بينَ زوجتيّّّ فقدتُ لحيتي
أحمد السكري
ُيحكى أن قصة هذا المثل جرت على رجل في منتصف العمر، متزوج وله لحية كثيفة كان يُعرف بها. تزوج بسوء تقديره من زوجة ثانية، شابه في مقتبل العمر. فكان كلما ذهب للزوجة الأُولى تقوم بقلع الشعرات السوداء من لحيته لكي يبدو في نفس عمرها، وكلما ذهب للزوجة الثانية تقوم بقلع الشعرات البيض كيما تقنع الأخرين أنه من جيلها... وهكذا لم يمر وقت طويل حتى فقد الرجل لحيته كاملة. وفقد معها وقاره وهيبته... بل فقد سمته و هويته.. لما للحية من أهمية عظمى في تراثنا.. فهي الحد الفاصل بين المؤمن و الفاسق.
نحن في البحرين نعيش أيضاً بين زوجتين واحدة شابة فتية لا تتريث في عمل, والاُخرى عجوز هرمة لا تكاد تأتي بخير, وإن كنا ندعوا الواحد القهار أن يحفظ لنا لحيتنا بكل ألوانها الأبيض والأسود، بل وحتى الأحمر والأصفر.
فنحن اليوم بين معارضة شابة ظنت أنها بشبابها وعنفوانه تستطيع أن تقهر الحكومة بالضغط عليها، فراهنت على موقف واحد, واضعة كل البيض في سلة واحدة, سلة مقاطعة الإنتخابات البرلمانية، والمعارضة من الخارج أسلوب اجدناه بإتقان، وتمرسنا في كل حيثياته في ظل الحقبة السوداء من تاريخنا المعاصر. فقد أتقنا الشجب والاستنكار، لا بل نحن من اخترع هذه المصطلحات وصدرها لثقافات العالم المختلفة، كما أتقنا تحمّل ابداعات فن التعذيب و أشكاله، حين كان هواية للكثيرين، يأتون فيها بإبداعات ما كانت لتخطر على بال بشر، فلم يفاجئنا شئ في سجن أبوغريب.. فما زال لديهم الكثير ليتعلموا من مخزوننا في هذا المجال. وأتقنا أيضاً فن الخوف. فالفرد منا متهم ومدان منذ الصرخة الأولى بعد الولادة, فلذلك وبالتدريب المستمر في أكاديمية أمن الدولة, جمعنا علوم هذا الفن ، حتى لم نعد نعرف طريقة أخرى للعيش، فنحن بدونه لسنا نحن، فنحن (ياجماعة) إن لم نخف من السلطة ولا الجيب ولا الزوجة ولا الآخر المختلف عنا، فأين ننفق هذا الكم الهائل من احتياطي الخوف لدينا؟ وهل من العقل أن يذهب كل هذا المخزون سدى؟ لذلك نحن نخاف (مرة اخرى نخاف) إن فقدناه نكون مثل ذلك الغراب الذي حاول أن يحاكي مشية الطاوؤس وبعد جهدٍ جهيد فقد مشيته ولم يتعلم مشية الطاؤوس.
قد عرفنا المعارضة من الخارج، حق المعرفة وكانت آنذاك نعمة من نعم الباري عز وجل، لم ندرك قيمتها حتى فقدناها (كما هو الحال دائماً مع نعم الله وآلائه ) فبعد زوال هذه النعمة ظهرت التصدّعات التنظيمية والفكرية والثقافية التي نعاني منها. وتبيّن لنا أن ما كان يجمعنا لم يكن جوهريا، وإنما مصالح آنية زالت بزوال السبب. فظهر مدى الشقاق الذي نحن فيه، وظهر معها أيضا (بالاختبار والتجربة)ً هشاشة الرموز التي كنا نزعق خلفها طوال هذه السنين، وأيضاً ظهر فيما ظهر عملياً ضعف الفكر الذي كنا نتترس خلفه، ظناً منا أنه حصن الله الحصين. وفوق كل ذلك فقدنا علم كنا قد أتقنا فنونه.
أما الزوجة الهرمة، فهو هذا البرلمان الذي يرثي لحالة العدو قبل الصديق. فأعضائه المحترميين يطالبون براتب تقاعد في نفس الشهر الذي أبلوا فيه بلاءً جباراً في ملفيّ التقاعد والتأمينات. إنّ الخطأ الذي ارتكبه الاخوة في البرلمان لم يكن عدم دستورية مطلبهم ولا عدم وطنيتة, خطائهم أنهم لم يعطوا فرصة لذاكرتنا التاريخية الضعيفة أن يعمل فيها مرض الالزيمر المزمن عمله. أما ما أكد شيخوخة هذا البرلمان وعجزه (الجنسي) هو ما آل اليه ملف التجنيس. فكيف تأتى لهذا البرلمان أن لا يرصد أي مخالفة تذكر في وقت تكاد تشعر أن المجنسين أكثر من أبناء البلد. وإن المواطن العادي، وبدون أدنى امكانيات الأخ البرلماني المحترم يستطيع أن يثبت وجود مخالفات تجنيسية ومعها يثبت عبث السلطة بديموغرافية الوطن. فأنت اينما توجهت تسمع من يلحن في القول، حتى لقد إستحينا من لغة الضاد، أو تجد من يتكلم بعربية لا يفهمها حتى أبو العلاء المعري مع تمرسه في لغة الأعراب.
اخوتي ، اخواتي فلندعوا الله جميعاً بقلب خاشع أن يحفظ لنا لحيتنا بالوان الطيف، التي هي سر وجودنا، ولأنه عز وجل يقول في محكم كتابه "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" يجب علينا جميعاً أن نعيد النظر في خياراتنا الوطنية، فهي مسؤولية الجميع.
20.6.2004
|