مؤسسة حقوق الإنسان جزاء <بلغريف> للمناضلين القدامى
كريم المحروس 28ـ/4/2010م
بين المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان جديدة العهد بحركة الصراع السياسي في جزيرتنا و<الدواليب> علاقة وجود حميمي ذكّرت المناضلين القدامى من الشيوعيين والبعثيين الأمميين والقوميين والوطنيين بتقلب الأيام وتداولها بين الناس.. فلولا <الدواليب> ما وجدت تلك المؤسسة الرسمية ولا رموزها المختارين على طريقة مؤسفة أضافت لقدامى المناضلين والجدد على حد سواء حسرة على حسرة أوقعت بعضهم في حرج شديد.
فمِنْ <الدولاب> المغتصب جاء تقليد استقطاب المعارضين القدامى والجدد من ذوي الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي ومن غير ذوي الشأن أيضا .. وجاء تقليد احتوائهم <دولابيا> في تنظيمات رسمية استكمالا لعملية تشتيت مراكز القوى السياسية وتفريقها في أطر مسميات حديثة مغرية دعما لمفهوم سلطة الفرد الواحد المطلق الذي لا يرى الدنيا ونفسه إلا ذاتا واحدة وعليها تدور كل الأفلاك تنورا منه لا استقلالا بذاتها، حتى ظننا أن في البحرين شطحة غالبة من شطحات المتصوفة أهل العرفان الأندلسيين الذين قال قائل منهم : (سبحاني ما أعظم شأني) ثم استدرك خطأ قوله هذا بالقول عن ربه: (رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك ، فقلت: زينّي بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك ، فتكون أنت ذلك ولا أكون أنا هناك)!.
بحثتُ في خلفية تسمية المزارع الكبيرة في قرى جزيرتنا بـلفظ <الدولاب> فرسوت عند القائلين بأنها من الدخيل اللغوي ولها أصل فارسي . وإذا ما تتبع أي واحد منا معاني كلمة <الدولاب> في أيامنا هذه فإن البعض منا يعني بها : مخزن الملابس ، والبعض الآخر يعني بها: إطار السيارة <التاير> ، والكثير من الناس مازال يحتفظ بمعناها الشائع في القرى ويطلقه على المزرعة الكبيرة. وربما جاءت تسمية <الدولاب> عملا بوظيفة إطلاق اسم الجزء على الكل ، لأن <الدولاب> في اللغة يعنى بها: الدلو أو العجلة التي تسقي الزرع ماء ، وهي تمثل الأداة الأساسية والفعالة في النشاط الزراعي في البحرين قديما، فسميت المزرعة <دولاب>.
كانت <الدواليب> ملكا لأهلها ثم اغتُصِبت الواحدة تلو الأخرى تحت الضربات الموجعة لجشع قوى الإقطاع الفوضوي التي استهدفت السيطرة على مصادر الدخل والتحكم في أهم وظيفة اجتمعت إليها القوى البحرانية الفاعلة اقتصاديا على ظهر هذه الجزيرة منذ آلاف السنين وشكلت هويتها الثقافية ورسمت بعدها الجغرافي..حتى إذا ما جاء (بلغريف) حاكما فعليا؛ انتظم الإقطاع الغصبي هذا في إطار إداري كانت من بين أهم توصياته: (أن القوى البحرانية الفاعلة اقتصاديا في <الدواليب> ستتحول إلى قوة اجتماعية معارضة ومؤثرة في مصير النظام السياسي كلما اشتدت وطأة حركة الإقطاع الغصبي، ما أوجب في الحسابات الأمنية وضع الاحتياطات اللازمة بشكل أساسي وطارئ).. وبعد تنامي حركة الاحتجاج وتحولها نحو أشكال سياسية كما توقع لها (بلغريف)؛ خرج (بلغريف) على صمته محمّلا بتقليد سيئ للغاية مستهدفا به إطلاق العنان لسلوك الإقطاع من جهة، وتوثيقه من جهة أخرى لصالح الإقطاعيين بالتزامن مع مهمة فت عضد المزارعين الذين انتقلوا فجأة من ملاك حقيقيين للـ<الدواليب> إلى عمال فيها وسخرة بلا حول ولا قوة لهم.
يقول مفهوم (بلغريف) في توضيح تقليد <الدواليب> سيئ الصيت: أُنظر إلى حاجات الأشخاص وتجاهل قضاياهم ، فإذا ما جاءك المزارعون من أهل <الدواليب> مطالبين باسترداد <دواليبهم> ورفع الضيم عنهم فاشترط تنظيم حركتهم أولا عبر الإصرار على تعيين ممثلين عنهم . فإذا ما انتظموا أملا في إيجاد الحل رعاية للقول اللين؛ أُدع ممثليهم واستمع اليهم خير استماع ولا تقاطع لأحدهم حديثا أبدا ولا ترد عليهم ولا تناقشهم في الأمر وكأن أمرا لم يكن مطلقا. ثم أُنظر إلى وجه كل واحد منهم منفردا بعين العطف واسأله عن وضعه الاجتماعي وحاجاته الضرورية ، ثم أوعز إلى معاونيك ليقوموا برعاية كل واحد منهم منفردا حق الرعاية وسدّ حاجاته، ثم عِده منفردا عهدا مسؤولا بوظيفة مناسبة مقرونة بشعار خدمة الوطن وتنميته. وبهذا تَحُول بين الممثلين وبين حركة الاحتجاج ، فلن ترى بعد ذلك من تلك الحركة إلا تبادلا للاتهامات بينهم بالخيانة والتفريط بحق الشعب والوطن فينفرط عقدهم بأيديهم!.
فر (بلغريف) من البحرين على وقع حركة المناضلين القدامى،وأبقى نهجه فاعلا وحاكما في زحمة تنامي حركات الاحتجاج الراهنة المطالبة بنظام سياسي ديمقراطي حر ، فضلا عن توالي الضغوط الدولية على هذه المنطقة الحساسة جدا الداعية إلى فرض نظام سياسي مستقر يحفظ لحركة الاقتصاد الدولي أمنها . فكلما بَصَرْتَ مؤسسة أو جهة رسمية كانت وليدة لحادث احتجاجي سياسي أو اجتماعي أو ثقافي فعليك أنْ تقطع في نفسك بأن المؤسسة أو الجهة هذه هيئ الأمر لها على تقليد (بلغريف)، فلا لنفسها عٌقد العزم على تشكيلها وإنما لجذب بعض الرؤوس وحصر طاقاتهم وكسب ودهم واحتواء <شرور> بعضهم، وإضعاف حركة الاحتجاج بوجه عام وتوزيع مراكز القوى فيها على جهات مؤسسية ترخي عضلاتها وتفتت ما تبقى من قوامها.. فلا ندري ما المناضلون القدامى والسائرون على نهجهم من الجدد هم فاعلون وكان جزاء بعض منتسبيهم في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان من سنخ جزاء (بلغريف) الذي بنى في جزيرة جدة سكنا له وسجنا لهم ولأعقابهم، فيالها من مفارقة عجيبة مثيرة للأسى والشجن!
لم ننس أيضا القول بأن تقليد (بلغريف) هو من جاءنا من قبل بالبرلمان القديم الذي قضى على الحركتين الشيوعيتين الأممية والقومية وحركات المد البعثي، وفرض ذاته على أحكام البرلمان الجديد الذي صُوِر لطالبيه من المناضلين الجدد في بادئ الأمر جبلا تزاحمت في بطنه كل الصلاحيات التشريعية المطلقة للدولة فانفردوا بدوائره الانتخابية وتزاحموا على أبوابها ، وإذا به يستحيل بهم مع الأيام إلى تلٍ صغير تنحدر عنه لعب الأطفال .. ولا ندري ما هم فاعلون مع المرحلة الانتخابية القادمة التي ستصلهم مجردة عن أهم وظيفة جردوا منها وأنيطت بالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التي ستتولى بدورها مهمة القضاء على مظاهر الحركة الحقوقية الشعبية المستقلة ، وستدخل في صراع مرير مع ما تبقى من صلاحيات برلمان المستقبل البائس المستكين ، وستحد من وظائف الجمعيات السياسية ، ولكنها لن تتمكن من استرداد أملاك الدولة لاعتبارات ، أهمها أنها جهة تأسست بعد اغتصاب تلك الأملاك فكيف لها أن تتمكن من استرداد <الدواليب> لأصحابها الشرعيين وقد تقادمت . ويبقى للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الحق محفوظا في الادعاء بأن تقليد <بلغريف> متقادم ولا تجوز أحكامه ، فإذا ما صح ادعاؤها في لحظة من لحظات عملها ؛ حُلت المؤسسة وكأنها لم تكن! |