سياسيون متطهرون يصنعون مريدين منافقين في عشرة محرم
كريم المحروس
16/12/2010م
مضت العشرة من محرم الحرام على أحسن وجه.. فيها كان رجاء أهل البحرين من الله سبحانه وتعالى في إحيائهم لشعائر هذه العشرة كسب أحسن الثواب وأعظمه وهو سبحانه وتعالى الكريم الذي ليس كمثل كرمه شيء .. وتروح وتمضي العشرة الحزينة وأهل البحرين من مضيها ورواحها في حسرة يغطيها أمل بأن يكون كل يوم عاشوراء لولا أن الإمام الحسن عليه السلام قال عند ساعة احتضاره لأخيه الإمام الحسين عليه السلام: " لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".
واقعة شهادة الحسين عليه السلام في يوم الطف ثابتة في وجدان أهل البحرين بلا ريب ، ولن يستطيع الخطيب ولا الرادود أن يضيف على الساكن في وجدان أهل البحرين شيئا جديدا بين عشرة أيام محرم الحرام مهما بلغ هذا الخطيب أو الرادود من مستوى في المكنة الأدبية وفن الأداء.. الخطيب أو الرادود عندما يلقيان قصيدة أو خطبة فهما لا يخرجان عن كونهما مجتهدين في بلوغ نقطة التلاق مع الثابت في الوجدان البحراني لإثارته، ولن يبلغوه، فكيف بالزيادة عليه.. قضية الحسين عليه السلام كانت جعلا من إرادة تكوينية تلقاها الوجدان كاملة صافية نقية.
وإذا ما جاء الخطيب أو الرادود بنقص في خطابه أو نظمه وإنشاده فلم يستقطب بهما القلوب ويشد لهما الأذهان؛ فالنقص راجع إلى طبيعة الأدوات التي استعان بها، لا لنقص في عظم الواقعة في الوجدان . والى ذلك، يجد المتتبع لهذا الأمر أن شعوره المستجد بعد كل عشرة محرم متساوي بلا زيادة ولا نقصان، وإن المتغير عنده في أيام محرم الحرام هو في حجم التلقي للمعلومات التاريخية ونتائج التحليل الموضوعي فيها التي جبل على إيراد مثلها أرباب المجالس والمواكب .
في المتغير المعلوماتي ونتائج التحليل – بحسب الواقع البحراني- يتطفل بعض الحزبيين بأشكالهم الاجتماعية المختلفة ومن في نفسه شيء من هذه الذكرى العظيمة ، فيبالغ في استغلال الفرص ليوجه بطريقته الخاصة المجالس والمواكب إلى مشروع زفة "حزينة" لا معرس فرح فيها إلا هو وكل الأشياء والأشخاص والمواقف تُرد إليه وتدور مداره.
في المتغير المعلوماتي ونتائج التحليل، يطلق البعض من ذوي الأنفس المريضة التي غلب عليها حب الرئاسة - صيحة الإصلاح في الشعائر ليتميزوا بالرفعة في الوسط العام أولا ، ثم ليوجهوا بهذه الصيحة الأنظار إلى صور مشوشة ومضطربة يضعونها ويختلقونها ثم يسقطونها على شعائر عاشوراء التي اجتهد في حمايتها كبار علمائنا الإبرار منذ الغيبة الكبرى، وقدم في سبيل إحيائها على أحسن وجه الأخيار من أجدادنا في البحرين.. ثم تخص نفسك نظرة - باعتبارك بحراني معاصر- إلى البديل الذي يصنعه هؤلاء المنادون بالإصلاح (...) فتجده لا يتخطى شكليات تافهة في الأبدان وملبسها ، وفي حاجات البطون ومأكلها، وفي أهواء الأنفس وزبرجها.. بالتعبير الدارج (إلىّ ما عنده خُونه ولا مُونه يختن السنانير).
أورد مثالين مما علمت به ووقفت عليه بنفسي في هذا الموسم الحسيني الرائع :
الأول: يتفاعل الخطيب في موضوع التفاضل بين الأئمة عليهم السلام وأبنائهم وإخوانهم وأصحابهم ثم التابعين منهم ، فيقول الخطيب: لولا أن الإمامة جُعلت في هذا الإمام عليه السلام؛ لجعلها الله تعالى في ابنه فلان أو أخيه فلان، لأنهما جمعا في نفسيهما بين العلم والإيمان والورع والتقى. وقد جرى البداء على الابن والأخ فكان الإمام عليه السلام إماما، ولم يكن احدهما إماما بهذا البداء!.
ثم يعرج الخطيب "البارع" على مقصده من هذا الزخرف من القول في مفهوم البداء، ليضع فلانا من المعاصرين في مستوى تابعي الأئمة عليهم السلام الذين جرى البداء عليهم – بحسب مفهوم هذا الخطيب "العظيم"!.. وأي بداء هذا وأي عدالة في التفاضل يا خطيب!
الثاني: يسير موكب العزاء بشكله الاعتيادي بخمسين معزي فقط .. بعد نصف ساعة من المسير يصل عدد المعزين فجأة وبسرعة البرق إلى أكثر من 700 معزي تقريبا.. بعد مرور ساعة ونصف من مسير الموكب يتقلص العدد فجأة ونفس السرعة إلى 50 معزي. ويبقى الموكب يسير بالخمسين من رواده لمدة نصف ساعة ، ثم يعود بعدها رقم المعزين فجأة وبالسرعة ذاتها إلى عدده الكبير: 700 معزي .. يأخذك الفضول فتسال عن سبب هذه الفجئة في رقم المعزين وما يرافقها من هرج ومرج، فتبهت بقول القائلين لك: إن الرادود الشهير الفلاني ومريديه التحقوا بالموكب فزاد عدده أضعافا، ثم بعد ساعة ونصف اختلى الرادود بنفسه ليستريح ويدخن سيجارته فلحق به مريدوه وتركوا الموكب بعدده الأصلي:50 معزي .. فعادوا معه إلى الموكب بعد استراحة استغرقت 20 دقيقة!..ثم يزداد فضولك لتسأل على سبيل الترويح عن النفس: الرادود ومريدوه هم محليون أو وافدون؟! . فتجاب بالقول: إنهم يمثلون فلانا وليا، فيجوبون مواكب المناطق والقرى وكل همهم الترويج لفلان بين الشباب! .. وأي (...)!
كنا ولازلنا كمحيين لشعائر أبي عبد الله الحسين عليه السلام نعاني من هذه المواقف التي تزيد في حجم الشعائر الدعائية تضخما ولو بالتكلف في الخطابة والإنشاد وطرق المشاركة فيهما على حساب شعائر العشرة من محرم الأصيلة .. هذه المعاناة تزيد بشكل مطرد في تضخم مشكلاتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية.. وكيف لأحد منا تسكن وجدانه مودة الحسين عليه السلام أن يتقبل مثل هذا التطفل على مجالس الحسين عليه السلام ومنابر جده رسول الله صلى الله عليه وآله ويسكت على المس بطهر المواكب وقدسيتها.
لسنا بحاجة لشيء يسمى إصلاحا في الشعائر يستنزف منا كل الطاقات في شكليات باهتة لا روح فيها ولا أصالة.. تكفينا مجالسنا وموكبنا الخالصة لوجه الله تعالى المجردة من الدعاية السياسية والاجتماعية الحزبية وإن تقمصت لباس الدين والمذهب.. ولسنا بحاجة إلى زعامات تجتمع فيها السياسة والدين في صور نفاق اجتماعي لا يكتسب منها المريدون التابعون إلا الارتجاج في العقيدة والإيمان والمودة لأهل البيت عليهم السلام. |