الحد الذي قتل الشيخ الجمري !
كريم المحروس
18/12/2010م
اليوم "18 ديسمبر" تمر ذكرى وفاة الشيخ الجمري في مناخ شتوي مـتأزم سياسيا وأمنيا وينازعه طرفان رئيسيان: الحكومة وأجهزتها الأمنية من جهة ، والحركات: الأحرار ووفاء وحق وعدد من الشخصيات السياسية والحقوقية من جهة أخرى. ويلعب طرف سياسي ثالث دورا وسطيا بين ساعات الأزمة لكسب المزيد مما يمكن اكتسابه من فرص الانسجام مع مؤسسات الدولة، كليا أو جزئيا.. وأما ضحايا الحق السياسي فهي: الورع والتقى في النضال السياسي ، واستقرار الوضع الأمني العام، والسكينة بين عامة الناس، وعدد كبير من السجناء يتقدمهم بعض من رجال الدين من المنادين بتحقيق مساحة أكبر للحريات العامة على الصعيد الديمقراطي فضلا عن تمثيل ملائم للطائفة الشيعية في كل مؤسسات الدولة وبما يتناسب مع حجمها كأكثرية مستحقة.
قبل ولوجنا هذا المناخ الشتوي المعقد؛ كان الوضع السياسي الداخلي المتعلق بالجماعات المعارضة أشد من سخونة صيف هذا العام الميلادي الذي تصرمت أيامه على وقع حملة اعتقالات واسعة شنتها قوات الأمن المدججة بالأسلحة الخفيفة .. كان الوضع بحق قاصما بين المرجعيات الدينية والسياسية ومازال قاصما بحاكميته على الوضع السياسي الراهن حيث انفصم فيه جزء كبير من تيار الشيخ الجمري عن مسيرته ثم بادر مرغما إلى الالتحاق بتيار آخر وأخلص العمل لقيادته تمهيدا لتحقيق علاقة أكثر أمنا مع الحكومة من ذي قبل، وبالغ في خذلان مسيرة الجمري لصالح تيار انتمائه الجديد، ثم اجتهد في نبذ كل عمل سياسي وحقوقي ممثل عن الجهات الفاعلة التي لم تستبدل التيار الجديد بالشيخ الجمري وحافظت على تصديقه.
ليس لأحد من حق في فرض عقيدته السياسية على الآخرين. ومن حق أي مواطن إن يبحث عن الانتماء الذي يراه مبرءا لذمته، ولكن ليس لأحد من حق في ليّ عنق الحقيقة التاريخية في النضال.. حتى هذه اللحظة لم أجد أحدا من مصادق التنازع بين التيارات هذه واستقطابها كَتَبَ أو نقل إلى الناس شيئا من حقائق التنازع السياسي والمرجعي الداخلي التي جرت يومياتها بين مرحلة الانفراج فيما بين ما يسمى (الإصلاح) وكيفية تقاسم الأدوار فيها ، وبين مرحلة وفاة الشيخ الجمري والتحاق من تبقى من تيار الشيخ في البحرين إلى التيار الجديد.. هذه المرحلة شكلت منطقة فراغ لم يجرؤ أحد حتى الآن على مداولتها أو تحمل نقلها أو تدوينها بما هي عليه لا بما يقصد منها مما يراد له الترويج لجني مصالح خاصة!
آنذاك ، الكل كان يظن بأن الشيخ الجمري سيظل قائد وزعيما للتيار السياسي الديني الكبير بلا منازع باعتباره المتصدي للوضع الداخلي العام ، بينما كانت هنالك قراءات أخرى رأت بأن الأمر لم يكن بهذه السهولة والبساطة . فالأمر شديد التعقيد بما لا يتصور، وما قدمه الشيخ الجمري من دور اجتماعي وسياسي لن يكون شافعا له لينصّب من نفسه أو من غيره من بعد الانفراج العام زعيما سياسيا أو مرجعية دينية شاملة وعامة.
وذهبت هذه القراءة إلى أبعد من ذلك .. ذهبت إلى حد قيل فيه - مما سمعت - : أن منازعات داخلية كبيرة وشد وجذب ومساومات شديدة سادت الجو الخاص وأدت إلى إقصاء جزئي للشيخ الجمري وحركاته وتياره ، لضعف في شخصيته عند موقف المناورة السياسية بين استحقاقات الأمس واليوم أو لأخلاق رفيعة كان يتميز بها الجمري منعته من تتبع الإسقاطات وجر السمين إلى قرصه، وربما كان ذلك سببا رئيسا في وفاته ، الأمر الذي أدخل التيار المنافس أو المنازع له في مساومات تسلّ اللباب من محجره ، وكانت كافية لإعادة المياه إلى مجاريها حتى مرحلة المشاركة في البرلمان حيث ألحقت بعض المواقع بمن استحقها ترضية!.
في كل مناسبة تمر لذكرى وفاة الشيخ الجمري يجري اجترار لماجريات مرحلة نضاله ومواقفه من الوضع السياسي والأمني العام وكأن الأمر منه شخصيا، ثم أن الوقع الراهن يشي بوقوع حادثة سلبية كبيرة في مرحلة المساومات منعت تطابق الصورة المثالية المعروضة عن حياة الشيخ الجمري مع مرحلة ما بين الانفراج الأمني ووفاته. . فأين الحقيقة التي كنا ننتظر عرضها من قبل المقربين منه والزعامات التي كانت تناضل في صفه وجرى استبعادها وإقصائها عن دورها المراد من الشيخ نفسه ؟.. هل كانت هناك حلقة مفقودة أم أريد للحقيقة الموت غرقا في بحر المساومات بين الزعامات والمرجعيات السياسية والدينية ؟! .
كثيرا ما نفى البعض القول: أن الانتكاسة الأخيرة في التيار الجديد الذي نشأ بعد وفاة الجمري وتصدى اليوم لمشروع بناء ثقة مع الحكومة من خلال المشاركة في الحياة النيابية الدستورية تقيّدا بتوافق بيني عمدته الميثاق ؛ كان سببها – الانتكاسة - الإصرار على رد الجزاء لمن تبقى على تيار الجمري وحركاته ورؤيته السياسية بمثله .. فهل كان الجزاء ومثله حقيقة أم هما من نسخ خيال التحليل السياسي؟ .. وهل تجاهُل حق المعتقلين من العلماء المنشقين عن التيار الجديد في النصرة هو الجزاء الأوفى ضد كل من عق ثبات عقوبة الإقصاء لمن مثل تيار الشيخ الجمري ووفّى لمنهجه؟
استبعد قول القائلين بوفاة الجمري بحد المنازعات تلك، ولكني أصدق بوقوع طغيان في تلك المنازعات على تلك المرحلة التي ازداد فيها تعطف المطالبين باستحقاقهم النضالي على الشيخ الجمري واستقطبوا – في مقابله- نفوذهم في مناطق الدعم والتأييد، حتى انحسر الأكفاء من صحابة الجمري عنه فأصبح وحيدا في دائرة نفوذ الآخرين لا مراس له.. ولا أدل في ذلك من انتشار مصادق ذلك الطغيان ، فضحاياه ماثلة في السجون ومألوفة فيما بين البحرين ولندن. |