" ان الحوزة المقصود إنشاءها يجب ان تفهم فهماً صحيحاً واضحاً دقيقاً, وليست مركزاً لان يلتحق بها من لم يوفق في اي مجال دراسي آخر من الجامعات و الكليات, وليست مركزاً لان يلتحق بها من لا عمل له فيريد الاطلاع على معالم الدين, فتكون الحوزة مركزاً لتجمع العاطلين ومن ات عمل لهم, ومن لم يوفق في المجالات الدراسية الآخرى, بل هي مركز لالتحاق الطاقات الذكية الجيدة و النشطة". كانت هذه فقرة من خطبة الجمعة لاية الله الشيخ حسين النجاتي في جامع الحياك (1), وذلك بناسبة افتتاح الحوزة العلمية بالمحرق.
جدد آية الله النجاتي الدعوة الى تحديث الحوزة و عصرنتها مؤكداً على اهمية اعادة تأهيل هذا الصرح العلمى العريق و تنظيمه. وهى دعوة اطلقها العديد من المجددين في تاريخ الحوزة المديد. وهاقد بدأت الحوزة في قم تأخد شكلاً اكثر تنظيماً, بدءاً بالقبول والتسجيل وصولاً الى الامتحان والتأهيل. وإن كان لا يزال هناك جوانب عديدة لم تصل اليها يد التطوير بعد. وفي البحرين تكتسب هذه الدعوة اهمية خاصة وذلك لامور عدة, نذكر منها:
اولاً: تستقطب الحوزة في البحرين (وبشكل منقطع النظير) من لا عمل لهم ممن لم يكملوا دراستهم الثانوية, او لم يحصلوا على درجات تؤهلهم لدخول الجامعة, او اؤلئك الذين لم يستطيعوا ان يمتلكوا مهنة (حرفة) تمكنهم من مواجهة متطلبات الحياة, وفي معظم الاحيان هذا عائد الى احد امرين: إما عدم امتلاك الفرد للمقدرة الذهنية التي تؤهله لذلك او عدم امتلاكه للعزيمة الكافية للمثابرة والعمل الجاد. فليس بالورع والتقوى وحدهما نستطيع مواجهة التحديات الفكرية الماثلة امامنا, إنهما وبكل تأكيد خصلتان ضروريتان لشخضية عالم الدين, ولكنهما قطعاً ليستا كافيتين. ولذلك فإنه من الضروري وضع امتحان قبول للحوزة تُحدد فية المقدرة الذهنية اسوةً بباقي الجامعات, فإن الدور الملقى على عاتف رجل الدين اخطر بكثير من ذلك الدور الذي يقوم به الطبيب, فالطبيب الفاشل قد يقتل انسان اما العالم الفاشل فإنه يُهلك امة.
ثانياً: حتى عهد ليس ببعيد كان المثقف هو رجل الدين و رجل الدين هو المثقف, اما اليوم فهما شخصان منفصلان في اغلب الاحيان. ومرجع هذا الانفصال ( اضافة الى النقطة الاولى) يعود الى الغربة التي تعيشها الحوزة عن العلوم الطبيعية والانسانية وتجردها منها. ةاقتصارها على حفظ النصوص و الحفاظ عليها, وهو منهج كانت له اهميته خصوصاً في فترة الكوارث الحربية التي مر بها تراثنا الديني و المؤامرات السياسية التي حيكت ضده. اما في عصرنا الراهن فقد حان وقت الخروج من حالة الجمود الفكري و العمل بشكل جاد على اعداد رجال دين اكثر كفاءة في مواجهة متطلبات العصر و تحدياته, وذلك عبر اختيار طلبة يمتلكون مقومات الابداع الفكري , اضافة الى تطوير مناهج الحوزة بما يتناسب من مقتضيات العصر. ففي غياب الاسلامي عن العديد من ساحات الفكر الحديث, يضطر انصاف المثقفين الى انتهاج احد طريقين: اما التطبيق المرتجل لفكر الحداثة واما اسقاطه وتنفير الناس منه وكلا النهجين غير صحي.
ثالثاً: انتشرت في الوسط العلمائي ظاهرة توريث العمائم بشكل واضح و فاضح, و معها توريث المنصب والمكانة الاجتماعية. فالمجتمع البحريني بجميع فئاته يكن نل الاحترام والتقدير للرجل المعمم, وعليه يجب على الحوزة وضع ضوابط اكثر صرامة للبس العمامة, فليس كل من امضى في الحوزة سنة او اثنتين يستحق لبس العمامة و معها المكانة الاجتماعية المميزة. كما يجب على الحوزة ان تكون اكثر شفافية فيما يختص بالدرجات العلمية الحوزوية كي يتسنى للجميع وضع كل في مكانه والزام كل فرد بحدوده, وذلك من اجل الحفاظ على مكانة العلماء وسط مجتمع يمر بمرحلة تغيير تهتز فيها ثقته بالكثير من الثوابت.
اذا كنا نريد ان يبقى لنا ذكر في ساحة الفكر المتجددة دوما, يجب علينا ان نقارع الفكر بالفكر و الحجة باختها , وان نترك التعتيم و التعويم, من اجل خلق جيل مثقف اسلامياً, يستطيع الفرد فيه ان يجد طريقه حين ترتبك السبل لا ان يكون كلاً على مولاه.
|