تيار الانتفاضة يستعيد عافيته ويخترق حد "الوفاق"
كريم المحروس 4/12/2009م
بدأت التيارات الثلاثة الرئيسية المعارضة: الوفاء ، حق، الأحرار ، تستعيد عافيتها من جديد بعد شتات سياسي فرضته ضغوط أمنية حكومية وحدود مرجعية منافسة دام فعلها المضاد مدة ثمان سنوات تقريبا. لكن زعماء هذه التيارات لم يفصحوا بعد عن مرجعيتهم الدينية بعد الفراغ الكبير الذي أحدثه رحيل زعيمهم السياسي الشيخ عبد الأمير الجمري.. وبات الإقرار باتباع مرجعية موحدة مستوفية لشروطها بين هذه التيارات الثلاثة الهم الأكبر والشغل الشاغل من بعد تصريحات مؤقتة في هذا الشأن بدت للوهلة الأولى قريبة من المواربة والتورية ولا غرض لها إلا الحد من الآثار المترتبة على الخلو من دور مرجعي مشرع وموحد.
بيان "العزة والكرامة" الصادر في 24 نوفمبر الماضي عن التيارات الثلاثة التي قاد زعماؤها انتفاضة النصف الثاني من التسعينات، مثّل البيان السياسي المشترك الأول الذي قرر تبيان وحدة المظلة المرجعية السياسية واسترجاع تحالفها البيني إلى حد التسالم على ما كان عليه هذا الحالف في الماضي النضالي التسعيني، ثم إيصال ذلك بما هو كائن وراهن وبما يجب أن يكون عليه مستقبل هذه الشراكة النضالية . ولكن البيان هذا لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الأسس الفكرية المحددة للشأن المرجعي الجامع بين هذه التيارات وزعمائها.. إنما أضمر البيان تلك الأسس نصا وكشف عنها تلميحا من خلال تذييل البيان بأسماء الاتجاهات اثر إلحاح الكثير من التساؤلات على طلب الإفصاح عن هوية المرجعية المتبعة، درء لخسارة أخرى قد تنجم عن لدغة أخرى من جحر كان منظورا.
أحجمت التيارات الثلاثة عن التصريح باسم مرجعيتها وتوارت خلف تصريحات لا تبدو مقنعة في الوسط السياسي العام ومحل استهجان من قبل اتباع تيار التحدي:الوفاق والعلماء ، من قبيل التصريح: "أن مرجعينا متمثلة في ولاية الفقيه ولكن القيادة أو الزعامة جماعية" ، و"أن ولاية الفقيه ملزمة عمليا ولا رجعة عنها".. حتى اعتقد المناوؤون في "الوفاء" و"الأحرار" و"حق" و"الوفاق" و"العلماء" وحدة عضوية جامعة ولكن متطلبات السياسة فرضت مهمة " تكامل الأدوار" بالتباعد والاختلاف.
من جهتها، لم تفصح "جمعية الوفاق" وقيادتها العلمائية عن مرجعيتها الدينية التي تتبع أثرها بشكل مباشر حتى الآن، وفضلت التواري خلف مشروع المشاركة الوطنية في الحياة التشريعية تحسبا لأي تأثير سياسي سلبي معاكس ربما يستند في أثره إلى تهمة التآمر والاتصال مع جهات إقليمية ذات مصالح طائفية .. فيما التزم تيار الوفاق والعلماء بانتمائه المرجعي من خلال وسائل الاتصال التقليدي غير المثير التي أفردت للسيد خامنئي اهتماما إعلاميا بارزا كمرجع ديني يمكن تصنيفه على هدى المنهج الحزبي العلمائي القديم.
عامة البحرانيين يجمعون على أن السبب المرجح في "التلميح" لا "الإقرار الصريح" بالمرجعية المتبعة بين التيارات الأربعة وقادتهم - يتأكد قطعا فيما إذا أخذنا في الحسبان مدى حساسية التكوين الاجتماعي الديني والسياسي بمتعلقات المرجعية الدينية كمعطى لا يمكن الاستغناء عنه مذهبيا ولا إنكار تأثيره في درجة الاصطفاف بين التيارات وكفاءة زعمائها في جذب الاتباع والمقلدين أو نفورهم .. وهنا أيضا ، لا يمكن إنكار مدى احتراز قيادات التيارات الأربعة ذاتها من الفرز القسري السلبي في الهوية الوطنية الذي تتسلح بأدواته الجهات الحكومية المتربصة والتي من شأنها التلويح بهذا الفرز كلما أينع الخطاب السياسي أو الموقف المعبر عن التكوين المذهبي لزعماء هذه التيارات.
التباين الكبير الذي حال بين قادة التيارات الأربعة والاندماج أو التوافق السياسي بعد تحولات عام 2001م؛ كشف عن حقيقة الدور الكبير الذي تلعبه المرجعية الدينية في ترجيح ميزان التفاضل بين التيارات في مسيرة العمل السياسي البحراني مهما كانت طبيعة الظروف المؤثرة في المحيط الاجتماعي والسياسي.. وفي ذلك وجدنا أن زعماء الفعل السياسي في انتفاضة التسعينات قد استقطبوا الراحل الشيخ عبد الأمير الجمري زعيما سياسيا وأداروا حوله التيار الشعبي الغلاب بلا زعامة مرجعية دينية يمكن القول بتصديها سرا أو جهرا، حتى باتوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق كل مقاصدهم وما شمله خطابهم السياسي ، ولكن المفاجأ التي لم تكن في حسبانهم :أن كتيبة من علماء الدين عادت من مدينة قم المقدسة إلى وطنها البحرين وفي جعبتها صكا مرجعيا بـ"ولاية الفقيه" مرجحا لميزان التفاضل بين المتنافسين في التبعية السياسية ، فمال كل التيار الغلاب إلى حيث مخدعه التقليدي الوثير ، وفضل الانحسار عن زعماء الانتفاضة معلنا الولاء بكل طاقته لتلك الكتيبة حتى حين.
ثم اتخذ خيار "ولاية الفقيه" دوره في صور تقليدية جامعة بين فقيه ومقلد تحت مظلة زعامة شعبية بحرانية كانت تمثل أحد رؤوس حزب سياسي حل نفسه في عقد الثمانينات، فكان مؤهلا بهذا التمثيل للعب دور كبير في تفعيل دور التفاضل المرجعي شعبيا على حساب مقاصد زعماء تيار انتفاضة التسعينات الذين لمسوا في الشراكة السياسية الأخيرة بين تيار ولاية الفقيه وسلطات العائلة المالكة جحودا بيّنا لدورهم النضالي وتضحياتهم واستهانة بالحق الشعبي الطبيعي في سيادة حياة تشريعية عادلة وقائمة على أسس متينة من الثقة المتبادلة .
الإفصاح عن المرجعيات الدينية المتبعة سياسيا يعصم العمل النضالي من الانفلات وحدود الاستقطاب الحزبي وتعزيراته، ويحفظ لكل ذي حق حقه ، ولا خيار أمام تيار "حق" و"الوفاء" و"الأحرار" إن شاء أن يستقيم له نضال موحد إلا خيار مراجعة ماضيه النضالي من خلال الإفصاح عن مرجعية تجرده من فروض التورية السياسية.. ولو نأت كل التيارات البحرانية بمنهجها السياسي عن التورية في شأن التبعية المرجعية الدينية لكان ذلك أجدى وأقوم وإن فرض ذلك عسرا في بناء التيار وكلفة في الخسائر في بادئ أمر النهضة .. وفيما عدا ذلك، يمكننا القول بأن المرجعيات الدينية المقلدة والمؤثرة في الهم السياسي البحراني إذا ما ثبت تقابلها أو تناقضها في بعد الاجتهاد والحصيلة الفكرية، فقد يوجب ذلك تكريسا لمواضع الخلاف إلى حد التنازع المذهب للريح.. إذن ، كيف يمكننا الإيمان بما صُرح به حتى الآن في أمر وحدة التيارات الأربعة على ولاء لمرجعية "ولاية فقيه موحدة"؟!. |