من روائع حكم الإمام علي (ع) حيث قال : "حدث الناس على قدر عقولهم" جملة تتكون من خمس كلمات ولبلاغتها يحتاج من الشرح الكثير، ونحن غالبا ما نسمعها من خطباء المنابر ونشاهدها مخطوطة على صفحات الكتب، وأحيانا أخرى نتغنى بها لما لها من معاني جميلة.
يعني انه إذا طلب منك الحديث إلى مجتمع من المجتمعات، واخترت موضوعا للحديث فيه, اعتقد إنك ستبذل مجهودا ليس عاديا، ولو افترضنا أن هذا الجمع ذا ثقافة واحدة وعمرا واحدا، فيا ترى هل كل هذا الجمع ستصله فكرتك دون أن يكون هناك تفاوت في الفهم والاستيعاب؟
فترى البعض منهم يتفاعل معك ويفهم الفكرة وهي طايرة، والبعض الآخر يفهم نصف الفكرة، وفئة ثالثة لم تعي ما يدور من حولها من موضوع.
لماذا يا ترى هذا التفاوت في الفهم؟
هل هو نقص في الذكاء ؟
أم ماذا؟
تبين في العلوم الحديثة أن البعض يدرك العالم من حوله ببصره، والبعض الآخر بسمعه، والبعض الآخر بدليل وبرهان ملموس، إذا على المتحدث منا إذا أراد إيصال رسالته إلى أي مجتمع، عليه أن يراعي هذه الصفات الثلاث، فيطعم حديثة بالقصة والخيال، ومن ثم السرد والتفصيل، وأخيرا بالدليل والبرهان.
وقد قسم علماء البرمجة الناس إلى ثلاث أنماط:
1) نمط بصري .
2) ونمط سمعي .
3) ونمط حسي .
ولكل من هذه الأنماط صفات .. فالبصريين مثلا يتمتعون بخيال واسع، والسمعيين يتمتعون بحافظة قوية، والحسيين يتمتعون بحس مرهف وعمل دءوب.
ولا تخلى هذه الأنماط من نواقص لا نريد الخوض فيها، ولكن كل من هؤلاء الأشخاص يكمل احدهم الآخر.
أن التعرف على هذه الأنماط مهم جدا ، لأنك ستعرف كيف تتعامل مع رفيق دربك ونضالك، وربما زوجتك وأولادك، ومسئولك في الشركة أو المؤسسة، وكل البشر من حولك.
أي عندما تدخل في نقاش مع احد الأصدقاء، عليك أن تكتشف نمطه، حتى تستطيع إيصال فكرتك بقليل من الجهد، وتفوز بمودته والتقرب إليه، وهذا يعني أن تتنازل عن بعض صفاتك النمطية التي قد تتعارض مع من تتحدث، فإذا لم يكن هناك معرفة بالأنماط سيتحول النقاش إلى جدال عقيم، ومن ثم لا نتيجة ايجابية ترتجى من هذا النقاش.
ترى البعض من الناس يرغب في إطالة الحديث وكأنه لا يريد التوقف عن الكلام، يا ترى كيف تستطيع أن توصل فكرتك إليه، من وجهة نظري أن ابقي صامتا صبورا ومستمعا جيدا حتى ينهي كلامه، ومن ثم تثني على كلامه في بادئ الأمر وبعد ذلك تسترسل بطرح فكرتك التي تريد أن توصلها إليه دون أي عائق يعترض حديثك، وهكذا تكون قد أنجزت مهمتك التي كانت على عاتقك.
إما إذا صادفك آخر قليل الكلام وبالكاد تسمعه منه الكلمات، عليك أن تتحدى هذا الصمت، وبكثير من التأني عليك أن تختار الكلمات المناسبة والوقت المناسب للحديث، صمته لا يعني أنه لا يسمعك أو يتجاهلك، ولكن عليك أن تعرف أن لكل شخص عقل باطن يستقبل كل كلمات رسالتك التي ستقولها إليه، ويمكنك أن تنهي النقاش متى شئت ثم تذهب إلى شئونك وإعمالك، والنتيجة ستراها في وقت لاحق.
إما إذا جلست مع من يفهم الفكرة من أولى خطواتها، يكون قد وفرت وقتك فلا مزيد من الشرح، وإنما بكلمات قليلة تأتي مفعولها، وتنهي النقاش في وقت قصير والنتيجة تراها في الحال .
إذا فالحديث مع الناس يجب أن يكون على قدر عقولهم .. صدق إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام . |