حماية المجتمع من آفات الفساد هي مسؤولية تتحمل عواقبها السلطة التنفيذية في البلاد بالدرجة الأولى. ولكن الأولى بهذه السلطة قبل كل شيء أن تتحمل مسؤولية حماية المجتمع من مظاهر الفساد قبل أن تتسع وتشكل من نفسها عواقب سيئة تسبب هدرا للطاقات الاجتماعية وخطرا على التقاليد والأعراف السائدة التي تتشكل منها ثقافة البلاد.
فما تعكسه حالات الفساد الاجتماعي الناجمة عن إطلاق اليد لشركات الفنادق والفندقة السياحية غير المسؤولة على سبيل المثال، أضحت اليوم من اكثر الحالات استفزازا للمواطن، خصوصا تلك الفنادق السياحية غير المحتشمة التي لازالت تحتل مواقع لها في وسط المناطق المتميزة بالاستقرار الاجتماعي والتمسك بالعقائد والشعائر الدينية.
وان ما يثير الدهشة والاستغراب، أن السلطة التنفيذية تجمد كل مسؤولياتها في البناء الاجتماعي ومن ثم تلقي كل ثقل هذه المسؤولية على المجتمع وحده، وما على السلطات التنفيذية في مثل هذا الأمر إلا دراسة مصادر الدخل بشكل مطلق، وعلى المواطن تحمل تبعات مشاريعها، وإذا ما وجد المواطن شذوذا اجتماعيا ناجما عن ظاهره اجتماعية فاسدة تجني السلطة التنفيذية منها أرباحا طائلة داعمة للموازنة العامة وتشكل مصدرا من مصادر الدخل الأساس، فان على هذا المواطن أن يبدأ مشوار الصراع بإبداء رأيه وقوله ضد هذه الظاهرة الفاسدة لوحده وبحذر شديد مما قد يترتب عليه هذا الصراع من ردود فعل قد تلقي به في دائرة المحاكم المغلقة تحت مسمى النيل من سمعة ومصالح الآخرين.
ففي منطقتنا التي تميزت وعرفت بالتزامها الشديد وتمسكها بتقاليدها وشعائرها الدينية والاجتماعية، زرع فندق " تايلوس" في فترة وفرة نفطية ومالية رفعت من مستوى دخل السلطة التنفيذية بحيث لم تكن بحاجة إلى مصادر خيارات دخل أخرى. وهذا ما يثير الدهشة والاستغراب، ويؤكد وجود هدف غير سامي آنذاك كانت قد تبنته السلطات المسؤولة. وتتلون إزاء هذا الهدف التساؤلات عند المواطن في المنطقة إلى حد وصف الموافقة على إقامته في هذه المنطقة بالذات بأنها " مؤامرة" تستهدف تقاليد وأعراف وشعائر المنطقة وتاريخها الثقافي والنضالي و"تحدي خطير " للوحدة السياسية لأبناء المنطقة التي تعددت فيها آنذاك الاتجاهات السياسية والثقافية.
وإزاء هذا الاستفزاز الخطير الذي يشكله اليوم هذا الفندق السياحي كل يوم للعائلات المحافظة التي تقطن بمحاذاته حتى أضحى هذا الفندق محل سخط عام في المنطقة، بذلت جهود مشكورة من قبل بعض الشخصيات الاجتماعية والدينية مرفقة بعرائض واعتصامات أبدى فيها أهالي المنطقة للمسؤولين رغبتهم العارمة في إقفال هذا الفندق ووقف العمل به في المنطقة. لكن أحدا من المسؤولين في السلطة التنفيذية لم يبد أي تجاوب. بل أن هناك منهم من وبخ بعض المواطنين على دورهم في إظهار احتجاجهم على ملئ وبعيد عن القنوات الرسمية ذات العلاقة.
وهنا نتساءل: لماذا لم تدرس هذه القنوات الرسمية الأبعاد الاجتماعية الخطيرة التي ستنجم عن إقامة فندق في وسط اجتماعي محافظ وملتزم بدينه وثقافته ؟
ولماذا لم تدرس هذه القنوات الانعكاسات السلبية التي ولدتها مساوئ الفنادق السياحية في الأوساط الاجتماعية المكتظة بالسكان ؟
ولماذا لم تتقدم إلى السلطة التنفيذية بورقة عمل توجد بها حلا لمشكلة خطيرة أبدى من خلالها مجتمع المنطقة استياءه وسخطه من الصم الرسمي وبكمه وتجاهله لحق المواطن في حياة مستقرة بعيدة عن منغصات مصالح شركات الفندقة السياحية ؟
إن البناء الاجتماعي السليم في مناطقنا يجب أن يكون هدفا أساسيا على طريق تكوين وطن مستقر. ولو تطلب منا هذا البناء خسرانا في الأموال وعجزا في الموازنة العامة ومصادر الدخل، فان علينا أن نقدم مصلحة البناء على مصلحة جمع المال وتكديسه.
ومن جهتنا، صحيح أيضا أن هناك تعمدا من قبل السلطات المسؤولة في صرف النظر عن الاستجابة لمشاريعنا في حماية البناء الاجتماعي، وإصرار بعض القنوات الرسمية على جعل مشكلاتنا الاجتماعية رهن الاتصال والرأي السري المفرد. إلا أن ذلك ليس مدعاة للرضوخ والانتظار للعطايا المشروطة بتكميم الأفواه وتجميد الرأي وحرية التعبير. |