طنطنة "كدّوم" بعد صيف أمني ساخن
كريم المحروس
3/11/2010م
"الكدّوم" لفظ نستعمله في لغتنا المحكية "العامّية" ونعني به "الفأس" الأداة المستخدمة لتقطيع الأشجار ولمآرب أخرى.. و"الكداديم" جمع لهذا اللفظ في لهجتنا .. و"الكدّوم" كلمة ليست عربية المنشأ ، وقيل أن أصلها عبري مجعول، ولا تضم لهجتنا كلمة عبرية غيرها ، إذ سرعان ما قل استعمالها مع انحسار "القلاليف" عن وظيفة بناء السفن التي كانت عامرة في حيّ "النعيم" بالمنامة حتى منتصف السبعينات.
أحد المواطنين المقاطعين للانتخابات البرلمانية أبرق ثم أرعد ثم تمخض حنقه فأولد القول التالي: إنتخبهم المنتخبون فصاروا بفوزهم أمامنا "كداديم" حادة تستهدف تشذيب أطراف الحكومة كلما تمددت على حساب القانون!.. بس إنتظرْ إلى حين دور الانعقاد الأول لمجلس البرلمان وسترى العجب.. فما أن يتخطى البرلمانيون العتبات الأمامية لمبنى البرلمان وهم داخلون في باحته؛ حتى يتحولون الى ريش ناعم الملمس ليواري سوآت ملفات الأزمة القائمة في مفهوم الدولة بين العائلة المالكة والمواطنين وما أفضت اليه هذه الأزمة من فوضى سياسية وأمنية تُعجِب زرّاعها وصنّاعها فضلا عن المتطفلين على أعتابها تحت حجج موصلات الأجتهاد في ما هو مقدور عليه!.
أحدهم ليس من دعاة المقاطعة أو المشاركة، وله إيمان قطعي بأن كلا الخيارين لن يتخطيا ما انتهى اليه الموقف العاطفي الجياش عندما رُوج لحديث "الحوار" و"المبادرة " وما استتبع ذلك من مظاهر لانفراج إصلاحي وقتي، يقول: تعلمنا من أجدادنا ومما كسبوه من أنوار أهل البيت (عليهم السلام) الكثير ، فبتنا نرى أعضاء البرلمان "كداديم" صُفت في البرلمان صفا دقيقا بلا سواعد وعضلات مفتولة تحملها، اعتباراً بقصة ذاك المهني الذي اشترى "كدّوم" بجودة عالية وبثمن باهض، فلم يقو بها على قطع غصن شجرة نخرة، حتى إذا ما جاء الى البائع يشكوه حد "الكدّوم" وضعفها عن أداء وظيفتها المثلى؛ ألِف البائع يرشده الى مادة البيع وطريقة استعمالها المثلى ، فيقول له: بعتك "الكدّوم" مجردة من ساعدي والعضلات.. فإذا لم تكن تملك عضلات مفتولة فلا خير في "القدّوم" وإن كان بجودة عالية! .
يخطئ من يقول بأن الـ (18) برلمانيا جاؤا الى ما جاؤا اليه بما قدموا وبما بذلوا من جهد في إطار خطة انتخابية دعائية محكمة وكانت وليدة ذاتها لا وليدة ظروف بيئتها الأمنية ومحيطها السياسي.. وإذا ما جزموا بذلك؛ فدونهم ما قيل: إن المشاركين "المنتصرين" شاؤا طمس حقيقة سياسية صنعها قادة المعارضة بآلامهم وهم قابعون في السجون - كما شاؤا إخفاء معالم هذه الحقيقة والتشويش على كل ما دل عليها .. الحقيقة هذه لا تشذ في اللعبة السياسية عن القائلين:
فلولاء وجود جهة سياسية مقاطعة نشطة وداعية الى بناء نظام سياسي قائم على حكم دستور عادل على خلاف ما هو معمول به الآن ، وذلك من خلال توظيف أداة ضغط سياسي واعلامي داخلي وخارجي متاح على خير وجه .. ولولا وجود هذه الجهة السياسية المعارضة كخط تحريك أمامي وجبهة متقدمة مناورة ومناوشة لم تنفك تثير مؤسسات الدولة بأجمعها وتذكرها بوجوب احترام الصورة الانسانية المثلى التي يجب أن تسود البلاد تشريعا ونظاما .. ولولا هذا الوجود المعارض والمتقدم في مطالبه السياسية والفاعل على الصعيد الشعبي العملي بلا خطب تنظير مكدرة لصفو العقل .. لولا كل هذا الوجود والحضور الفاعل ؛ لما ذاق خيار المشاركة وقادته طعم الاستقرار الذاتي والمؤسسي الداخلي ، ولما أتيحت لمتبني هذا الخيار فرص خوض غمار الإقتراع بلا نصب ، ولما ميز كوادرهم بصفو ذهن ما يمكن أن يطلق عليه: الإلتزام بـ"برنامج سياسي أو انتخابي" حتى، ولكانت هذه الجهات نفسها أكثر الناس انشغالا بمثالب الأمن الوطني وبلملمة أطراف المكاسب السياسية الزهيدة بردائها هنا وهناك ، ولما سمِع محيطنا الوطني لهذه الجهات جعجعة وتهافت من كل صوب وحدب على مراكز الإقتراع.
أخذ بعض المحللين هذا التصور أخذا وبيلا فذهب إلى حد القول بوجود صفقة سياسية بين رؤوس الدولة وبعض قادة خيار المشاركة اشترطت حضور " كداديم بلا سواعد مفتولة العضلات"، بينما واقع الحال لم يحتمل مثل هذا التحليل ولو على وجه تسامحي . ولكن مبدأ "التوافق شريعة المتوافقين" أصبح جليا في لقاء إرادتين وكان الداعون الى المقاطعة بينهما كبش الفداء ، فكان لكلا الإرادتين في" التوافق" جعجعتهما وطنطنتهما التي سمعنا وعرفنا.. ثم إن رؤوس المقاطعين المعارضين نجحت إلى وقت قريب في استقطاب الناس الى برنامجها السياسي ، فحان وقت قطافها بلا تردد، فلا قادة المشاركين مطمئنين لمذهب هذه الرؤوس ولا الحكومة .
وفات قادة خيار المشاركة أن مبدأ "التوافق" ما كان محصورا في مصلحة موقف المشاركة على حساب حق المقاطعين والمعارضين لولا أنه شمل هبة قُدّمت للحكومة قضت بياناتها فيما قضت: إمكان توظيف الأجهزة الأمنية في مهام خارجة على القانون وقابلة لأن تشكل عادة أمنية من السهل بمكان أن يستمرءها أعضاء البرلمان الـ (18) أو يستأنسوا لفعلها كلما ملئت السجون واكتضت بمخالفيهم في المنهج السياسي .
من هنا وجب على طرفي "التوافق" النشوة والفرح والاشتغال بتوافقهما ولكن إلى حين عطلة صيفية قادمة ربما تكون حبلى بالكثير من المفاجئات بينهما.. وبعد ذلك سيتأكد لنا بيسر من سيكون المستهدف في الإختلاق الأمني الجديد ومن سيقع حد "الكدّوم" على أم رأسه.. وما يدرينا، لعل الضحية فيها يكون "توافق الأمس" الذي أخلى الساحة من تعدد سياسي معارض لصالح جهة واحدة منفردة يسهل تفتيتها وتشتيتها بتدبير مدبر !. |