تكهنات بإقالة الحكومة و"الأصالة" تنفيها
كريم المحروس 15/4/2010م
" يا جبل ما ايهزك ريح" مثلٌ جَبُلت صحافة المعارضة العربية في السبعينات على تداوله كلما بلغ بها الوصف مبلغ الهزو بالسِن الافتراضية المنتهية للأنظمة السياسية الحاكمة وترنح شيخوختها على صفائح صدئة من الفضائح والفضائع .
هذا المثل صحيح كلما انطبق اللفظ على المعنى انطباقا كليا، وكان لزاما على مردديه التشفي به كلما ضاقت عليهم مساحة حرية التعبير وحُبِست ثروات بلادهم عن الانتفاع العادل بينهم .. كنا نتشفى بهذا المثل لأننا لم نر في يوم من الأيام جبلا يهتز بريح صرصر عاتية حتى شهدنا مشهد الجبل الشامخ الذي أُجْريت في أحد كهوفه عملية التفجير التجريبي الأولى للقنبلة الذرية الباكستانية واهتزت للانفجار قمته وأطرافه بدرجة كبيرة لم تفصح السلطات العسكرية الباكستانية عن رقمها.. صورة لاهتزاز مثير أشار إلى وثيقة دامغة مؤكدة على دخول باكستان النادي النووي وقد سئمنا بعد ذلك مشاهدتها لفرط عرضها على شاشة الفضائيات كلما جرى الحديث عن التوازن العسكري بين الجارين :الهند وباكستان.
توقفت الرياح عند سفوح الجبال لأنها فشلت في هز طرف جبل ، ثم أخيرا اهتز الجبل الباكستاني فجأة بقنبلة أثارت حفيظة الدول العظمى ذات العلاقة، ولم نر المثل العربي "يا جبل ما ايهزك ريح" إلا صامدا على ألفاظه ومعانيه كالجبل! .. ومِنْ غرائب السياسة أنْ يخلو عالمُها ممن يستدرك الأمر سريعا بعد التفجير النووي الباكستاني فيضيف على المثل لفظين أو أكثر، كأن يقول: "يا جبل ما ايهزك ريح إلا قنبلة نووية"، بل بتنا نسمع بين بعض المسؤولين الرسميين في حكومات عربية من يستعين بدرع عتيد عريق مقاوم لا تنال منه الرياح ولا "التكنولوجيا" الذرية .. ولكنه درع رخيص جدا ومتاح للجميع يسمى "الأصالة" ، إذ يكفي أنْ يقال: "نحن جبال من الأصالة لا تهزنا الرياح ولا القنابل الذرية"! .
مات الرئيس "نيكسون" ، ومات مفجر فضيحته "مارك فليت" .. مسكين الرئيس المثقف الكبير الذي لم يستعن بدرع "الأصالة" لدرء مخاطر فضيحته ، ولو طلب من حكومة جزيرتنا شيئا من"الأصالة" لكانت كريمة معه.. كان يمتلك في فترة رئاسته قرار تدمير أي جزء من العالم بالقنابل الذرية التي ضمتها الترسانة النووية الأمريكية في أي وقت يشاء، ولكن رئاسته سقطت على إثر تصنت غير مشروع بلا حساب للوقاية أو الحماية ولو باللجوء لمعونة جزيرتنا !.
جزيرتنا البائسة المسكينة لا تملك من الطاقة إلا حوالى 35 ألف برميل من النفط تنتجها شركة النفط كل يوم ، وشعب لا يتجاوز عدد سكانه نصف المليون ، ولا تشكل جزيرتنا في محيطها الإقليمي أي تأثير سياسي ولا اقتصادي ولا ثقافي يعتد به، غير أنها تتميز عن دول العالم كله بحكومة لها قدرة ذاتية خارقة تمكنها من البقاء والاستمرار في أداء وظيفتها في كل حال وظرف، ولم يعرف لهذه القدرة الذاتية أي نظير في عالم السياسة في العصر الحديث حتى الآن .. وأي جبل هي .. لا تهزها ريح ولا قنابل ذرية.. ولا مشاحة في القول: أَنَ أي حكومة تستظل بـ"الأصالة" لا يمكن وصفها إلا بـ "الجوهر" الذي لا يطرأ عليه طارئ مطلقا!
حكومة جزيرتنا لم تهز أطرافها ثلاث انتفاضات شعبية حصدت أرواح العشرات من المواطنين الأبرياء، ولا فضائح مالية قرضت نصف ثروات الجزيرة وبددت طاقاتها البشرية، ولا تعديات طائفية منظمة أحدثت شرخا اجتماعيا يصعب علاجه على فترة من الحكم ولو بالتراضي ، ولا خروق أخلاقية حولت الجزيرة إلى عاصمة الفساد الخليجي، ولا مافيا إقطاعية حبست أنفاس أهل الجزيرة وضيقت فسحة عيشهم والمأوى، ولا فوضى أمنية جعلت من الجزيرة مرتعا لشذاذ الآفاق يتخطفون الناس ليلا ونهارا وسرا وجهرا .. واحدة من عوامل الاهتزاز الست هذه لو كانت لحكومة دولة عظمى في أيامنا الراهنة بمثل ما كانت لحكومة جزيرتنا الديمقراطية ؛ لجعجعت فيها وطحنت ، ولا من جعجعة ولا من طحن في جزيرتنا مع توافر كل عوامل الاهتزاز الست.. لماذا؟ ..لأن الاستقالة أو الإقالة ليست من أعراف ولا من تقاليد ولا من عادات جزيرتنا التي تسير على هدى "الأصالة" على الدوام ، فيكفي أن يُخلع على الحكومة لباس"الأصالة" من جديد حتى تسقط عنها كل الخبائث والسيئات فتعود كما ولدتها أمها ، بريئة طاهرة نقية بلا دنس.
مبارك للجميع الولادة المقدسة الجديدة مقدما! |