قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالاتالأستاذ كريم المحروس
 
فلسطين والوهن السعودي
شبكة النعيم الثقافية - 2009/10/14 - [الزيارات : 5119]

ورقة بعنوان (فلسطين والوهن السعودي) قدمها الأستاذ كريم المحروس إلى مؤتمر (السعودية وقضية فلسطين) الذي أقامه مركز قضايا الخليج للدراسات الاستراتيجية في لندن بتاريخ 11/10/2009م

فلسطين والوهن السعودي

كريم المحروس
8/10/2009م

لم يعد الفلسطينيون الطرف الوحيد المبتلى بمساءلة مسؤولة للمقاصد الاستراتيجية التي تسعى إسرائيل دائما إلى تحقيقها من وراء العزم والإصرار على عقد مفاوضات مباشرة وعلنية مع أعلى سلطة في المملكة العربية السعودية وان تطلب الأمر في ذلك من إسرائيل الوصول إلى هذا المستوى من التفاوض وتجميد أو إفشال العديد من اللقاءات المباشرة مع السلطة الفلسطينية التي ما برحت تجري وقائعها في إطار بديل عن المبادرات العربية بزعامة المملكة السعودية؛ ففي السعودية طرفان مؤثران في السياسات الداخلية والخارجية لا يمكن الاستهانة بمتابعتهما وما يفضي عنهما من مواقف إزاء تطور الوضع الفلسطيني ، مثلهما اتجاهان: ليبرالي إصلاحي واسع نجح حتى الآن في الظهور السياسي على شكل نخب وطنية موزعة بين المدن السعودية المختلفة تميل إلى لملمة أطرافها لعقد توازن ومنافسة حادة مع الاتجاه الديني السلفي الوهابي التقليدي الآخر الذي بات متوجسا من مستجدات الوضع الداخلي المستجيب بلا حدود للضغوط الأمريكية والأوروبية الرامية إلى فرض صياغة للنظم العربية أكثر استجابة لمتطلبات مصالح الأمن الاقتصادي الاستراتيجي الدولي.

وكما شهد الفلسطينيون مفاجئة إرجاء سلطتهم لتقرير جولدستون المتعلق بإدانة حرب إسرائيل على غزة في واقعة يرون فيها بعدا سياسيا غير منطقي وخيانة بحق قضيتهم؛ ربما يشهدون مفاجئة أخرى في عهد الرئيس الأمريكي الحالي أوباما ستحقق لقضيتهم أول مفاوضات سعودية علنية مباشرة مع تل أبيب قبيل المضي في تهيئة مقدمات الانسحاب الإسرائيلي من الضفة وقطاع عزة. ويشار في ذلك إلى أن تأجيل تقرير جولدستون المتعلق بحرب غزة جاء بطلب رفعته إلى الرئيس الفلسطيني عباس أقطاب سياسية سعودية كانت فاعلة إلى وقت قريب في تقريب وجهات النظر السعودية الإسرائيلية الممهدة لعقد اللقاء العلني المباشر الموعود.

وتأتي هذه التكهنات بعد تنجز أهم معطيين سياسيين ترشحا عن مسعى أمريكي أوروبي مشترك لتطوير شرق أوسط جديد مختلف مستتبع لأحداث الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان بعد الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م وما نتج عنها من تحولات أمنية واقتصادية ذات أبعاد استراتيجية خطيرة: تَمثل المعطى الأول في تعزيز الوساطات لتطوير العلاقات السعودية بالكيان الصهيوني سرا بما يمهد لعقد لقاءات علنية مباشرة على أعلى المستويات ، بينما تمثل الآخر في الحد من النفوذ السعودي بين دول العالم العربي والإسلامي بعد فشل الرياض حتى الآن في الاستعانة بهذا النفوذ لضبط حركة التحالفات العربية التي خرجت على السيطرة بعد جهود سورية جمعت إيران ولبنان ودولة قطر وفصائل فلسطينية من بينها حركة حماس في اتجاه مغاير ومناكف ، وكذلك بعد فشل الرياض أيضا في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في منطقة الخليج بما يخدم مصالح الغرب والحد من تمدد جهات الإرهاب الديني السلفي الداخلي والخارجي، إضافة إلى تقنين وضبط العلاقة مع نفوذ الحركة الوهابية التي تعاظم دورها بعد الحد من المد الشيوعي الروسي في أفغانستان وباتت ملجأ آمنا ومنطقة استقطاب وتنظيم لعناصر حركة العنف السلفي المسلح ومصدر دعم مالي ومعلوماتي رئيسي.

كل الدلائل وتحولات المنطقة تشير إلى أن المملكة العربية السعودية ماضية في علاقات متينة مع الدولة الصهيونية ، ويراد لها أن تدخل في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل حاسرة النفوذ شأنها شأن أي دولة عربية أخرى تمثل سيادتها في دائرة حدودها الإقليمية وفي وسط عربي لا أثر للإجماع فيه، مما يعزز دور الدولة الصهيونية في المنطقة استراتيجيا على أسس من الشراكة الشرق أوسطية.وهذا ما عنته توصيات لقاءين على مستوى القمة بين واشنطن والرياض كانت محل جدل فلسطيني عربي واسلامي.

كانت زيارتا الملك عبد الله إلى واشنطن في أبريل من العام 2002م الذي شهد تطورا للأوضاع الأمنية والسياسية الخطيرة في فلسطين من بعد عام حافل بالأحداث الكبيرة التي أعقبت وقائع الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة ، ثم زيارته الأخيرة في أبريل من العام 2005م ولقائه بالرئيس بوش - حدا فاصلا في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين حيث حُددت فيه الهوية الجديدة للدور السياسي السعودي في المنطقة . فمن بين أهم ما أسفر عن هذين اللقاءين السياسيين كان مظهرا لدور سعودي أقل نفوذا وتأثيرا في إطار دور أمريكي واسع ومباشر غير واثق في أنظمة القبيلة والعشيرة ولا يفي بالآمال المعقودة على مسألة تحديد مسار إيجابي من القضية الفلسطينية وبما يدعم دور المفاوض الفلسطيني مع إسرائيل. مما يؤكد على أن دورا جزئيا غير فاعل نسب للرياض حديثا وبات واقعا على خلاف ما رسم من ضخامة وفخامة أبرزتهما الإمبراطورية الإعلامية السعودية وساهمت في تعظيمه تصريحات القادة الإسرائيليين الذين أبدوا تفاؤلا منقطع النظير بنجاح اللقاء السعودي الأمريكي وارجعوا تواصل عقد اللقاءات بين الرئاسة الفلسطينية وإسرائيل بعد ذلك إلى الزخم الجديد الذي جددته مفاوضات الملك عبد الله والرئيس الأمريكي.

قبيل زيارة الملك السعودي عبد الله الأخيرة إلى واشنطن كان الفلسطينيون يأملون في دور سعودي مؤثر وحاسم وبديل عن الدور المصري المتراجع أمام عدد من المساءلات الأمريكية والأوربية في الشأن الديمقراطي ومؤسسات حقوق الإنسان وطور العلاقة مع الكيان الصهيوني، كما كانوا يتأملون في دور خليجي مباشر وشامل بزعامة سعودية نشطة يزيد في حرص الدولة الصهيونية على الاستمرار في عقد مفاوضات شاملة مجدية ويوسع من خيارات المفاوض الفلسطيني.

إلى جانب ذلك، كانت دول المنطقة الخاضعة للنفوذ الإقليمي السعودي تعول على دور أمريكي تلعب فيه السعودية بما لها من نفوذ سياسي وأمني واقتصادي كبير مؤثر في حجم المصالح العربية المتبادلة مع الغرب دورا أساسيا يشكل امتدادا طبيعيا لعهد مميز في سياق العلاقات الاستراتيجية التاريخية التي دشنت على عهد مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز بن سعود خلال لقائه على متن سفينة راسية في البحريات المرة بقناة السويس وعقده لقاء مطول مع الرئيس فرانكلين روزفلت في العام 1945م ـ متمم لبرنامج سياسي واقتصادي مطمئن يرفع من مستوى الرؤية عند أنظمة العالم العربي في قضية فلسطين ويزيد في درجة استقرار هذه الأنظمة بعد المخاوف الجدية من ردود الفعل الأمريكية الغاضبة على أحداث 11 سبتمبر، في موضوعات كان من بينها: استراتيجية تفعيل دور دول النفط في القضية الفلسطينية ، ومراجعة معطيات التدخل الأمريكي المباشر في كل لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، ، والشراكة في مواجهة حركة الإرهاب السلفي الإقليمي والدولي، والتقدير المشترك لملامح مشروع الشرق الأوسط الجديد في جهاته الأمنية والسياسية والاقتصادية بما يحفظ للنظام العربي سيادته. ووضع حد للتطور الملحوظ في القطب السياسي الآخر الفاعل في القضية الفلسطينية ممثلا في سوريا وإيران وقطر وحزب الله وعدد كبير من الفصائل الفلسطينية تتقدمه حركة حماس.

عقدت كل تلك الآمال الفلسطينية على زيارة الملك عبد الله بعد عزم الملك على جعل هذا اللقاء لقاء استراتيجيا يمثل ثقلا عربيا وإسلاميا جامعا وشاملا ، ولأجل ذلك اصطحب الملك معه إلى لقاء تكساس كل مظاهر التعبير عن اللقاء الاستراتيجي الكبير، فشمل وفدا رسميا سياديا مشكلا من كبار أمراء العائلة المالكة إلى جانب وفد كبير تقدمه وزراء حكومة المملكة ومن أصحاب الشأن والاختصاص في هذه الزيارة الأخيرة .

لم تسفر هاتان الزيارتان عما كان العالم العربي والإسلامي يتصور ويأمل، غير انهما كشفتا أن السلطات السعودية أصبحت بإرادة أمريكية غاضبة ومتوترة الموقف على عهدين متغايرين من حيث القوة في الموقف السياسي ودور نفوذهما وعلاقاتهما الدولية ومدى الضبط في مؤسسات الحكم وأنظمتها .

فحال السلطة السعودية ونفوذها على عهد الملك فهد يختلف تماما عن حالها على عهد الملك عبد الله الذي أفقدته استقطابات المنطقة ، وتوجس دول أوروبا، وتطور الحركة الدينية السلفية في داخل بلاده، أهلية الزعامة على محيطه الإقليمي، وحدت من الدور السعودي في الشأن السياسي المركزي المتمثل في قضايا فلسطين والمحيط العربي خلافا لما أقرته إدارة واشنطن منذ عهد روزفلت حتى مجيء عهد بوش الذي أعاد بدوره النظر في علاقاته الاستراتيجية مع دول العالم العربي والإسلامي بعد حوادث 11 سبتمبر 2001م بما فيها المملكة العربية السعودية.

وقد لُمس مدى الوهن والهوان في الموقف التفاوضي السعودي بعد لقاء بوش في وقت وصلت فيه القضية الفلسطينية إلى أعقد مراحلها حتى بات يذكر في الأوساط الأوروبية أن واشنطن ماضية في صياغة تحالفاتها الاستراتيجية على خلاف المتوقع بعد انتهاء عهد الحرب الباردة ومن غير اعتبار خاص لقضية فلسطين والدور السعودي فيها وفي المنطقة. لذلك جاء التقدير السعودي لتحالفها مع واشنطن قبل لقاء تكساس على غير هدى الواقع الجديد ، فلم تحظ القضية الفلسطينية مدار زيارة عبد الله بدور أساس في هذا اللقاء، وانصبت موضوعات اللقاء بين البلدين على تفصيل دور استراتيجي أمريكي موسع ناظر بأهمية وبضرورة لوضع النظام السعودي الداخلي وبشكل منفرد وعلى غير العادة كواحد من أهم مسببات توتر الأوضاع الإقليمية والدولية وقد أوجبت هذه المسببات فرض رعاية أمريكية خاصة ومباشرة على الرياض كجزء أساس من توصيات سياسية أخرى متخذة في البيت الأبيض لا تنفك عما ذهبت إليه توصيات تقارير سفارات واشنطن حول وجوب بناء جدي لقاعدة معلومات مستحدثة مضافة إلى التوصيات التي ترد عن تقارير لجان حقوق الإنسان التابعة للكونجرس والأمم المتحدة والقاضية بإعادة تقييم الأوضاع الداخلية للبلاد العربية وعمل اللازم للتخفيف من وطأة الأزمات السياسية المحلية من خلال تعميم شيء من الانفتاح وبناء مؤسسات اكثر قربا من الشراكة السياسية الديمقراطية المنسجمة مع السياسات الأمريكية الراهنة وتحظى برضا دول أوروبا.

السلطات السعودية باتت أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بما آلت إليه العلاقات الجديدة مع واشنطن بشرط اقترانها بمرحلية وزمن تصل فيه الإدارة الأمريكية إلى مراميها من وراء رد الفعل الكبير على أحداث تنظيم القاعدة وما لحقه من احتلال للعراق وأفغانستان بشراكة وأوروبية غير محدودة ، غير أن الرياض ذاتها لم تغفل المساهمة بشكل استراتيجي في الحرب ضد القاعدة وتهيئة المناخ السياسي لتدخل أمريكي مباشر بين دول الشرق الأوسط ، والحد من نمو الاستقطاب السوري الإيراني القطري ودوره الأساس في لبنان ، ودفع السلطة الفلسطينية باتجاه اتخاذ موقف مرن بما يرضي المفاوض الإسرائيلي في اللقاءات السرية مع الرياض ، فضلا عن العمل بتوصيات الرئيس بوش التي اقرها من بعده الرئيس اوباما وكان من بينها: زيادة التبادل والتعاون العسكري والاستمرار في تعديل أوضاع أسعار النفط ومستوى إنتاجه بزيادة تصل إلى 13 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام الحالي عوضا عن 10 ملايين برميل يوميا كانت السعودية تنتجه حتى عام 2005م، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية برفع مستوى التبادل التجاري مع واشنطن ، وتكريس الجهود السياسية والأمنية والاقتصادية لضبط الوضع الداخلي، والحد من نفوذ تنظيم القاعدة وإعادة النظر في التحالف مع الحركة الدينية السلفية الوهابية وتفتيت عضدها، والانفتاح على تيارات الحركة الإصلاحية الأخرى بضمانات وشروط خاصة.

ربما كانت السعودية من أكثر الدول اقتناعا بحجم دورها الجديد والمحدود في المنطقة لحين لحظة قرار جديد يتخذه الرئيس اوباما في استراتيجية أخرى توسع من الدور السعودي وتعيد له مكانته حتى يصار بعد ذلك إلى تهيئة مناخ سياسي عربي لعقد لقاء مباشر مع إسرائيل وإيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية ، وذلك لحاجة المملكة السعودية في المرحلة الراهنة إلى العمل بنفس هادئ وتنظيم مؤسساتها الداخلية التي جاء من بينها: ضبط نظامها الأساسي واعتماد نظام الشورى والانتخابات البلدية ، وإعادة صياغة أذهان المواطنين ووعيهم وفك اسارهم من فكر الحركة الدينية الوهابية وذلك عبر صناعة آلة إعلامية عربية علمانية ضخمة في خارج أراضى المملكة تبث برامجا منظمة وممنهجة علميا تستهدف أجواء المملكة السعودية خاصة، وتأسيس جهات تعليمية على النمط الغربي المختلط والمنافس للمؤسسات التعليمية التقليدية ذات الصبغة الدينية وتوجيه مناهج الدراسات العليا بما ينسجم مع حركة التعليم الغربية ، وتزعم حركة التقريب بين الأديان والمذاهب على مستوى عالمي لاستقطاب الزعامات الدينية في مؤتمرات تضفي على الزعامة السعودية مسحة إنسانية حضارية، وتشجيع الحركة الثقافية في البلاد على التفاعل والانفتاح على العالم.

فالمملكة السعودية المترامية الأطراف، وبحدود واسعة يصعب على الإدارة الحالية ضبطها، وبتحالف أساسي مع حركة دينية سلفية تهيمن على الشارع ولها امتداد خارجي واسع؛ كانت في الاعتبار الأمريكي الحاضنة الأولى لحركة العنف المسلح ومركز تمويلها ماديا ومعنويا، فكان ذلك خير مبرر ليجري على المملكة السعودية ما جرى على كل من العراق وأفغانستان. غير أن واشنطن اعترفت بأن الرياض ستتبنى مشروع الحرب على القاعدة نيابة عنها، وستجري بعض الإصلاحات بطريقتها وحسب معاييرها من غير تدخل أمريكي مباشر ، فذلك يكفي واشنطن في المرحلة الراهنة عن فرض نظام سياسي خاص على السعودية قد يتسبب في الكثير من الكوارث في المنطقة الخليجية الاستراتيجية التي مازالت بحاجة إلى الكثير من الوقت والجهود الأمريكية المباشرة حتى تشهد نهاية مظاهر الحرب وتبدد قواعد تنظيم القاعدة فضلا عن تطور النظم الأساسية إلى الحد الذي يعكس أوضاعا مرضية محليا ودوليا ومستجيبة لنداء منظمات حقوق الإنسان التي أقرت مؤخرا بأن النظام السعودي هو من أسوء الأنظمة السياسية والأمنية فتكا بالمعارضة السياسية وبالاتجاهات الدينية والمذهبية التي تخالف المذهب الوهابي الأساسي السائد رسميا في البلاد ، من غير وجود حقيقي لضوابط عقد اجتماعي ومؤسسي واضح المعالم محدد لهوية النظام الداخلي بين أشكال الأنظمة المعمول بها في منظومة الأمم المتحدة.

وقد أقرت المنظمات الدولية المتخصصة في شأن حقوق الإنسان أيضا بوجود فوضى في النظام الداخلي السعودي نتيجة التحالف مع الحركة السلفية الوهابية والخضوع عند رغباتها وميولها الراديكالية المتطرفة ضد المنافسين الدينين أو الليبراليين، كما أقرت ذلك أيضا منظمات حقوق الإنسان وهيئات الإصلاح المحلي كافة فضلا عن تقارير وزارة الخارجية الأمريكية وجهات حقوق الإنسان التابعة للكونجرس الأمريكي التي فصلت بدورها في شأن خرق الحريات الفردية وطمس أي مبادرة أو وسيلة مؤسسية أو تعاقدية يحتمل مساهمتها في بلورة نخب دينية أو مذهبية خاصة أو نخب ليبرالية معتدلة من شأنها تشكيل بديل عن الوجود الديني السلفي التقليدي إذا ما تقرر دوليا تغيير النظام الأساسي السعودي على غير ما تراه العائلة المالكة وتشتهيه.

الدولة الصهيونية من أكثر الدول تأييدا للموقف الأمريكي القاضي بتفويض آل سعود في اعتماد النظام الإصلاحي الداخلي على طريقتهم ومعاييرهم من غير تدخل مباشر لفرض نظام مغاير، وربما تدخلت إسرائيل لصياغة مثل هذا الموقف الأمريكي بما يعزز من دورها في الشرق الأوسط ويزيد من دوافع اللقاء المباشر مع أعلى سلطة سعودية ، لأن في ذلك جمعا استراتيجيا ممهدا لتعاون بين دولتين دينيتين ، إسلامية ويهودية تحت رعاية دولة عظمى مسيحية. كما أن تدخل النفوذ الإسرائيلي لدى واشنطن للإبقاء على الصيغة التقليدية للنظام السعودي فيه تأكيد على أهمية تطوير العلاقات السرية القائمة مع الرياض إلى صفة العلن من غير وجل، حتى أن الصحافة الإسرائيلية استغلت بعد ذلك عقد القمم العربية للتشديد على أهمية دعم "الاعتدال العربي" بزعامة المملكة العربية السعودية وتأييد المبادرة العربية كما صاغتها الرياض من غير تعديل بتدخل قوى "التطرف العربي" بزعامة دمشق المؤكدة على وجوب إعادة صياغة بند حق العودة للفلسطينيين الذي أهملته النصوص السعودية في المبادرة تلك .

وذهبت التصريحات الإسرائيلية الرسمية في شأن تطور العلاقة مع الرياض إلى أبعد من ذلك ، حين أكدت الأمم المتحدة من خلال أمينها العام بأن إسرائيل كانت مستعدة للأخذ بالمبادرة العربية بصيغتها السعودية واعتمادها تحت رعاية أمريكية أوروبية مباشرة بمشاركة الأمم المتحدة ثم تتويجها بلقاء قمة إسرائيلية سعودية مباشرة إلى جانب مشاركة خليجية وممثلين عن كل من السلطة الفلسطينية ومصر والأردن فقط مع استبعاد لدول القطب الآخر بزعامة كل من إيران وسوريا.

وفي ذلك، لم تنف الحكومة الإسرائيلية ما تناقلته الصحافة الإسرائيلية والأوروبية من أن المبادرة العربية بصيغتها السعودية قد عُرضت على رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال اجتماع تشاوري جمعه مع الأمير السعودي بندر بن سلطان الذي استمر في عقد لقاءاته مع الإسرائيليين منذ مشاركته في عرض (مبادرة فهد للسلام) على ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية في اجتماع عقد في الأردن. ثم استتبعت هذه اللقاءات بتشكيل لجنة تنسيق دائمة وظيفتها رسم مستقبل التعاون في الأمور الأولية بإشراف سعودي إسرائيلي مباشر مع إيقاف أي مظهر من مظاهر التنسيق مع قطر والبحرين وعمان وإغلاق مكاتبها الإدارية كمقدمة للتنمية في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ستحل فيه إسرائيل شريكا أساسيا ،وتضطلع فيه هذه اللجنة بتنظيم الملاحة الجوية والبرية والبحرية المشتركة، وربط شبكة الأنابيب الناقلة للبترول والغاز والمياه، والمواصلات والاتصالات والنقل والكهرباء، وتنظيم الصادرات والواردات- بين الدولة الصهيونية التي تبحث عن منافذ وأسواق اقتصادية إلى الجنوب الشرقي، وبين المملكة العربية السعودية التي تطمح لأن تكون ممرا تجاريا آمنا لأوروبا عبر الموانئ الإسرائيلية.

في الاعتبار الأمريكي مازالت تعد المملكة السعودية البلد الأساسي الأول المؤهل للعمل إلى جانب إسرائيل في تحديد مصير القضية الفلسطينية في دائرة مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد أن استثنت إسرائيل جمهورية مصر من خلال اتفاقية كامب ديفيد بسبب مقوماتها كدولة يصعب ضمان استقرار نظامها الداخلي. يضاف إلى ذلك أن السعودية تعتبر الطريق الآمن والأفضل الممتد من ميناء ينبع إلى المياه الدافئة في خليج النفط حيث يسهل تحويل جزء كبير من أراضي المملكة وصحاريها الشاسعة إلى قواعد عسكرية تحقق الأشراف التام على دول الشرق الأقصى التي تعتبر المارد الاقتصادي الكبير الذي سيخل بالنظام الاقتصادي العالمي في غير صالح أمريكا وأوروبا وبات أمر صناعة الحروب في طريق هذا المارد ضرورة سياسية واقتصادية في المقام الأول. من هنا شهدت العلاقات الإسرائيلية السعودية في الآونة الأخيرة تطورا ملحوظا في الجانب العسكري، وبات التفسير الاستراتيجي لبناء الحكومة السعودية لشبكة طرق واسعة وموانئ متعددة وجسور كبيرة تربط الشمال سعودي بشرقه وجنوبه جليا في دائرة التحولات المستجدة في المنطقة.

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2024م