح الفرد أيضاً ، وإذا ما أصلحنا الفساد الإداري فإن سينعكس تأثيره على المجال السياسي والاجتماعي ،وإذا ما أصلحنا الأخلاق فإن آثار عملية الإصلاح هذه ستؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على المستوى الثقافي عند الفرد والمجتمع على حد سواء .
وبناءً على ذلك فإن مؤسساتنا الاجتماعية والدينية والأهلية والتي نخص منها (مؤسسات سيد الشهداء وأبي الأحرار الإمام الحسين (ع) ( المآتم ) تعتبر من أهم المنطلقات والمحطات التي يجب أن تطالها عملية الإصلاح إذا ما أردنا أن نحدث تغييرا في سلوك الناس وثقافتهم ومجتمعهم .. لا باعتبارها مؤسسة دينية فقط ، بل لكونها مؤسسة يجب أن تتمدن وتواكب تطور العصر وأحداث الساعة المتسارعة لتكون منار هداية للبشر ، ومركز إشعاع لكل الناس .. وإلا أصبحت عملية الإصلاح ناقصة يشوبها الكثير من الشوائب .
إن من اللازم أن نعي أنه قد جاء دور الإصلاح في هذه المؤسسات بطريقة تكون مجردة عن أية مصالح تخضع للموازين السياسية .. وتوازنات الربح والخسارة فيها ، وتصنيف الناس وفق التقسيمات المريضة .. بمعنى آخر لا بد أن تكون عملية الاصلاح حاجة اجتماعية ودينية وسياسية حقيقية تحركها الرغبات الطيبة والأمنيات الجميلة والنوايا الحسنة إذا ما أردنا هداية الناس للخير كله .
وهذا ما يلزم على المؤمن الموالي لأهل البيت عليهم السلام أن يخدم الإسلام بخدمة أهل البيت (ع) وبالخصوص الإمام الحسين (ع) ، فإنه وسيلة سريعة لنشر تعاليم الإسلام وأخلاقه ، بشرط أن نعرف كيف نستفيد من مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام ( المأتم ) . وكيف نسخرها في خدمة مجتمعنا وديننا . خاصة وأنه عليه السلام مصباح هدى ينير لنا الطريق المظلم والوعر . ومن دونه سنضل الطريق.
ألا نرى كيف أن المؤمن يستطيع - اليوم - أن يجمع الكثير من الناس حول مظلومية الإمام الحسين (ع) بنحو لا يتمكن أن يجمعهم باسم من عداه ، إننا اليوم - على سبيال المثال - لو ذكرنا قصة الطفل الرضيع لأقسى الناس قلباً، حتى لو كان أبعد الناس عن الدين الإسلامي ، فإنه ولابد أن يرق قلبه وتجري دموع وجنتيه ، مما يدفع هذا القلب لأن يتهيأ لعملية الهداية والصلاح ، وهذا ما قد أكده " الشيخ التيجاني " لنا عندما توفقنا للقاء به في سوريا ، الذي حثنا على استغلال الجانب العاطفي في القضية الحسينية بالقول : " إننا في رحلتنا التبليغية يجب أن نركز على هذا الجانب العاطفي والمأساوي في مصيبة سيد الشهداء ( ع) ، وهنا نقول طبعاً يجب أن لا تترك الجوانب الأخرى من قضية الحسين " ع " حتى لا يأتي شخص ويقول أنتم تركزون على الجانب العاطفي من القضية فقط ، ولعل المقدار المستفاد منه في الأغراض التبليغية من مأساة الإمام الحسين (ع)أبعد في النسبة من الواحد إلى المليون " .
وهنا أختم مقالتي بكلام القسيس حين ما قال (( لو كان لنا حسينكم فقط ، لتمكنا من تنصير العالم تحت لوائه . بأن نرفع علماً باسم الحسين في كل مكان ونجمع الناس حوله، ثم نبشرهم بمبادئنا، لكنكم معاشر المسلمين لا تعرفون كيف تستفيدون من الحسين في الغايات التبشيرية)).
فيجب علينا أن نتأمل في هذا الكلام جيداً ونسأل أنفسنا كم من الأخوة من أهل العامة استطعنا أن نستقطبهم إلى مأتمنا وليس بهدف إدخالهم في المذهب الشيعي بل لتعريفهم بقضية الإمام الحسين (ع). واستقطابهم في المشاركة لخدمة المجتمع الذي نعيش معهم فيه جنبا إلى جنب ؟
إذا ًعلينا أن نغير نظرتنا المستقبلية والإستراتيجية في العمل الحسيني(المؤسساتي) لأجل خدمة أهل البيت (ع) .. ونجنب هذه المؤسسة مختلف الصراعات الحزبية ، والخلافات الأسرية وعملية الإلغاء والتهميش ، حتى نكون أقوياء في وجه الأعداء الحقيقيين .. وحتى نبني مؤسسة مدنية فعلية قادرة على أن تكون محطة من محطات الإصلاح في مجتمعنا .
|