كآبة ولي الفقيه
كريم المحروس
31/7/2010م
شخصياتنا الدينية والوطنية نجحت حتى الآن في الجمع العضوي بين "السياسة" و"الكآبة".. جمعوا بين سلوك اجتماعي وسلوك نفسي في حال مرضية زادتهم إثما على إثم في السياسة والاجتماع ؟!
أظن أن العامل الأساس الجامع بين "السياسة " والكآبة" في ساحتنا المعارضة هو رؤية حضارية قلبها القادة المعارضون رأسا على عقب .. تقول الرؤية : "أن القائد السياسي البحراني كلما لمس من نظام العائلة الحاكمة تقدما في وسائل الحصار السياسي والأمني لإجبار قوى التحرك الشعبي على تقديم التنازلات الاستراتيجية الأساسية ؛ وجب على هذا القائد أن يحقق بمجتمعه نصرا استراتيجيا في بعد سياسي وأمني استراتيجي مضاد في عمق النظام بحيث يشترط هذا النصر حصرا لصلاحيات سلطة العائلة الحاكمة وتضييقها ".
انقلاب هذه الرؤية يشبه إلى حد ما الانقلاب في سلوك المكتئب بحسب تشخيص أطباء علم النفس ، حيث يؤكدون على أن المكتئب يبحث عن إنجاز يحقق لذاته الرضى والاطمئنان . وقليل ما يكون هذا الإنجاز خارجيا متعلقا بالذوات الأخرى في المحيط الاجتماعي. ويعود السبب في ذلك إلى ضعف شخصية المكتئب وجهله المركب بمرضه . فغالبا ما يكون هذا الإنجاز متحققا على صعيد ذات المكتئب دون غيرها وهي موضوعه الأساس. ويشار هنا إلى ظاهرة الأكل الزائد والبدانة ، فلا تمضي فترة قصيرة في عمر مريض الكآبة إلا وقد تضخمت أعضاء جسده وصارت جثته المتضخمة وبالا على صحته وعلاقاته الاجتماعية بأهله ومحلته!
منذ كارثة المشاركة البرلمانية في السبعينات التي اشترط القبول بها اعترافا كاملا بشرعية العائلة الحاكمة في حكمها ووراثتها له كابر عن كابر ، وساهم في صناعة هذا الكارثة الإسلاميون المحافظون قبل الشيوعيين التقليديين بجهالة – إنسحبت المعارضة انسحابا استراتيجيا من مشروع تحقيق نصر أساس في عمق سلطة العائلة الحاكمة إلى حيث النصر في عمق الذات المعارضة ومحيطها الاجتماعي، فكان ذلك أخطر مظهر من مظاهر "الكآبة السياسية" التي تسببت في سيادة الكثير من مشاكل الخلاف المرجعي والنزاع الاجتماعي والانشطار السياسي بين مختلف الاتجاهات المعارضة.
وآية مرض الكآبة السياسية الذي حل بجزيرتنا وأسكنها بياتا اجتماعيا خطيرا يمكننا وصفه بالتحالف أو العمالة الصريحة: أن ملفات الصراع الساخنة ، كمنظمة البندر، والتجنيس العسكري والأمني ، ونظام توزيع الدوائر الانتخابية ، والدستور المنحة ، والفساد الإداري والمالي في الدولة ، والطائفية السياسية، وملفات أخرى تكفي واحدة منها لإدانة الحكومة ورئيس وزرائها بعدم الوطنية والنزاهة والمسؤولية – هذه الملفات والقضايا الخطيرة دعت في وقتها الاتجاهات الدينية والشيوعية والوطنية وقياداتها إلى هبة سياسية مصيرية كبيرة لا هوادة فيها ، فـــ"إما أن نكون فيها أو لا نكون". ولكن هذه الاتجاهات تخاذلت وسجلت بعد ساعات من ولادة هذا الملفات إخفاقا استراتيجيا كبيرا أمام سلطة العائلة الحاكمة في جزيرتنا ، ثم تأكد لنا بعد ذلك أن "الكآبة السياسية" فرضت هيمنتها على قادة هذه الاتجاهات فعميت عينها وانشغلت بذاتها كسلوك تعويضي ، فكان من شأن ذلك تحقق نصر استراتيجي داخلي تمثل في أسماء وصفات متضخمة لهذا الشخصيات القيادية في الوسط الشعبي ، فلا تجد بعد ذلك في ساحة المعارضة إلا نفخا في الذوات بآلة إعلامية ضخمة وبأدوات فاسدة اجتماعيا لا وظيفة لها في المناطق إلا النيل من ذوات الآخرين المنافسين والمس في سمعتهم بلا حرج أو تقوى.
وهكذا انقلبت الرؤية الحضارية المعارضة إلى شكل من أشكال التخلف الاجتماعي البغيض ومظهر من مظاهر الانهزامية: تضخمٌ في الرموز والشخصيات القيادية ، ثم تصارعٌ فيما بين المنتمين والموالين إلى حد انشغلت فيه الساحة الشعبية المعارضة بذاتها عن الفكرة في تقييم الأداء السياسي والقيادي المعارض وما سجله من فشل ذريع في معالجة ملفات الصراع مع السلطة الحاكمة، ثم علل هذا السلوك التعويضي الفاسد بالامتثال القيادي لموجبات ومتطلبات ولاية الفقيه .
فلا خير في ولاية فقيه لا هم لها إلا تضخيم ذاتها وبطانتها على حساب النضال واسترجاع الحقوق الدينية والوطنية .. والخير كله في ولاية فقيه عادلة لا تعطي يدا لظالم وان بأسماء رمادية اللون ، فتتقدم الصفوف لتكون كما كان الإمام الحسين عليه السلام الذي نعيش في هذه الأيام وقائع خروجه من المدينة فنستلهم منه مبادئ التضحية انطلاقا من موجبات تزكية النفوس على سيرة نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله. |