همج "البقيع" يتقاسمون المدينة الشمالية
كريم المحروس
26/9/2009م
وزع متعهدو مساكن مدينة عيسى على الأهالي مساكنهم والناس فيهم بين متردد بالقبول والبعد عن الأهل ومناطق المنشأ وبين موافق على مضض بلا حيلة له في ضبط نظام حياته الاجتماعية . وحينما انشغل قاطنو مدينة عيسى بترميم ما استحصلوه من مساكن سيئة البناء؛ وزعت الحكومة مساكن مدينة حمد على الأهالي وهم في غمرة من الفرحة يمرحون وبلا تردد فيهم لقبول السكن الجديد . وحين انشغل ساكنو مدينة حمد بالصيانة والترميم؛ وزعت بعض مساكن مدينة زايد على بعض من الأهالي والكثير من "المواطنين الصالحين المخلصين" والناس من هذه المدينة في هرج ومرج محتجون متجهمون ودائرة الشك بينهم في مواطنيهم الجدد المتجنسين ذوي الحظوة الكبيرة في هذه المدينة "المحرمة".. وأخيرا أعلنت الدولة عن سعيها لحل جذري لمشكلة الإسكان من خلال العمل على إنشاء مدن أربع كبرى في شمال البلاد وغربها والناس في هذا الإعلان متيقنون بأن لا نصيب لهم منها إلا بمقدار الخمس من إجمالي المساحة المستقطعة لإنشاء هذه المدن وتشكل 30% من سواحل بلادهم المنهوبة.
من دون أي رعاية للتقسيم المذهبي لمجتمع البحرين، ومن دون مراجعة لاحقة مستتبعة لاعتراف صريح بالخطأ، شّيدت مدن الإسكان والمناطق الإسكانية الأخرى الملحقة بالقرى منذ الستينات على مذهب الدولة الرسمي بحيث أخذ المهندسون في الحسبان تشييد مساجد خاصة بطائفة السنة على مختلف مذاهبهم الأربعة والسلف، واستثنوا في ذلك حق الطائفة الشيعية التي تشكل الغالبية في عدد سكان هذه المدن والمناطق الإسكانية من منشآت دينية خاصة بهم.
عانى سكان مدينة عيسى من هذه الظاهرة الطائفية ، وتبعهم في المعاناة بأشد منها سكان مدينة حمد . وكانت الوساطات قد اتخذت من تقسيم الأوقاف والمحاكم بين مذاهب الطوائف مثالا يجب أن يراعى في تنظيم وهيكلة المدن الجديدة والمناطق الملحقة بالقرى ولكن ذلك لم يشفع لحق الطائفة الشيعية. وعلى العكس من ذلك ، حرضت بعض الجمعيات السنية الطائفية على إنشاء مساجد ومدارس سنية خاصة عند مداخل القرى والمناطق الشيعية، وسنت العقبات تلو الأخرى للحد من تشييد المساجد والحسينيات الشيعية في مناطق الأكثرية الشيعية ومنع الشيعة بالإطلاق من البناء في مناطق الأغلبية السنية.
حتى الآن لم يتدخل أحد من منتسبي الطائفة الشيعية تدخلا جديا، لا من أعضاء السلطة التشريعية ولا من التجمعات العلمائية ولا من مؤسسات المجتمع المدني ولا من الشخصيات الاجتماعية والاقتصادية ذات الشأن والحظوة عند السلطات ورموزها ، لحث السلطات على مراجعة التقسيم الهندسي المفترض للمدينة الشمالية الموعودة ومنشآت الإسكان في المحرق وبقية المناطق الغربية ، وما إذا أخذ المهندسون أو السلطة التنفيذية ووزارة الشؤون الإسلامية على وجه أخص في الاعتبار عدالة التعدد المذهبي بين الملحقات الدينية .
وربما تعاطى الإعلام المحلي جدلا واسعا بين مؤكد ومشكك في النسبة المقتطعة من المدينة الشمالية المتعلقة حصرا بقرار حل أزمة سكن المواطنين ،غير أن مؤسسات المجتمع المدني والسلطة التشريعية أحجمت عن مراجعة الظاهرة الطائفية التي اتبعتها جهات الإسكان في الدولة وكانت سببا في هضم حق الطائفة الشيعية وتعاظم مظاهر الامتعاض والاحتجاج بين مؤسساتها وشخصياتها.
لم يعد اليوم خافيا على أحد المدى الذي وصلت إليه سلطات الدولة في تغليب مظاهر التسنن على التشيع في مؤسسات الدولة وجهاتها المدنية وحتى الاقتصادية التي أطلقت للمصارف الإسلامية حق التوظيف الطائفي المتشدد الخاص. وكذلك لم يعد سرا تمادي السلطات في جعل المناطق الإسكانية الغربية مناطق سنية خاصة محظورة مغلقة ولا سبيل لأي جهة مدنية لتتبع البعد الطائفي في رسم هذه المناطق أو مراقبة أغراضها وتقاسيمها فضلا عن هوية قاطنيها الذين أثبتت الكثير من الدلائل استقدامهم سرا من بلاد عربية أخرى لأغراض أمنية تمس التوزيع السياسي الطائفي في البلاد.
ربما يحسب على الطائفة الشيعية رواحها في العلن إلى مطالبة سلطات الدولة بالعدالة الطائفية بلا تأييد من قبل الكثير من رموز ومؤسسات الطائفة السنية التي تجد في موقف السلطات المنحاز مصلحة استراتيجية تحقق لها الانسجام مع الهوية السياسية السكانية لدول مجلس التعاون الخليجي وللمملكة العربية السعودية على وجه أخص، وتخفف وطأة المخاوف من دور إيراني أو عراقي شيعي ، غير أن السلطات البحرانية قد اتخذت من الستنن مذهبا رسميا منذ ما قبل مرحلة نشوء الدولة حتى مرحلتنا الراهنة، وأشاعت كل مظاهره بلا عدل وبلا رعاية لحق الطائفة الشيعية في نظام اقتصادي أو اجتماعي أو ديني أو سياسي يكفل لهم الحق في ممارسة شعائرهم وتشريعاتهم على اكمل وجه.
فهل نحن مقبلون على "بقيع" أخرى يُقضى فيها على المظهر الشيعي على مدى طويل هادئ؟! .. في ذكرى هذه الفاجعة الأليمة التي تصادف السابع من شوال، وجب التساؤل بيننا: هل تسعى سلطاتنا لتحقيق الانسجام السياسي مع المملكة السعودية بتحويل البحرين إلى مملكة تعزز فيها مظاهر الطبقية الاجتماعية والطائفية الحادة فيها ، إضافة إلى تحقيق انسجام مذهبي مع المملكة السعودية من خلال طمس كل معالم التشيع في البحرين وترجيح كفة التوازن الجغرافي الطائفي لصالح التسنن بالاستناد إلى مشروع تجنيس قبائل سعودية بأكملها بموافقة آل سعود؟
أظن ، أن منْ وجب عليه البحث عن الإجابة لهذه التساؤلات المصيرية هم أولئك الذين اعتقدوا بأنهم حققوا للطائفة الكثير من المنجزات الوطنية من خلال عقد شراكة موهومة مع السلطة التنفيذية ، ففرحوا كثيرا بالمنجز "القمة" وما أطلقوا عليه منجز "الحد من ظاهرة التجنيس إلى مستوى نسبي" وهم لا يعلمون بوقائع وحقائق التجنيس فخلعوا بهذا "المنجز التاريخي" على ما تحقق من تجنيس فاحش خارج على "السيطرة" و"الرقابة" طابع الشرعية ، وغلّبوا العرف على التشريع المفترض من خلال المشاركة في الحد من صلاحية النظام الديمقراطي في شأن تحديد هوية ومصير "الأمن القومي الوطني"لجزيرتنا فحققوا بذلك معنى المثل الفرنسي" أن القائل بأن نصف أعضاء البرلمان حرامية ارتكب جرما وطنيا فاحشا، غير أن القول الوطني الصحيح هو: أن نصف أعضاء البرلمان غير حرامية"! |