ومن وراء سنة "الطبعة الدستورية " شكوك بيان "الحجة"
كريم المحروس 1/6/2009م
مازلت مشككا في كثير من قول القائلين بـ:أن بيان "الحجة" الصادر عن الشيخ عبد الجليل المقداد وأصحابه في 1 يونيو 2009م لا يعدو كونه بيانا جاء محققا لمفهوم مرجعي مستجد في "التعدد السياسي" الذي كان أمنية بعيدة المنال عند كل تحرك بحراني جديد منشق أو مؤسس يبتغي مجاوزة ما كان معمولا به في الدوائر الشعبية المغلقة الخاضعة لولاية الفقيه المطلقة والسائدة في جزيرتنا من بعد عودة العائدين من ممثلي هذه الولاية الدينية قبيل سنة "الطبعة الدستورية" لعام 2002م.
ومازلت اشكك أيضا في القائلين الذين أكثروا من قولهم بـ: أن هذا البيان استطاع أن يقدم "الحجة" على كشفه لعملية "احتيال" سياسي واسعة أو لـ"كيد عظيم" استهدف تهجين التيار الشعبي العام الكبير الذي نشأ بين عقدي الثمانينات والتسعينات بمؤثرات إعلامية وافدة وبلا زعامة تستقطب طاقاته وتوجه ميوله السياسية .. فلربما شُرِّعت تلك الحيلة فكانت "حيلة شرعية" مقبولة متقدمة على خطوة استراتيجية أساسية أخرى لا تقل أهمية ، وربما كانت متمثلة في بناء ملجأ آمن صالح لإنفاذ خطوات سياسية علمائية بحرانية من عادتها دراسة حجم الاستعداد الأمني الحكومي المتوثب من وراء عملية سياسية كبرى كانت تهدف إلى تكديس ردود الفعل الشعبية على "الطبعة الدستورية" فوق بعضها حتى تجعل منها ركاما بين يدي الأخسرين أعمالا، فكانت تلك "الحيلة" تبتغي فيما كانت تبتغي فنيا: جمع كل الجهود والطاقات السياسية والاجتماعية الدينية والثقافية في حزمة متينة تحت رأس واحدة وزعامة منفردة بلا عرض مفصل لكيفية الوفود المفاجئ لهذه الولاية على شخوصها ورموزها وبلا سابق علامات أو مظاهر تقليدية مقبولة اعتاد عليها الناس في عالم الدور الديني الأخباري وعالم الدور الديني للولاية العامة .
وربما كان الأكثر ترجيحا للشكوك عندي: أن مفهوم الوحدة القيادية المحصورة وراء عقل مرجعي ولائي سياسي منفرد؛ قد أشيع في جزيرتنا بسرعة فائقة، وبأدوات دعائية منظمة، حتى أسفرت السرعة الدعائية هذه عن سقوط مناطق بأكملها تحت نفوذ العقل المرجعي المنفرد هذا وبكل ما حوته هذه المناطق من مؤسسات شعبية دينية تقليدية ومدنية مستحدثة كانت جلها ملاذا أخيرا لتيار ولاية الفقيه التي كانت حاضرة بمفاهيمها السياسية المجردة والغائبة شخوصها القيادية على مدى عقدين من الزمن ، حتى تمكنت هذه الولاية من بسط أثرها على كل مفاصل الحياة الدينية والاجتماعية المدنية غير الرسمية بما ولدته من مصطلحات حديثة باتت رائجة ومثيرة لفضول التراتبية العلمائية التقليدية ولاشمئزاز جهات سياسية واجتماعية دينية وليبرالية ويسارية مستقلة مؤمنة بحق التعدد المرجعي والسياسي، كـمصطلحات: "الصلاة المركزية" و"العزاء المركزي" و"الحوزة المركزية" و"النقابة المركزية" و"الفتوى المركزية" و"الحقوق الشرعية المركزية" و "الجمعية المركزية " والصندوق الخيري المركزي" والمــأتم المركزي" وما أشبه .
فظننت بأن بيان "الحجة" هذا ما كان إلا تعبيرا صارخا عن حكاية عظيمة كاشفة لحجم المعاناة التي ألمت بـشخوص (التحرك الجديد) وما كانت تتأمل نظريا وتطبيقا حتى وصلت في المنتهى إلى مأمن اجتمع على هداه كادره الزعامي وعلى كلمة سواء تحقق له المكنة في بسط وظيفة شرعية أخرى يُظَن أن باستطاعتها تحقيق الاستقلال والمنافسة من بعد التفرغ من المهمة الأولية الصعبة: "التخفيف من وطأة معوقات الولاية المطلقة في مفهوم الطريقة البحرانية الجامدة" ، التي كافح بعض عناصر "التحرك الجديد" أنفسهم في صناعة بيئتها من قبل، وكانوا من أعمدتها لعقود من الزمن، ثم ألفوا أثرها السلبي ظاهرا على معطيات المعالجة الطارئة لوضع سنة "الطبعة الدستورية" التي شهدت انقلابين على أهداف التيار الشعبي العام في قصة دراماتيكية، نجحت السلطات على أثرها في تشريع دستور ملكي بديل عن دستور 1972م ، ومن جانبها نجحت ولاية الفقيه المطلقة في السيادة على ولاية ما قبل سنة "الطبعة الدستورية" ومن ثم توجيه التيار المعارض للاعتقاد بوجوب سيادة ولاية محكمة القيد يدا ومنهاجا كبديل مستوفي لشروط الزعامة البديلة.
لا يهمنا الحديث كثيرا في الشرعية النظرية لتحرك طرفي النزاع على تيار ولاية الفقيه ولا مناوشاتهما لأنه بات حديثا غير مثمر في زحمة "الطبعة السياسية" التي ألفنا مظاهرها فينا منذ شيوع ظاهرة التنازع الحزبي السلبي واصبح كل فرق في جزيرتنا بما لديه فرحا مسرورا .. ما يهمنا الآن هي معقبات بيان"الحجة" من تقاسم بات وشيكا للمؤسسات الشعبية التقليدية القديمة المنتشرة في البلاد.
فقد جرت عادة البحرانيين على اتباع أسلوب تقاسم المؤسسات الدينية على وجه أخص بشكل سلس هادئ لا "حيلة" ولا " كيد" ولا "مكر" فيه عند انبثاق أو انشقاق وجود سياسي ديني بحراني جديد! .. ولو جرت العادة عند تحقق أي وجود سياسي جديد على بداهة نشوء مؤسسات جديدة مع بقاء المؤسسات التقليدية مستقلة عن التجاذبات الحزبية السياسية والمرجعية الدينية ؛ فإن تفاؤلا مدنيا سيسود جزيرتنا في مرحلتنا المقبلة بعد نشوء "التحرك الجديد"حتى تكون "زيادة الخير خيرين"!. |