المثقفُ «الرّسالي» الذي أضاعَ.. وأضاعوه العدد 1257 الجمعة 8 شعبان 1430 هـ - 31 يوليو 2009
بأكثر من طاقةٍ و’’مناوشة’’، يكون الباحث البحريني كريم المحروس (مواليد 1958م) أقدر القادرين على تثبيت أقدامه في أرضٍ لم تعرف يوماً الاستقرار الفكري؛ وقبل أيّ استقرار آخر. لكن، وبخلاف ما قد يبدو من سعيّ جادٍ - ومليء بالمناكفة السّاخرة - لإعطاء ذاته الجماعيّة الاستقرار إيّاه؛ إلا أنّ المحروس - وبرغم كلّ الضّخ النقدي الذي سيُعرَف عنه - لن يخرج عن الدّائرة المشتركة لأهل هذه الأرض الفوّارة بالتشظّي. ثمّة أكثر من وجهٍ يُطلّ به المحروس.
ليس الوجه هنا قناعاً، بل قناعة. لديه قناعات كثيرة، بعضها يجد طريقه السّريعة نحو القبول والتثمين، وبعضها الآخر يُشكّل بؤرة جامعة للخصوم. قناعته في السّياسة، والدّين، والعقيدة، والإصلاح الدّيني، وفقه ‘’الزعامات الاجتماعيّة’’.. لا تتحرّك في اتجاه محدّد وقابل للإدراك المشترك.
اهتمامه بالكتابة، حفظه من منزلقات الأتباع وهوسهم، وجعله واحداً من أبرز المثقفين الدّينيين، وإنْ حتى إشعار آخر. انتماؤه الحزبي لا يخفى على أحد، وهو لا يجتهد كثيراً في إخفائه. عطّل ذلك من استقبال أفكاره وآراءه بحفاوة، وتحقيرها أحياناً، برغم أنها أثبتت صوابها في النهاية. يرى الأشياء من الخارج، وهو الذي لازال كلّه موجوداً في الدّاخل. يمنحه الخارج تلك الاستقلاليّة المؤقتة، والقدرة على الرؤية الأشمل.
عاين تطوّر التعليم الدّيني، واقتفى تلــك المواضــع المؤثرة في تشكيـــل الدّرس الدّيني التقليــدي، وانطلــقَ من ذلك ليضــع لمساتــه الخاصــة لأجــل الإصــلاح وتطوير المناهج.
بالنسبة إليه؛ الاجتهاد مسألة مهمّة، وثمّة حاجة لمجتهدين كُثر، لأنّ الواقع ومشكلاته أكبر من الأعداد المتوافرة. في المدارس الفقهيّة لن نعدم تلك الإشارة الدّالة على الانتماء، انتقاداً أو تبنّياً.
لكنه في الانتقاد يعوّل على العلميّة وأداة البحث الفكري، وفي التبنّي يجمع إليه حشداً من المعرفة. بين هذا وذاك؛ أضاعَ المحروس المتابعين، وأضاعوه بدورهم. يمكن للمعرفة أن تكون وسيلة ناجعة، ودائمة، للتحزّب المموّه، والانتماء الأيديولوجي المؤجّل إظهاره. ملاحظة سمعها المحروس كثيراً، وإنْ بصيغٍ مختلفةٍ.. وأكثر وقاحة.
الاتهاماتُ هنا كثيرة. الدّعوة إلى التّجديد، والإصلاح، ومزيدٍ من الاجتهاد.. مصحوبة بإمعانٍ لا يهدأ لإبراز الخصوصيّة: المذهبيّة والأيديولوجيّة معاً. يراه البعض طائفيّاً، ولا يرحم مخالفيه في الانتماء المرجعي.
من الظاهر أنّ المحروس لا يهتمّ كثيراً بما يُقال، وهو ماضٍ في الشّوك الذي اختاره، لاسيّما عندما جاهر بنقد احتكار الزّعامة في البحرين والثقافة ‘’الولائيّة’’ التي تغذّيها.
آخرون يُفضّلون أن يهمسوا بنصائح مكثفة: توسيع النقد، وليس تشطيره، علامة العلميّة الأكيدة. الاقتراب من الدّاخل لا يكون آمناً إنْ تمّ عبر وسائط منبوذة أو محدودة. الإصلاح الدّيني يبدأ من الذّات، وإلى الذّات |