وهابي متجنس يزرع " بلابل " في حسينيات شيعية
كريم المحروس
23/09/2009م
في المنامة صادفت إمام مسجد وهابي متجنس في كبده "هدرة فتنة حوّام" كادت تزهق روحه لولا انه سرحها فأفشاها في رواق المسجد! .. سمعت منه في "الفتنة" الكثير من القول، واستكثر من إشباع مفاهيم الفتنة إسما وفعلا ووصفا، إطلاقا وتقييدا، حتى انتهيت معه إلى مبحث الفتنة في واقعنا المعاصر .. وقبل أن يغادرني إلى ساحة الوضوء سألته: ما هي أعظم فتنة مررت بها وأنت تطوف بين مساجد البحرين؟! .
أجابني: حنفية ماء واحدة مفردة كانت تغطي أحوال الوضوء في مسجدنا الكبير فتشهد عند مَقْدم كل فريضة تزاحما بالنواصي والأقدام حتى كَلَّ المتوضؤن وبان انحسارهم في صفوف صلاة الجماعة .. وعند منتهى أنفاس مطالب المحتجين خضعت إدارة المسجد واستجابت للحاجة الملحة ، فأوصلت ماسورة جديدة بعشر حنفيات وبطول ستة أمتار.. ولكني اعتدت على سبغ الوضوء بماء الحنفية الأم القديمة لا بماء غيرها وإنْ كلفني ذلك دقائق من الانتظار، فعندها المس جنبة روحية تصعدني إلى السماء!.
عند أذان ظهر يوم جديد جلست في عرض الحنفية الأم عادتي لأحكم إنجاز الطهارة الواجبة وإذا بي أرى "رافضيا" مشمرا عن ساعديه استعدادا للوضوء في عرض الحنفية العاشرة الأخيرة، فاضطررت للتوقف عن الوضوء بعدما استرجعت بالله من الشيطان ثلاث مرات.. استشطت غضبا ولم أتمالك نفسي ..وجهت وجهي صوب "الرافضي" وهو في غفلة عني مندكا بين فواصل وضوئه فأشفيت صدري بصرخة عظيمة: حسبك .. توقف عن حركاتك هذه أيها الرافضي حتى أُكمل وضوئي!.. وكعادة الشيعة الروافض السذج البسطاء الذين لا يقون على شيء؛ خضع لمطلبي بلا اجتهاد لطلب العلة في صراخي واحتجاجي عليه حتى شرعت فيما بدأت فيه وأتممت وضوئي وكأن شيئا لم يكن!.
سألت الإمام الوهابي: أهو حرام عندكم أن يتوضأ الشيعي في حال وضوء غيره من أتباع المذهب الوهابي؟ . قال: لا ، ولكن ماء الوضوء المتدفق من "البلبلة" يصبح متنجسا ولا يجزي ولا معذرية معه! . قلت: وكيف ذلك والماء يمر على الحنفية الأم القديمة عندك ثم يصل إلى الحنفية العاشرة عنده على بعد ستة أمتار. أجاب: وإنْ .. فهذه شريعتنا لا نقبل فيها فتنة، والمتوضئ الرافضي هذا جاء إلى مسجدنا ليثير فتنة بيننا، فباغته حتى اعتبر فدلف ولم يعقب!
هؤلاء هم أئمة المسلمين فلا أيمان لهم ولا نظر .. أين هي الفتنة وأين مثلها في هذه القضية؟!..فلا أصل للعجب في ذلك وإن وردت أمثلة الفتنة بهذا الشكل الساذج من هؤلاء.. ولكن الأعجب من ذلك أن ترد صور في هذا اللون من الإطلاق في "الفتنة" بين أبناء مذهبنا وفي مناطقنا وبين شعائرنا وممارساتنا السياسية اليومية وعلى يد بعض علمائنا.
في حادثة متعلقة بمسألة منع بعض الشعائر والخطباء والرواديد والميول السياسية المتعددة في بعض مناطق البحرين مما قد يطول المقام في شرح تفصيله ؛ جرت علي الدواهي مخاطبة أحد أركان هذا الإطلاق من "الفتنة" .. وكلما بحثت معه في دواعي المنع والصد والمبالغة في التشويه؛ استغفلني بعذر شرعي، عذر خوف وقوع "الفتنة" بين أبناء الطائفة. وأنا أعلم علم اليقين أن هذا العذر هو صورة نقية عن عذر "بِلْبِلة الوهابي" لا غير.. فقررت الاحتفاظ بحق بالرد ولم أدل بشيء بعدما اتضح لي بحال لا لبس فيها أن اللقاء هذا لم يكن يستحق ذلك. وللمسايرة في هذا اللقاء المؤسف حتى مرحلة الكشف عن نوايا صاحبنا الشيخ؛ رميت الحبل عنده على غاربه ووضعت نفسي في موضع الشيعي المتوضئ عند آخر "بِلْبِلة" بمحاذاة إمام مسجد وهابي، و"استبسطت" وكنت في حال السذاجة على قمتها حتى حين خيل لي فيه أنني لا أقوى على شئ مطلقا، ثم خضعت لمحتوم الكلام من "وريث" للأنبياء بلا اجتهاد في طلب العلة "فاعتبرت ودلفت ولم أعقب"!
منذ اللقاءين الساخرين الأول والآخر ، تأكد لدى أن البعض من أئمة الوهابية الشيعية لا يقلّون سذاجة عن الكثير من أئمة الوهابية الأولى. فهم يحكمون بسذاجتهم بيننا وفي مناطقنا ويُحكِّمون قبضتهم على الكثير من علمائنا ورموزنا المخلصين. وإن سيادتهم لم تكن لولا سعة عللهم في فتنة "بلبلة وهابي" والناس فيهم كقطع ظلمة الليل ميالون شمالا ويمينا بلا وعي. وكلما تصدى المؤمنون المخلصون لمسؤولية تنمية الشعائر الدينية والرفع من شأنها وتصحيح مساراتنا السياسية وتعديل ما انحرف منها أو اعوج رأيت الوهابيين من بني جلدتنا بكّائين على مصلحة الطائفة ولا ينفك الواحد منهم ينادي بوجوب تغليب الأمن الاجتماعي ودرء "الفتنة" ووضع حد لاسبابها!.
أئمة الوهابية الشيعية يعلمون أن الفتنة وردت في القرآن الكريم 60 مرة في 35 سورة شريفة ، وأكثرها جاء بمعنى الابتلاء أو المحنة أو الصد عن السبيل، أو بمعنى الكفر أو الشرك أو الضلال أو الدمار والخراب، ثم يباغتون البسطاء والسذج منا بهذه المعاني ويهولون من أمرها في الأذهان كلما لاحت في الأفق بوادر عمل ديني أو سياسي أصيل. ولكنك إذا ما بحثت عن الأدلة والقرائن بين وقائع التنمية الشعائرية والسياسية فلن تجد لقول"الفتنة" حقيقة أو مصداق مطلقا، ثم إذا أرجعت البصر فيها كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير .
اختلف الناس بين عمل دعوي ورسالي ولم تحدث الفتنة.
اختلف الناس في التقليد المرجعي ولم تحدث الفتنة.
اختلف الناس بين مدني وجمري ولم تحدث الفتنة.
اختلف الناس بين أخباري وأصولي ولم تحدث الفتنة .
اختلف الناس بين مطبر ومتبرع بالدم ولم تحدث الفتنة.
اختلف الناس بين هوى نجفي وهوى طهراني ولم تحدث الفتنة.
اختلف الناس بين مشارك سياسي ومعارض ولم تحدث الفتنة.
اختلف الناس بين وفاق وحق ووفاء ولم تحدث الفتنة.
اختلف الناس بين مرجعية ولائية موالية للسلطان ومرجعيات أخرى مخالفة ولم تحدث الفتنة .
اختلف الناس بين مؤيد لنمو ظاهرة المضايف ومناوئ لها ولم تحدث الفتنة.
غاص الرادود باسم الكربلائي في أوساط المجالس والمواكب ولم تحدث الفتنة.
غزا الشيخ المهاجر بالفضائيات بيوت الناس ولم تحدث الفتنة.
سألت الوالد العزيز (حفظه الله تعالى) عن نتائج الاختلافات التي تدور في الحسينيات قديما ، فقال: "لا تنعقد فتنة بين الأهالي مطلقا. فإذا اختلف أهل مأتم فإن مأتما جديدا يبنى فيصبح للمنطقة مأتمان كبيران ، ومجلسان رائعان، وموكبان مهيبان، وخطيبان يتوفران على رزقهما ، وقائمان للرعاية ، وتُستوعب كل طاقات الشباب بلا أي هدر ، ويقضي المستمعون من الشباب والشيبة والمتقاعدين أوقاتا ملئها الثوب والفائدة".. فكلها خير على خير ونور على نور!
إذن، من صنع مفهوم "الفتنة" وزرعه في روع الناس وروج له وجند وحارب تحت مظلته وصد ومنع وألب الأكثرية من أبناء الطائفة ضد بعضهم البعض في الدين والسياسة ؟! ..إنه الجهل الذي يرى في كل رجل دين أو عارف به وريثا للأنبياء (عليهم السلام) . والحال أن ورثة الأنبياء هم أهل البيت (عليهم السلام) وما شريح القاضي إلا رجل دين يتعالم ، وإن من العلماء جواهر ونوادر قليلون كالكبريت الأحمر نحن بأمس حاجة للنظر بإمعان لاكتشاف معادنهم قبل عقد الولاية لهم.
|