يجوبون الأزقة ويحتلون المنازل العمالة السائبة… إلى أين تسير بمنطقة النعيم؟
رغم ارتباط النعيم بالقضايا البحرينية، تبقى قضية العمالة السائبة تؤجج خوف الكثير من أهاليها لتكون القضية الأولى في المنطقة. فعجلة الزمن تدور بسرعة وتجعل النعيم في حرب على البقاء بعد أن غزتها الأيدي العاملة الأجنبية والتي تتزايد بصورة كبيرة واضعة النعيم أمام صناعة نقطة تحول أو قصة مجد وكرامة يرويها التاريخ للأجيال طول الدهر.
وفي خضم هذا الجدل، تبقى الأصوات تنادي بالحفاظ على مكانة النعيم ونسيجها الاجتماعي الحيوي... وفي هذه السطور لنا لقاء مع مع الأستاذ صادق رحمة، عضو المجلس البلدي لبلدية المنامة، وسألناه عن العمالة الأجنبية وبداية توافدها للبحرين، فأجاب" كانت العمالة الوافدة أكثرها من الجنسيتين العمانية واليمنية، إلا أنه في فترة السبعينات تغيرت العمالة الوافدة من العمالة العمانية واليمنية إلى العمالة الآسيوية، إذ أن الأخيرة أرخص ثمناً وأكثر عدداً، و في الثمانينات ازدادت هذه العمالة بشكل كبير جداًَ نتيجة الطفرة والتطور العمراني الذي عم أرجاء البلد، واحتياج هذه الطفرة إلى أعداد كبيرة من العاملين والذي لم تستطع الأيدي العاملة البحرينية تغطيتها بالإضافة إلى تكلفتها العالية، فكان لابد من اللجوء إلى العمالة الوافدة خصوصاً أن بعض هذه المشاريع يحتاج إلى أكثر من ألف عامل".
رحمة: غياب الخطط لاحتواء أزمة العمال الأجانب
حتى الآن لم تتراءى المشكلة بصورتها القاتمة حسب رحمة، إلا أنه يتابع قائلاً "المشكلة أننا فقط نستقبل العمالة من دون وجود خطة مرصدة في البلد حول مكان سكن هذا العامل، وما هي أضرار هذه العمالة على المناطق التي ستسكن فيها، بالرغم من أن وزارة العمل تفرض على أصحاب العمل إعلام الوزارة عن مكان سكن عمالها لكنه ليس إجبارياً على صاحب العمل، نعم .. بعض المؤسسات الكبيرة أقامت سكن لعمالها تسمى بـالـ (كام)، هذه المباني تطبق عليها اشتراطات سكن العمال و تتابعها وزارة العمل".
وتابع" المشكلة الأكبر التي حصلت هو تحول الناس من جلب العمالة وتشغيلها إلى جلب العمالة وبيعها، و هو ما يسمى بالاتجار بالعمالة، وهذه التجارة ساهمت فيها أيادي من الأسرة الحاكمة و الشعب أيضاً، والغريب في ذلك أنه وصل سعر التأشيرة الواحدة إلى ألف وخمسمائة دينار، فلذلك نراها أصبحت مهنة لدى البعض، والمصيبة أنه لا توجد رقابة صارمة على هذه العمالة والتي تسمى بالعمالة السائبة ..".
ويستطرد" نحن لا نبالغ حين نقول أن بعض العمال قد لا يرون كفيلهم حين وصوله إلى البحرين، فيضطر للبحث عن أرخص سكن له كي يستطيع تغطية تكاليف سفره، فتقوم أكثر هذه العمالة بالتعاون مع بعضها البعض لتسكن جميعاً في منزل واحد، خصوصاً مع عدم وجود قانون يحدد سكن العمالة السائبة، نعم.. يوجد اشتراطات للقاطنين في سكن العمال المرخص التي لها كفيل ومسجلة في وزارة العمل، ولكن العمالة السائبة ليست مسجلة حقيقةً إذ أن بعضها مسجل بأنه من سكان المحرق ولكنه في الواقع تراه يسكن في الرفاع. فالعامل يبحث عن الأرخص دائماً، فتراه يبحث عن السكن القديم الذي يكون عادةً هو الأرخص ولا يسكنه المواطن، وبدل أن يسكنه شخص واحد، تراهم يسكنوه جماعات".
النعيم أحد مراكز العمالة السائبة الرئيسية
ويقول رحمة:" تمركزت العمالة الأجنبية في المناطق القديمة والتي نراها في المنامة والمناطق المجاورة لها، ومجمع 302 في المنامة هو أكبر عدد تسكنه العمالة السائبة في البحرين، وأسباب تمركزها في المنامة والنعيم والقضيبية والحورة يرجع إلى قربها للعاصمة وهجرة أهاليها إلى الخارج وتحول هذه المناطق إلى أسواق بدلاً من كونها منطقة سكنية، ويمكننا ملاحظة أن المنامة هي الأكبر تأثراً، وبما أن منطقتي النعيم الجنوبي والشرقي قريبتان من المنامة فتراهما أكثر تأثراً من النعيم الغربي، وكلما ابتعدت عن العاصمة قل الأثر، والسبب الآخر قد يعود إلى تحول هذه المناطق إلى محلات تجارية، وهذه المحلات تحتاج إلى عمالة، والعامل يود أن يكون قريباً من عمله لتقليل تكلفة التنقل، كذلك لتقليل التكلفة أكثر قاموا بتأسيس محلات لهم من برادات ومطاعم، كل هذا لتقليل التكاليف أكبر ما يمكن، ولذلك ترى لو أن المواطن قام بفتح مؤسسة استهلاكية كالبرادات في هذه المنطقة لا يكون ربحه كثيراً مقارنة بالعمالة الأجنبية، بالإضافة إلى أن هذه العمالة تقوم بفتح المحلات المساهمة، أي أن أكثر من مائة عامل يقومون بتأسيس هذه المحلات ويعملون فيها، ولا يشترون إلا من هذه المحلات المساهمين فيها، فلا يخسرون كثيراً في هذه الأشياء، فالأرباح تعود لهم في النهاية، فكوّنوا لهم حصانة تجارية، حتى أنهم توسعوا في تجارتهم إذ أنني سمعت أن بالنعيم الجنوبي هناك أجنبي من العمالة السائبة استأجر بناية بقيمة 1500 ديناراً شهرياً".
وينتقل رحمة للحديث عن الضرر الثقافي موضحا" عندما نأتي إلى الأثر، فمن الطبيعي أن العمالة الوافدة فإن ثقافتها تكون مغايرة لثقافة المواطنين وعاداتهم وتقاليدهم، فلذهابك للهند مثلاً ليس غريباً أن يخرج شخص (بوزار وفانيلة مجتفة)، أو أن يتبول واقفاً في الشارع العام، ولكن هذا ليس من عاداتنا وعند قدومه فإنه يحمل عاداته وثقافاته معه ، ولكثرتهم في هذه المناطق فهم يصبحون كأنهم أهل المنطقة وعندما يأتي ابن المنطقة الأصلي يرى نفسه غريباً بتصرفاته بينهم، فلذا هم لا يأبهون بهذه التصرفات وقد يضربونه".
لغة الأرقام
يشير رحمة إلى أن مجمع 302 هو الأكثر كثافة بالنسبة للمنامة، إذ يوجد فيه حوالي 17 ألف أجنبي مقابل 1770 مواطن وهذه الإحصائية الرسمية، وقد تكون أكثر من ذلك. والهجرة في هذا المجمع كانت كبيرة جداً ففي فريق أبوصرة والزراريع اختفت العوائل منها ولم يتبقى سوى 5 عوائل تقريباً، وفريق المخارقة تآكل الكثير منه لكنه لا يزال يقاوم للبقاء، وإذا أتيت إلى مجمع 303 والذي يحتوي على فريق الجنوبي والشرقي فإنك ترى الهجرة كبيرة فيه مقارنة بمجمع 314 (الفريق الوسطي والغربي)، ففي الجنوبي والشرقي عدد الأجانب 4360 مقابل 1200، أما في 314 فالنسبة متساوية.
التحركات لخفض المشكلة؟
وفيما يتعلق بالتحركات لاحتواء المشكلة يشير رحمة" لما أتينا في عام 2002 إلى المجلس البلدي، لم تكن لدينا الأدوات القانونية لخفض المشكلة، إلا أنه من الملاحظ أن نسبة الدعارة كانت موجودة وملحوظة، ولكنني الآن أجزم أنه لا يوجد بيوت بيع الخمور أو الدعارة بشكل ملحوظ، ولكي ننهي موضوع سكن العزاب في المناطق السكنية اقترح المجلس البلدي اشتراطات لتنظيم سكن العزاب، ولكننا نبقى مقيدين لأن قراراتنا ترفع للوزير المختص، والوزير يرفعها لمجلس الوزراء لإقرارها، وللأسف لا زالت الاشتراطات مجمدة في مجلس الوزراء لهذا اليوم، نعم .. انتقلت الاشتراطات من المجالس البلدية إلى المجالس البرلمانية وتحولت إلى قانون سكن العزاب لأننا في المجلس البلدي لا يمكننا إصدار قانون، و لازال يتداول في المجلس البرلماني، وقد غطينا القضية إعلامياً بشكل كبير، ولكن أعود وأقول لا يوجد بحريني يود السكن في هذه البيوت القديمة، وأصحاب هذه المنازل لا يودون إعادة بناءها لتكون مقبولة للمواطن البحريني، بالعكس قد يفضلون سكن الأجنبي على البحريني لأنها تدر بشكل أكبر من المواطن البحريني".
الأهالي سبب رئيس للمشكلة والمتضرر الأول
يقول رحمة:" أنا لا أعول على الحكومة كثيراً، لأن الحكومة لا تتضرر من هذه المشكلة، هذا الضرر يعنينا نحن فلذا يجب أن يكون لدينا وعياً كأهالي منطقة، فما هو وعينا تجاه هذه الأمور؟ اتجاه الساكن والمؤجر وغيرهما، أنا لا أقول فقط العمالة السائبة وإنما الأجنبي -بشكل عام- وجوده في المناطق السكنية له تأثير بيئي واجتماعي، فعندما نأتي لثقافة المنطقة ترى فيها نوع من الاختلال بسبب الاختلاط، فأصبحنا نعاني من وجود الأجنبي في الأماكن التي تتجمع فيها الأهالي، وصاروا يخرجون بأشكالهم ولباسهم، وقد يكون لهم أبناء، فصاروا يختلطون مع أبنائنا حتى أنهم بدئوا يلعبون مع الأهالي، فيكتسب كل من الآخر ثقافته، ولكن تأثير الأجنبي يكون تأثيره أكبر من المواطن".
ويوضح" من الناحية البيئية، نرى هذه العمالة تسكن في بلدانها في أماكن يرثى لها، فيكون هذا المنزل القديم أفضل من وطنه، بل قد يكون هذا أفضل مما يسكنه في بلده، فليس غريباً أن ترى (تانكي الحمام فايض عنده)، ليس غريباً أن ينشر ملابسه في الخارج، هذه كلها تأثر بيئياً على المنطقة، أمهاتنا دائماً ما ينظفن المنازل فلم ينتشر عندنا (بق الفرش)، والآن انتشر لدينا بق الفراش ( بق الفراش حشرة صغيرة لا تكاد ترى بالعين المجردة تعيش في الأماكن المتخمرة التي لا تصيبها الشمس، وتسبب القرص والحساسية). ربما فريق الغربي والوسطي لم تصلهما هذه الحشرة إلا أنها وجدت في الفريق الشرقي.
مثال آخر، بعض هذه العمالة من الباعة الجوالين، وبينهم من يبيع السمك، وقد دخلت بعض بيوت هؤلاء الباعة وقد رأيت الفأر يأكل في ثلاجة السمك، وهذا البائع كل الذي يعمله هو أن يزيل تلك السمكة .. إذا الفأر أكل من هذه الثلاجة فإنه ينقل أمراض ونحن نشتري منهم".
ويعرج رحمة على الجانب الأمني مشيرا إلى أن هذه العمالة السائبة ليست مسجلة على منزل معين، فقد يقوم هذا العامل بجرائم كالقتل والسرقةوالتحرش، فلا تعلم أين سكنه أو منطقته، فأنت قد تعرف شكله ولكن إذا خرج إلى منطقة أخرى فلن تعرفه أصلاً، فقد تحسب اسمه كومار فيظهر أن اسمه راجو، فالنسيج الاجتماعي في هذه المناطق يختل بنسبة جداً كبيرة، ففي السابق إذا خرج أحدهم في منتصف الليل ولاحظه أحدهم فإنه يتتبعه أما الآن فإنه شيء طبيعي ولا أحد يكلمه، فتحدث سرقات للسيارات وغيرها من الجرائم.
الآيلة للسقوط... فرصة لإعادة المياه لمجاريها
يقول رحمة:" بدايةً، هذه ليست مكرمة من الملك، فالملك لا يدفع من جيبه شيئاً فهناك ميزانية ترصد، فهو فقط بارك المقترح الذي أصدرته المجالس البلدية. والمنازل الآيلة للسقوط لها اشتراطاتها منها أن يكون أصحاب البيت مقيمين في هذا البيت، وأن لا يكون مأجراً. والجميل في ذلك أن هذا يشجع البحرينيون على البقاء في المناطق السكنية، وهي فرصة لأهالي النعيم والمنامة أن كل البيوت الموجودة تعمّر وتعاد تدريجياً"، ولفت رحمة إلى أن هذا المشروع من الممكن أن يعيد النسيج الاجتماعي بعودة الأهالي ووقف تأجير المنازل المتهالكة على العمالة السائبة بأسعار بخسة.
وختم رحمة حديثه قائلا:" نحن نشتكي من سكن العمال ولكن نحن من نؤجر المنازل ونجعل المشكلة تتفاقم، فلابد أن تكون لدينا الإرادة لحل المشكلة، ولابد أن تكون هناك أفكار محلية، وطُرحت أفكار كإنشاء صندوق لإعادة بناء هذه البيوت وإعادة تأجيرها للبحرينيين، وهذه أفكار ولكن هل هذه الأفكار صالحة للتطبيق أم غير صالحة، فلابد أن تدرس ولابد أن نلمس اهتماما بمنطقتنا وليس مجرد كلام يمكن لأي كان أن يدلي به، فيكون الاهتمام بشراكة حقيقية بتقديم مشاريع ودراسات لهذه المشاريع من أجل المنطقة، لماذا لا ندرس وضعية المنطقة دراسة حقيقية وكيف نستطيع التغلب على هذه المشكلة الموجودة؟
لا نزال ندور حول القضية، فالرواية لم تنتهي بعد إنما هذه البداية ... فانتظرونا |