الإنسان مدني بالطبع لا يستطيع اعتزال الناس والانفراد عنهم لأن اعتزالهم باعث على استشعار الغربة و الوحشة والإحساس بالوهن والخذلان من أجل ذلك كان الإنسان تواقاً إلى اتخاذ الخلان و الأصدقاء ليكونوا له سنداً وسلواناً يسرون عنه الهموم ويخففون عنه المتاعب قال أمير المؤمنين ( عليك بأخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم فإنهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء ) وقال الإمام الصادق (ع) (لقد عظمت منزلة الصديق حتى أن أهل النار يستغيثون به قبل القريب الحميم ) وقال الله سبحانه مخبراً عنهم ( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) قد يحسب الناس أن الصديق هو من يحسن مجاملتهم ويظهر البشاشة والتودد إليهم ويعتبرونه خلاً وفياً وصديق حميماً فإذا اختبروه في واقعة أسفر عن صديق مزيف وخل مخادع عاطل من خلال الصداقة الحقة وواقعها الأصيل من هنا كثرت شكايات الأدباء قديماً وحديثاً من تنكر الأصدقاء وجفائهم وخذلانهم رغم ما يكنونه لهم من حب وإخلاص وأغلب الظن أن سبب تلك المأساة أمران
الأول : الجهل بواقع الصداقة والأصدقاء وعدم التمييز بين خصائص وخلال الواقعيين من المزيفين منهم
الثاني اتصاف أغلب الأصدقاء بنقاط الضعف الشائعه في الأوساط الاجتماعية من التلون و الخذاع وعدم الوفاء التي سرعان ما يكشفها محك الاختبار
وقد أوضح أمير المؤمنين (ع) واقع الأصدقاء وابعاد صداقتهم فيها رواه أبو جعفر الباقر (ع) فقال ( قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين (ع) فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الأخوان
فقال (ع) : الأخوان صنفان : أخوان الثقة وأخوان المكاشرة
فأما أخوان الثقة فهم الكف والجناح و الأهل و المال فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك وبدنك وصاف من صفاه وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه واظهر منه الحسن واعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الأحمر
وأما أخوان المكاشرة : فإنك تصيب لذتك منهم فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان
وقال الإمام الصادق (ع) ( لا تكون الصداقة إلا بحدزدها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة )
فأولها : أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة
والثانية : أن يرى زينك زينه وشينك شينه
والثالثة : أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال
والرابعة : أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته
والخامسة : وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات
أصحب ذو العقل وأهل الدين فالمرء منسوب إلى القرين
|