كريم المحروس
2/9/2010م
من المفارقات الباعثة على السخرية أن تقاد جزيرتنا التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة لقرنين ونصف من الزمن ، ثم تتكشف لقادة هذه الجزيرة عند نهاية قرنين من الاضطراب السياسي والفوضى الأمنية أن أداة حكمهم جامدة وليس باستطاعتهم إنتاج نظام تنموي شامل بلا تمييز طبقي أو طائفي ، وبلا إعلان ساذج عن (مؤامرات) محلية مستمرة لقلب نظم الحكم .
ومع توافر كل مقومات التنمية الأساسية لهذا البلد المنكوب عن عمد، البشرية منها والاقتصادية، فضلا عن المحيط الإقليمي الاستراتيجي الجامع لكل أسباب الغنى والرفاه ، يفاجأ المواطنون المستنزفون على مرجل وحميم آن بالمزيد من التمييز الطائفي المنظم عبر شبكة عائلات موالية منتشرة في مؤسسات الدولة ، وبالمزيد من الإعلانات الكاذبة عن كشف (مؤامرات انقلابية) تتهم بتنظيمها طائفة الشيعة ..كل ذلك يجري تحت مظلة نظام شبه ديمقراطي يستعد لإجراء انتخابات في الشهر القادم لاختيار نصف عدد المجلس التشريعي المكمل لعدد آخر يعينه ملك البحرين!.
لو تجردنا من كل مفاهيم الاستبداد والتمييز الفاحش وفتنهما المنظمة التي ندين بها حكومة البحرين ولا نشك قيد أنملة في أدلة الإدانة الدامغة هذه، ثم كابرنا وأشحنا بوجوهنا عن العدد الكبير من ضحايا الاستبداد والتمييز الطائفي، وقبلنا جدلا بما يشاع حول وجود تصورات سياسية اختص بها نظام الحكم الملكي وكانت منزهة من أي جرم سياسي وأمني مبيت؛ فإن من حق المواطن الضحية المنكوب هنا أن يتساءل بهذه الأسئلة العريضة:
ألم تكف مدة زمنية قدرت بالقرنين والنصف لصناعة توافق وانسجام بين طائفة الشيعة والعائلة المالكة وحكومتها ؟.وهل الشيعة سكان وافدين من كوكب آخر لا يدركون معنى الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ولا تجدي كل وسائل التعليم نفعا لحل هذا الإشكال التنموي الوطني (الاستراتيجي) الأساسي الخطير؟. لماذا تخللت العقود الثلاثة الماضية على وجه التحديد اكثر من عشرة إعلانات بمؤامرات استهدفت العائلة الحاكمة ونظام حكمها، وبذلت الحكومة أقصى جهدها لتشويه صورة البلاد ووطنية طائفة الشيعة لتثبيت أقسى العقوبات بحق المتهمين بـ(التآمر) ولما تثبت التهم بحقهم أو الإدانة قضائيا؟ لماذا التعمد في خرق نظم القضاء في كل القضايا الأمنية المتعلقة بالشيعة دون غيرهم؟
عشر سنوات مرت على الإعلان الأول لمشروع الإصلاح في جزيرتنا ، رافقها تنزل سياسي كبير من قبل المعارضة التي تأملت في تنزلها هذا تضحية في سبيل وضع حد لعقود من الصمود المكلف في معركة الاستنزاف السياسي ضد العائلة المالكة وحكومتها وبلا مقابل سياسي مجزي وضمانات قانونية وطنية متينة الجانب.. ويحق القول: لولا التنزل المعارض الذي اتخذ من الظروف المستجدة على الصعيد الحركي مبررا للقبول بالأمر الواقع الذي فرضه دستور منحة ؛ لما سمعنا اليوم تكرارا للإعلان الملكي المختلق بكشف (مؤامرة) جديدة يذهب ضحيتها خيرة أبناء البحرين.. ولكن العائلة المالكة وحكومتها استغلا هذا التنزل لصالح بناء مؤسسات نظام أمنى اكثر فتكا على طريقة (المارشال بيترو بادوليو) الذي عينه موسيليني حاكما على طرابلس في يناير 1929م وكان داعية حوار في أول أيام أمره حتى إذا ما استتب له الأمر جيش الجيوش للانقضاض على ثوار عمر المختار.
لا يمكن لأي مراقب في شؤون البحرين إلا أن يصل إلى نتيجة مفادها: أن هناك قاعدة أساسية سياسية وأمنية حكومية تنتهي في آخر مقاصدها إلى وجوب استنزاف طاقات طائفة الشيعة كلما قامت لهم قائمة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي. ولأن الشيعة يمثلون الأكثرية ويقودون دفة المعارضة من أجل بناء نظام سياسي مستقل على أسس وطنية عادلة ؛ فذلك كان سببا رئيسا لجعلهم قطبا تدار عليه رحى الاستبداد والإرهاب المنظم والممنهج وإنْ ابدوا حسن نية وصدقا في الموقف تجاه العائلة الحاكمة وحكومتها.. ولولا هذا الاستنزاف المتعمد للشيعة من خلال الكشف الدائم عن (مؤامرات انقلابية) وإشغالهم بأمن أنفسهم؛ لشهدت البحرين أعلى مستوى حضاري على كل الصعد .
في كل مرحلة زمنية تعلن الحكومة فيها عن كشفها (مؤامرة) لقلب نظام الحكم ؛ هي في حقيقة الأمر مرحلة وجب فيها على العائلة المالكة وحكومتها أمنيا وسياسيا الانقلاب على طائفة الشيعة لاستنزاف قدراتها وتشتيت طاقاتها .. هذه حقيقة مرة يدفع ثمنها الشيعة لأنهم يمثلون الأكثرية المنظمة الناشطة سياسيا ولم يتوانوا أبدا عن الدفاع دون حقهم . ولكن الشيعة في هذه المرة أثبتوا قدرة فائقة في استيعاب حجم الصراع ومتطلباته وقواعد اللعبة السياسية وأدواتها ، وأدركوا أن استغلال العائلة المالكة وحكومتها لضعف بعض القادة السياسيين الشيعة للتنفيس عن الغضب الشعبي في وعود لا واقع لها ولا مصداق أو في استقطاب حزبي ومرجعي شيعي خلافي، وحتى نجاح الحكومة في استغلال هذه الفرصة لبناء واقع سياسي وأمني مخل بالتوازنات الطائفية والعددية الانتخابية – لن يزيد البلاد والمنطقة إلا توترا حتى نصل في المنتهى إلى تحقيق واقع يضع في الاعتبار تثبيت نص دستوري يعطي للأكثرية الحق في التمثيل الكامل والصادق في كل مؤسسات الدولة ويمنع استهداف الشيعة بمؤامرات وهمية كلما حان وقت استحقاقها الدستوري كأكثرية فاعلة وطنيا. |