ويبقى الجرحُ مؤجَّلاً!.. «الجرح 1» المعامير... حلبچة البحرين!
حين تستغرق الرصاصة جزءًا من الثانية في وصولها لقلبك ومن ثم قتلك لا يعني أنها سترأف بك حين تستغرق دقائق في وصولها إلى المكان نفسه! وحين يكون سبب انطلاق تلك الرصاصة سياسياً أو مذهبياً
لا يعني أنها ستكون أقل فتكاً حين يكون سببها اقتصادياً! هذان هما الفرقان الوحيدان بين «حلبچة العراق» و«معامير البحرين». وربما لا تجد الفرقين أبداً حين تقوم بتبطيء شريط حلبچة أو تقوم بتسريع شريط المعامير، فالغاز واحد والموت واحد والضحايا واحدة.
وثق تماماً لو تمعنـَّا في فرق ثالث سنرى أنَّ المعامير أكثر مأساة من ناحية، وهي أنَّ الغاز الذي تُضرب به هو نفسه لا يعلم متى سيكفّ ليكفّ الموت عن اللعب مع الصغار والكبار في أزقة هذهِ القرية المشنوقة بلا ذنب! وأخال الجهات المسؤولة كلها تفر عن الخوض في هذهِ القضية خشية التسمم بزفير ذكر المصانع لمجرد الحديث عنها، فكيف بمن يسكن في صدر هذه المصانع!
حقيقة، من المؤلم جداً أنْ تكون مجبراً على الموت بطريقة مُعينة، وإلاَّ فإذا أردت أنْ تموت موتاً يناسبك فعليك أنْ تستعجل لكي يُسمح لك بذلك! ومن المؤلم جداً جداً أنْ يكون الصمتُ أشدَّ تلويثاً من غازات المصانع. لقد جلَّت الرزية وعظمت المصيبة حتى أخال المُجنـَّس قبل أنْ يوافق على الجنسية البحرينية يقول للمسؤولين: «لكن لا يقول سكن في معامير»! من الذي أخبره ولم يخبر الحكومة والمعنيين في المملكة! فالأدخنة والغازات لا تجيد التوجه لسند أو الرفاع أو مدينة حمد... كيف تمكنَّت من تحذير اليمن وباكستان!
يُقال إنَّ الموظف في الشركات والمصانع المقاتلة للمعامير - عفواً المقابلة للمعامير - يتسلم شهرياً مع الراتب علاوة بمسمى «بدل تلوث» وهو يتواجد وسط التلوث 8 ساعات لسنوات محددة، فكيف لا يتسلم المواطن المعاميري الذي أصبح من أهل هذهِ المصانع - حياً ميِّتـاً - علاوة «بدل زهق»؟! وللعلم لا توجد مقبرة في المعامير بالرغم من أنَّها أحوج القـُرى إليها، فالآجال تـُعـدُّ من ساكنيها، وذلك ربما لعدم قبول الميتين بمنطقة سكنية تضاعف عليهم الإحساس بالموت..
فهم أكثر شعوراً وإحساساً من بعض الأحياء. واقعاً، لا أبالغ مثقال ذرة حين أعترف بحيرتي وأنا أتوقع الصفحة المناسبة لهذا الموضوع! فخطورة الأمر تستدعي «الصفحة الأولى» ليتسرب الغاز من واجهة الصحيفة! وصمت المسؤولين في المملكة يستدعي «الأخبار والتقارير» لبطلان تعذرهم بـ «ما ندري!»، والبيع في أرواح الناس يستدعي «الاقتصادية»، فقد نتأكد من تراجع أسعارنا في بورصة المعامير! وموت المعاميريين واحداً تلو الآخر يستدعي «الإعلانات»، فقد تخلو القرية وتُعرض للبيع! وحزن القرى والمُدُن على المعامير يستدعي «الاجتماعية» فالجرح هنا يجمعنا! وانتهاء المسرطنين نهاية واحدة يستدعي «الأدبية» فالموت هو القافية! وموت 46 حمامة في «صندقة واحدة» لمعاميري قبل أسابيع بسبب الغاز يستدعي «التسالي والفكاهة» فالطيور أصدق شجباً واستنكارا! ولا أظن «السياسية» ستكون مناسبة إلاَّ حين تجد القضية مقعداً بحجمها بين مقاعد النواب!
لذلك كان توقعي - المنطقي - أن تكون قضية المعامير في صفحة «ملاعب» الرياضية، فمازال الكل يطلب من المعاميريين أنْ يتقبلوا السرطان والجنون بروح رياضية وأخلاق عالية! فلربما يفوز معاميري بلقب «الميِّت المثالي».. والجرحُ مؤجَّل! |