قراءة في تطور الثقافة والعلوم الإسلامية(1)
في اطار البرنامج الثقافي الذي يقيمه مركز شباب النعيم لإغناء الساحة (النعيمية) بالحوار الثقافي ، ناقش الأستاذ كريم المحروس في يوم الأربعاء الماضي 28/7/2004م القسم الأول من قراءته الموثقة حول "تطور الثقافة والعلوم الإسلامية "، وذلك في مركز شباب النعيم ، إليكم موجزا للقراءة ، على أمل عرض كامل القراءة وتعليقاتها لكم من خلال "شبكة النعيم الثقافية"في وقت لاحق وبعد أن يستكمل الأستاذ كريم المحروس القسم الآخر من هذه القراءة في أحد الأيام القادمة(يعلن عنه لاحقاً).
اولا: تأسيس وتطور المراكز الدينية
مع انتقال الدعوة الإسلامية إلى نهجها العلني بعد الهجرة ، لم تعد الدور الصغيرة في المدينة تستوعب أداء المهام الثقافية والتعليمية الجديدة والكبيرة والواسعة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه. فاحتل المسجد الدور الأكبر عوضا عن الدُور إلى مراحل متقدمة من عهد الأئمة (عليهم السلام)، وكانت تعقد فيه حلقات الدرس على مواد مختلفة ، من بينها : التفسير والفقه واللغة والآداب وغيره . وبرزت أسماء لعدد من المساجد ، من بينهما: مسجدي (الكوفة) و(البصرة) .وعرف عنهما الكثير من حلقات الثقافة والتعليم في مجالات مختلفة، شهدها المئات من طلاب الثقافة والعلم.
فعن الحسن بن علي بن زياد الوشاء قال لابن عيسى القمي : " أني أدركت في هذا المسجد - مسجد الكوفة- تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد (عليه السلام)" .
لكن الدُور أيضا عادت من جديد الى جانب المساجد لتحتل أدوارا ثقافية وعلمية بسبب الظروف السياسية التي سادت بعد وفاة الرسول الأكرم والمعطيات الجديدة حول الخلاف في شأن الخلافة وانقسام المسلمين إلى فئتين . وعند ذاك سميت هذه الدور بـ ( المجالس).
فقد ذكر المفيد في فصوله أن بعض صحابة الإمام الصادق عليه السلام، كانوا يحضرون في مجلسه لكسب معارف أهل البيت عليهم السلام. واشتهرت دُور بعض الصحابة، كدار محمد بن عمران(ت384هـ) وأشياخه . ودار محمد بن مسعود العياشي ومجالس الشريف المرتضى.
ثم انفصلت المدارس عن المساجد والدور خلال فترة الإمام الصادق عليه السلام بسبب الزيادة في أعداد الملتحقين بالإسلام والطلب المتزيد على مجالس الحوار والدرس والسؤال لمختلف شرائح المجتمع والمستويات العمرية .فظهرت على الأثر مدارس مستقلة للكبار والصغار في سمرقند ،وبخارى ،وطشقند ، وبغداد ، ثم في النجف على يد الشيخ الطوسي سنة (44هـ/1056م) ، لكن تأسيس أول مدرسة في بلاد المسلمين غير معروف ، ورجحت مصادر تاريخية مختلفة ان مدرسة نيسابور او (دار العلم ) للشريف المرتضى هي اول مدرسة دينية ظهرت بشكلها المستقل .
ثم تركز التعليم والنقاش العلمي والثقافي على النص الديني، ما أنتج الكثير من المؤلفات،خصوصا في مجالات الفقه وكذلك الأصول الفقهية بعد ذلك . كما تخرج عن هذه المراكز والمجالس والمدارس والدور قضاة وفلاسفة وفقهاء ولغويون مثقفون، ساهموا في تطوير أداء مراكز التعليم والثقافة الإسلامية حتى عهد الدولة العثمانية إلى جانب مدارس التبشير التي انتشرت في مختلف ولاياتها. وهنا اتسع الخلاف والنزاع بين مدارس ومراكز والحوزات المسلمين ومدارس التبشير في العصر الحديث ، فنشأ عهد الفصل بين التعليم الديني والتعليم المدني ، ونشأ ما يعرف بـ " المثقف" على غير " عالم الدين". وترددت أسماء كثيرة لرواد الإصلاح والتجديد في المدارس والمراكز والحوزات الدينية، كالشيخ رفاعة الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده والسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ المظفر والطاهر بن عاشور وابن باديس وغيرهم. حيث وضعوا الأمة الإسلامية أمام واقع جديد يدعو إلى أمرين:
الأمر الأول :الإصلاح الثقافي والسياسي .
الأمر الثاني : الإصلاح في المراكز التعليمية الدينية انسجاما مع التطور العلمي والحضاري في العالم .
بدأت ملامح نزاع التعليم ومناهجه خلال القرن السادس لحكم العثمانيين، حيث كانت مجتمعات المسلمين ترزح تحت نير التقسيم الفئوي والطائفي الذي تقوده فئة الحكام من الخلفاء والأمراء والسلاطنة ، وما تبعهم من تقسيم إداري بين الوزراء ورؤساء الولايات والعاملين في سلك الدولة أو الإمارة او السلطنة ، وما كان يعزز من دورهم في الدرجة الثانية هم طبقة رجال الدين ومجتمع متخلف يسير من خلفهم .
ثانيا: العصبية في بلاد المسلمين
لقد استمرت الثقافة والعلوم الإسلامية في الانتشار والتوسع بالرغم من الأثر السلبي الذي تركه صراع الدولتين الأموية والعباسية. فالأمويون اتجهوا بقوة إلى العصبية العربية، ولم ينظروا الى شعوب الدول المفتوحة نظرة إسلامية خالصة. وأطلقوا على غير العرب لفظ( الموالي). بينما كانت الدولة العباسية تمثل دولة الموالي. وكانت الثقافة الإسلامية وعلومها في عهدها قد ازدهرت في دائرة بلاد الترجمة، كبلاد البحر الأبيض المتوسط ، وبلاد فارس ، وفي الجزيرة في منطقة حران .
وقد لاحظ ابن خلدون ذلك، فذكر في مقدمته فصلا بعنوان ( ان حمَلة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم) "
هذه العصبية بين المسلمين لم تكن تميز بين العلم والثقافة. بينما الثقافة في واقع الأمر كانت الطابع العام الذي ميز الشعوب الإسلامية عن بعضها، وهي نظريات في العقائد والنظم ، تشتمل على وظيفة إعداد النفس وصقل مكوناتها العقلية والحسية ، ولها طابع مميز في الواقع الاجتماعي والخلقي ،يتبلور في الزمان بأشكال نطلق عليها اليوم " التقاليد" و" العادات" " والقيم" و"الخبرات" و" القوانين "و " الآداب" . .وتلعب العلوم الدينية والرياضية والطبيعية والإنسانية دورا كبير في صناعة هذه الثقافة.
وقد اقر الإسلام هذا الاختلاف ، لكنه هذب الثقافات المختلفة من خلال نصوص مصادر التشريع، وصنع ثقافة جديدة تجتمع فيها التقاليد والعادات المختلفة والمتنوعة ، وشرط عدم تعارضها مع العقيدة والشريعة الإسلامية . وهذا ما أنتج عنه توسع كبير في الثقافة الإسلامية، استوعب كل التنوع في الأعراق والأجناس والأقوام . وهذا سر عظيم في الإسلام على طريق وحدة اجتماعية متجانسة.
وأما العلوم الطبيعية والإنسانية والرياضية وتطورها الى المستوى الحضاري ،وانتقالها الى بلاد المسلمين ومن ثم من بلاد المسلمين الى بلاد الغرب ، فطبيعتها انها نموذج تعاوني انساني عالمي شاركت كل الحضارات في صناعته . ولا علاقة لها بالجنس او القومية او العرق . وان نموها بين ( العجم) – كما في تصنيف ابن خلدون - لا يعني ان ذلك جاء نتيجة العصبية بين الأمويين والعباسيين وردود الفعل عند الموالي للحفاظ على مجدهم .
ثالثا: عصر التحول العلمي والثقافي
لقد أكد القرآن الكريم على جعل العلم أساسا لسبر أغوار هذا الكون العظيم والتدبر فيه وفي حكمة خلقه " وآية ذلك ، ان كلمة ( علم ) وردت في القران الكريم (850 مرة) ، وان اول أمر استخدم في القران هو كلمة ( إقرأ) ، وان اول اداة ذكرت في كتاب الله هي ( القلم) . فنشأ مجتمع العلم بمعزل عن نظام الدولة وعصبيتها . واندمجت في هذا المنشأ أقوام وأجناس أخرى واختلطت بالمسلمين العرب بعد الفتوحات الاسلامية، كالفارسية واليونانية والقبطية. الأمر الذي ساهم أيضا في انتشار اللغة العربية بين هذه الأقوام. وبما ان هذه الأقوام وجدت في الدين الإسلامي انفتاحا على ما تمتلكه من ثقافة سابقة ، فقد اندمجت في الإسلام وتبادلت معه ثقافتها ،فحلت الثقافة الإسلامية الحضارية المتطورة محل الثقافات المحلية .
وربما كانت المصلحة متبادلة بين المسلمين ومجتمع الترجمة من السريان.فقيل أن سبب ترجماتهم يرجع إلى حاجة اقتصادية ، او أن السبب يكمن في مشروعهم في الدفاع عن نصرانيتهم امام الوثنية الهلينية التي بدأت تتسع في فرقها الدينية المختلفة ، ويظهر ذلك من خلال تأكيدهم على ترجمة الكتب الفلسفية .
لكن المسلمين اتبعوا قواعد سليمة في دارسة المواد المترجمة عن الغرب الإغريقي واليوناني ، فاخذوا ما لا يعارض دينهم ، وهذبوا العلوم ونقدوا أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم من فلاسفة اليونان في كثير من النظريات والآراء ، ولم يتقيدوا بها او يلتزموا بها التزاما تقليديا أو جامدا ، بل اعملوا فيها العقل والشرع معا .
وهناك الكثير من الشواهد العلمية التي أبدع المسلمون فيها ، كالطب مثلا ،وعلوم الرياضيات، كالحساب والجبر والهندسة وعلم المثلثات ،وعلمي الفلك والجغرافيا لما لهما من ارتباط بالحاجات الشرعية من نحو : مواقيت الصلاة والصوم والأشهر العربية . وجاء هذا العلم متأثرا بجغرافية الهنود والفرس واليونان .وكذلك العلوم الطبيعية كالكيمياء والفيزياء، والفلسفة التي ابدع فيها كل من ابن سينا والرازي والكندي والفارابي وابن رشد . وصناعة النسيج التي اشتهر المسلمون بها
رابعا: بدايات عهد الانحطاط
عُد من احرق من العلماء والمفكرين في أوروبا فبلغ نحو 350 الف . وحوكم (جاليلو) على كروية الأرض ، واجبر على القسم الكنسي الذي نص على :" اني غاليلو في السبعين عاما من حياتي اركع على ركبتي امام حضراتكم ( البابا والقس) واتوب والكتاب المقدس امام عيني والمسه بيدي ن وانكر دعوى حركة الارض واطردها عني واتنفر منها "
والى عهد مجيء البروتستانتية( المحتجون) الذين ظهروا في القرن الخامس عشر في اكثر الممالك تقريبا، شجعت العلماء على المجاهرة بالعلوم ونظرياته، وسمي هذا الدور بدور النهضة الفكرية لأوروبا. وفي مقدمات هذا العهد حتى ظهور النهضة ، أي في الفترة الواقعة بين عامي 600 إلى 1500 ميلادية ، وفد الغرب على علوم المسلمين ونهضوا وتراجع في الجهة الأخرى المسلمون.
وهنا أدرك رواد الإصلاح من المسلمين أن الغرب وفد إلى السلطنة العثمانية مضللا بما تقدم من علوم، وواجهوا الدفعات الأولى من المثقفين من خريجي المعاهد والمدارس والجامعات الغربية لما لهم من دور في مواجهة مراكز القوى الثقافية والتعليمية الاسلامية في اكثر بلاد المسلمين حساسية واستراتيجية ، كتركيا وبلاد الهلال الخصيب .
فعلى سبيل المثال " ظهرت في العراق (1876- 1914) طبقة اجتماعية جديدة أطلق عليها ( الافندية) وهم من خريجي المدراس الحديثة، وكانوا يحاولون تقليد الأوروبيين في ملابسهم تقليدا مضحكا ويصرون على التكلم باللغة التركية بين العرب ويحقرون العشائر والفلاحين ويكثرون من ذكر المصطلحات العلمية والفنية .. فاذا تحدثوا فتح الناس أفواههم إعجابا بأحاديثهم. فحلوا محل الموظفين القدامى في الدوائر الحكومية تدريجيا). وهم من واجهوا حركة الإصلاح بعد ذلك .
وفي جانب آخر خاض رواد التجديد من علماء الدين وأتباعهم من المثقفين المتنورين صراعا مريرا ضد الاستعمار . وكانت المهام الأولى تتعلق ببناء الأسس السليمة التي يجيب ان يقام عليها المجتمع الاسلامي . وكان الاساس الاهم هو إظهار حقيقة الدين الإسلامي ، وذلك عبر تنقية الثقافة والفكر الاسلامي من مظاهر الجمود التي علقت به ، وإرجاع تلك الثقافة والفكر الى المصادر التشريعية الأصيلة . وكان على راس هؤلاء المتنورين المثقفين ، كل من الشيخ رفاعة الطهطاوي، والسيد جمال الدين الأفغاني ، والشيخ محمد عبده ، وأتباعهم وجيل المثقفين الذي لحق بهم . حيث دعا هؤلاء أولا إلى ضرورة الاجتهاد .
خامسا: أوضاع مراكز الثقافة والعلم
ظلت المؤسسة الثقافية والتعليمية الدينية جامدة في نظامها ومناهجها القديمة ووسائلها وانغلاقها على النصوص الدينية عبر التمسك بعلوم محددة كالفقه والاصول والعقائد والتفسير واللغة والحديث واصول الحديث وغيره. كما ظلت هذه المدارس والمراكز بدون نظام تعليمي يضع أولوية للانضباط والتدرج في السلم التعليمي الصاعد نحو الهدف ، وان كانت هناك بعض القيود العرفية فهي لا ترقى لتشكل نظاما قابلا لمجارات متطلبات المراحل وحتى الظروف التعليمية الجديدة والمنسجمة مع حاجات الدولة وهيكلها ومكوناتها الحديثة.
وظلت الحركة المضادة للتغيير تنعم برصيد وافر من التأييد، بحكم الكثير من الأسباب ، ولعل أهمها الخوف من الجديد ومعطياته وآثاره . لكن حركة التغيير والتنوير من جهتها كانت فاعلة برغم التحديات والعقبات التي اعترضت طريقها.
وهكذا ظل التعليم تحت رحمة التقليدين والمحافظين الذين فسروا النصوص الدينية المحرضة على التعليم ، بتفاسير مدعمة لقعودهم عن النمو والتطور والإبداع . ففي الحديث الوارد عن الرسول (ص) على سبيل المثال : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : صدقة جارية ،او علم ينتفع به ، او ولد صالح يدعوا له) .فان التقليدين القاعدين، يقصرون العلم المذكور في الحديث على علوم دينية محددة ، دون سائر العلوم الأخرى .ولذلك اخرجوا التطور الثقافي بأبعاده ووظائفه المختلفة فضلا عن العلوم الطبيعية والإنسانية والرياضية عن هذا العلم الوارد في الحديث الشريف. حتى ان تصنيف العلوم المعتمدة لديهم، الى علوم حقيقية أساسية وعلوم آلة ،جاء وفقا لهذا التفسير الجامد . مع ان الحقيقة تقول بان العلاقة بين العلوم الاساسية وعلوم ألآلة توقيفية، أي أن كل واحد منهما متوقف على الأخر.
فاللغة العربية وآدابها مثلا تفيد عالم الدين وطلابه فنا في التعبير بأدق الجمل والعبارات العلمية الجامعة والمانعة ." فنهاية ألآداب تحسين العبارات وتزيينها بالتلطف والانسجام ، لتكون بهذا المعنى مفتاحا لأبواب العلوم الحقيقية، كما ان العلوم الحقيقية تعين بالكلية والجزئية على كمال توسيع دائرة الآداب "
من هنا وضع محمد علي باشا في مصر عام (1805) خطة إصلاحية مناسبة وهادئة ، وذلك بتشجيع النقل والترجمة في مجالات علمية وثقافية مختلفة واهتم بالبعثات كثيرا وبالتخصصات في الشؤون التعليمية والادارية ، وتابع مشروعه الإصلاحي ، بإنشاء العديد من المدارس والمعاهد في العلوم العقلية أساسا ، دون ان يعبأ بالموقف السلبي المتشدد والصريح والمضاد الذي أقامه بعض رجال الدين في الأزهر الشريف ، وتَرَكهم في موقفهم المعروف بالسخرية من المتعلمين الجدد الذين نشئوا وتخرجوا من معاهد ومدارس محمد علي الإصلاحية . مدعين أن التعليم الجديد هو تعليم سطحي ، ومشبهين الخريجين بأنهم كـ "الطائر غير المتزن الذي لا يحسن الطيران" .
واما في العراق ، ظلت العلوم الإسلامية في الحوزة على القديم منها دونما رغبة في التجديد .وواجهت حركة التجديد عقبات كثيرة ، ولم يستطع رواد الإصلاح من إقامة بعض التغيير والطفيف منه الا بشق الأنفس برغم ما كانوا يتصفون به من إرادة علمية كبيرة واستعداد في خلق البديل العلمي الحضاري من مناهج ومؤلفات ومؤسسات تعليمية ، إلى أن انتقلت زعامة الحوزة والمرجعية في النجف بعد وفاة العلامة الشيخ مرتضى الأنصاري سنة 1281هـ إلى العلامة الميرزا حسن الشيرازي الذي اختيار مدينة سامراء المقدسة مقرا له ، واستمر في دعم النشاط العلمي في النجف ، وقدم المال اللازم كمشاهرات إلى عدد من طلابه الذين يتوسم فيهم الاستمرار في النمو العلمي على نهج المرجعية ، كان من بينهم الملا كاظم الخراساني ( الاخوند).
ولمع اسم المجدد الشيخ ملا محمد كاظم الخراساني ( ت1911م) في النجف الاشرف بعد وفاة الميرزا الشيرازي، الذي فتح آفاقا للعلم . "فهو اشهر مشاهير عصره، كان آية في الذكاء والحفظ وسرعة الانتقال ، متقنا لعلمي الحكمة والكلام واصول الفقه ، وهو الذي تنبه لخلاص شعب من رق الاستبداد . ونزع عنه نير الاستبداد . له اياد مشكورة على العلماء واهل العلم وحملة الدين اذ جدد لهم منهج الدراسة ، صنف في الاصول والفروع فكشف عن غامضها الحجاب وميز القشور عن اللباب ، وكانت حوزته تعد بالمئات وربى كثيرا من العلماء ، وحقا يقال هو ابو العلماء . وعلى مؤلفاته الاصولية اليوم تدور رحى الدراسة . وفي ايامه راجت اسواق العلم وازدحم عليه اهل الفضل حتى غصت النجف من كثرة المهاجرين فأدت الحال الى تشكيل مدارس لتلامذته فبنى ثلاث مدارس ، وكان عصره عصر العلم والعرفان ، عصر الترقي ، عصر تنور الافكار . فيه حدثت المطابع والصحف واكثر المدارس الحديثة . وقد فاجأه الاجل ليلة الثلاثاء في 21ذي الحجة سنة 1329ه وكان عازما في صبيحة تلك الليلة على السفر الى ايران لجهاد الروس التي كانت قد انشبت اظفارها في البلاد الايرانية .
( القسم الثاني يأتي لاحقا)
|