مسيرة "لقمة البنزين" عبثية وتواطؤ 11 جمعية لقمع نساء "السواد"
كريم المحروس 10/1/2010م
أسوء مشهد رآه المواطنون في ساحة الاحتجاج الشعبي حتى الآن لم يكن لمسيرة صاخبة تتصدرها عمامة أو ربطة عنق أو عقال أو جينز بعصابة رأس.. هن نساء مرعوبات، بأيديهن أعلام سوداء وبيضاء ، وأطفال من حولهن معتمرون عصابات رأس بيضاء وسوداء وخضراء كتب عليها "لبيك يا حسين" .. كل واحدة منهن تمثل ضميرها في الاستجابة لنداء الدفاع المقدس عن حق الحسين (عليه السلام) في المودة .. تقترب منهن زمرة "شجاعة" من قوات الشغب ممثلة عن حكومة جزيرتنا ، فتنهال عليهن بالهراوات وبطلقات الغاز المسيل للدموع.
حكومة رشيدة تفرق عشر نساء تظاهرن للاحتجاج على نزع قطع سواد ، فيقصدهن قائد شغبي ميداني بدم بارد ومن ورائه جيش مدجج بالأسلحة! .. يبدو مثل هذا المشهد هينا على خلاف ما تتحدث به الضمائر وأحاسيس المودة لأهل البيت (عليهم السلام)، بقرينة جمود النصوص الدينية وعدم تفاعلها مع هذا المشهد في دائرة اجتهاد علمائنا أو استحسان المثقفين ومن تبعهم بولاء وإخلاص إلى يوم الدين، فكان من باب "عدم ترك الأولى" عندهم أجمعين إصدار عدد من بيانات وخطب استنكار!.
تمضي أيام قليلة على هذا المشهد وكأن حدثا عظيما لن يعقبه مطلقا، لأنه حدث نسائي جاء على خلاف مراد أحلام الكبار من الرجال! .. الحكومة عالجت الحدث كاحتجاج محدود غير مرخص على جانب شارع عام، وانقضى الأمر بمعالجة صوتية رجالية لا تتعدى محدودية هذا الحدث! .. ثم تبدو سوءة ردود الفعل على هذا المشهد ظاهرة في البشاعة إثر التعبئة العامة الداعية لتنظيم مسيرة "لقمة البنزين"، فسجلت مشاركة 20 ألف من المحبطين احتشدوا بزعامة 11 جمعية ومن كل صنف بينهم صنف بهيج: عمامة ، ربطة عنق ، عقال ، جينز بعصابة رأس ، وزعماء، مرؤوسين ، مريدين، ومبرزين ومغمورين ، ويافطات بأشكال و"أرناق" مختلفة. ثم لم ينس المناصرون والمعارضون أن يعقبوا دعاياتهم المؤيدة والمضادة بمناوشة شرسة على تقدير حجم هذه المسيرة "النضالية" الكبيرة .. ولا من هراوات ولا من قذائف مسيل للدموع.
تبدو الحكومة في هذا المشهد متشددة في التزامها بالقانون: عُنِّفَ الاحتجاج النسائي الأول وفرقت أطفاله وأعلامه على حال كريهة مقززة للنفوس. وفي الجانب الآخر أُطلق العنان لمسيرة "لقمة البنزين " ومبتغاها في فرح وسرور، ولاسيما أن النصر فيها كان محققا سلفا وقاب قوسين أو أدنى بلا ضجيج أمنى .
الانضباط الحكومي المتواطئ مع 11 جمعية اتخذ سبيله فعليا في عملية لم تكن تستحق منهما كل هذا التعقيد: تسريب لخبر رفع الدعم عن الطاقة المستهلكة كالكهرباء والبنزين وبعض من المواد التموينية ، فيستتبع ذلك شيء من الاحتجاج الهادئ تحت شعار"إلا لقمة العيش"، ثم يلحق بهذا الاحتجاج إعلان حكومي بخضوع الأمر للدراسة فقط ورفض القول بجدية رفع الدعم . والحال أن الأمر لا يخلو من مناولة مكشوفة ، ولم يختلف أحد في تلك جمعيات "الراشدة" ذاتها من قبل على أن استبدال مسيرة "لقمة البنزين " باحتجاج نيابي محدود ؛ له من حظوظ الإجماع ما يقطع بنيل الفوز المبرم لصالح الحكومة وجمعيات "المشاركة" على كل حال تحت قبة البرلمان في هذه المرحلة الحساسة حيث الانتخابات البرلمانية على الأبواب والاستعدادات لها قائمة على قدم وساق، والاستحقاقات كلها بحاجة إلى شيء من الإثارة.. فجاءت الإثارة مشتركة.
هذه الحال تؤكد أن مسيرة" لقمة البنزين" كانت عبثية ، ومن شأن البرلمان أن يحقق الإجماع على رفض الزيادة في البنزين بلا كل هذه الجعجعة وهذا الصخب المفتعل .. ولكنها المرة الأولى في تاريخ البحرين التي تتواطأ فيها 11 جمعية مع الحكومة على الاستخفاف بعقول الناس ، لا لشيء.. إلا لرغبة أكيدة عند كل الأطراف في توجيه الرأي العام المحلي نحو الكسب في الانتخابات القادمة .
فلماذا لم يدع لمسيرة احتجاج على نزع سواد القرى والاعتداء على النساء ، ولها من حظوظ المشاركة ما يوصل عدد المشاركين إلى أكثر من 200 ألف مشارك ، كما لها من موجبات الحث على الاحتجاج الديني والمدني الكثير؟.. بكل تأكيد يمكن القول أن في ذلك كلفة قد تصل إلى حد فشل الجمعيات والحكومة معا في ضبط عواطف السخط الحسيني العام ، وقد تصل الكلفة بذلك إلى حد انقلاب كل موازين الدعم والتأييد الشعبي !
أتصور أن مجتمع البحرين له من الوعي ما يغني عن التحليل والتفصيل في ذلك ، ولكن حان الوقت للقول :أن من يستهين ويستصغر شعائر الإمام الحسين (عليه السلام) ويتهرب عن مسؤولية الدفاع عنها والتضحية لأجلها، ثم لا يتوانى عن تجنيد طاقاته الحزبية للتواطؤ مع الحكومة في مصالح سياسية متبادلة في تغافل عن نصرة الحسين (عليه السلام) والمودة له؛ فلله تعالى معه شأن هو قائله، وللشعائر رب يحميها. |