دور المؤسسات فى رفد العمل السياسى
السيدرضوان الموسوي
اتخذت المؤسسات الدينية والاجتماعية دورا مهما ورافدا حيويا من روافد الحراك الاجتماعي العام في البحرين منذ انبثاقها في بداية القرن الماضي ، وذلك ضمن تشكيل متنوع وفاعل بالمجتمع البحريني ، خصوصا عبر تميز الأهداف التي قامت من اجلها تلك المؤسسات لاستنهاض بالمجتمع وتقدمه على والرقى به في كل المستويات سوى الدينى منها او الثقافى او الاجتماعى بوجه عام ، وهو دور ميزها( المؤسسات الاجتماعية ) كرائدة ومبادرة وفى طليعة المؤسسات الاخرى فى المجتمع .
وقد برزت في ذلك الوقت مؤسسات طليعية ( دينية - اجتماعية ) مهمة كان لها الدور الأكبر في إرشاد وتقويم المجتمع دينيا واجتماعيا ، منها على سبيل المثال الجمعيات للاسلامية كجمعية التوعية الإسلامية وجمعية الإصلاح ، والصندوق الحسيني الاجتماعي ( الذي لم يستمر طويلا وأغلق رسميا بسبب الظروف السياسية في أواخر السبعينات ) كما ظهرت تشكيلات وهيئات مشابهة لتلك المؤسسات مثل المكتبة العامة للثقافة الإسلامية والتي هي رديف لجمعية التوعية وكذلك النوادى الثقافية التى كان اطارها العام رياضى الا ان احد اهم اهدافها الحراك الثقافى حينها فى المجتمع منها على سبيل المثال ( نادى العروبة بالمنامة ونادى البحرين فى المحرق ) . بعدها جاءت الصناديق الخيرية ايضا عى الاخرى كعمل رديف ومكمل لعمل المؤسسات الدينية والاجتماعية وفى ذات السياق والأهداف التى انطلقت من اجلها وان غلبت على برامج ونشاط تلك المؤسسات العمل الخيري الصرف الذي يقوم على رصد حالات العوز والفقر وتقديم يد المساعدة ، الا انها نحت فى بعض الأحيان الاهتمام بحل جذر المشاكل الاجتماعية ، اضافى الى سعيها فى تقديم عملا انسانى من خلال الاعانات و المساعدات التى تقدمها لذوى الأسر المحتاجة وان تطورت فيما بعد في السنوات الأخيرة الصناديق الخيرية كمؤسسات مهمة وفاعلة لتأخذ لها بعدا اكبر فى المحيط الاجتماعى . الا ان الدور الاكير بالدرجة الأولى كان ومازال للمؤسسات الدينية سوى فى المساجد او الجمعيات الإسلامية او الماتم لدى (طائفة الشيعة) سوى في مجال الإرشاد والتوجيه الديني او توعية المجتمع وتثقيفه ، وان كان للنوادي كمؤسسات أيضا دورا محدودا في ذلك الاتجاه كما اسلفنا فى بدايات القرن الماضى .
إلا أن الدور المؤسسات الدينية كان واضحا وجليا ، وذلك لايعنى انه لايوجد للشخصيات الدينية والاجتماعية ( علماء الدين والمثقفين ) دورا ، ابدا فقد كانت هنالك ادورا هامة لتلك الشخصيات فى صقل وتوجيه المجتمع إلا ان حديثنا هنا حول دور المؤسسات الاجتماعية بالدرجة الأولى والذي هو في الواقع امتداد إلى أفكار ورؤى اجتماعية وثقافية لتلك الشخصيات فى الاصل . وهو الذى يمكن ان يفسر لنا الدور الاجتماعى الهام الذي لعبته تلك الشخصيات في رسم الاتجاهات والمسارات الاجتماعية الدينية منها وحتى السياسية فى احيان اخرى والتى انطبعت على الاطارات العامة السائدة فى ذلك الوقت للمجتمع خصوصا في وسط الفئة الناشطة من الطليعة الشابة المتطلعة للتغيير والتجديد فى وسطها .
تعظيم دور المساجد والمأتم:
وفى أواخر السبعينات تعاظم دور المساجد والماتم اجتماعيا واعتبر ذلك قفزة كبيرة ونوعية فى فاعليتها الاجتماعية ، اذ تعاظمت أهداف تلك المؤسسات الاجتماعية وبدأت تتجه اتجاها سياسيا الى جانب اتجاهها الاجتماعى ، بل واخذت أدورا مفصلية مهمة فى الحراك الاجتماعى ، بداء كل ذلك خصوصا بعد ظهور المد الاسلامى ( الدينى ) ابان الثورة الإسلامية في إيران وهو الخط السياسى الذى انتهجته الثورة الاسلامية و من خلاله للتغيير الجذرى فى المفاهيم الاجتماعية والسياسية وقد جاء ذلك عبر السيطرة على مقاليد الحكم و المؤسسات الدينية فى ايران ، ووهو مافرز ظهور النظريات الاسلامية السياسية ( ولاية الفقيه ) مثلا للزعيم الدينى اية الله الامام السيد الخمبينى او نظرية شورى الفقهاء للاامام السيد الشيرازي وهو دور كبير لعبه علماء الدين من رجالات الثورة كان احد اهم المتغيرات الاجتماعية حينها وثورة فى المنفاهيم الاجتماعية والسياسية , ، حبث استطاعت الحركة الاسلامية ان توظف دور العبادة(المساجد ، والمأتم والحوزات) والتى تعتبر ضمن النسيج والتنظيم الاجتماعى مؤسسات فى حد ذاتها فاعلة . وقد انعكس ذلك التغيير الاجتماعى بشكل واضح وجلي فقد تاثرت المؤسسات الدينية بالتغيير الكبير الذى طراء على الساحة حينها ، وهو ما انعكس بعدها على اداء و تطور مهم فى دور المؤسسات الدينية والاجتماعية سوى كان فى ابران او فى الدولة المتأثرة بها , و أضحت تلك الدور موقعا بارزا وحيويا لمنطلقات التوجيه والتعبئة وبلورة الخطوط السياسية والاجتماعية العامة سوى في ممارسة النشاط الديني اوالاجتماعي فيها .
وفى البحرين بداء بعض العلماء بانتهاج نشاطا واسعا و مغايرا للاانشطة التقليدية السابقة إذ بدؤا بالتبشير للاافكار السياسية ودفع تلك المؤسسات لتأخذ لها دورا متقدما فى رفد الحراك السياسي والاجتماعي حينها ، وان كان العلامة السيد هادى المدرسي قد بداء تلك المرحلة مبكرا وممهدا لذلك التغيير وقبل ظهور الثورة الإسلامية فى إيران ، إلا أن تعزيز الدور الجديد للمؤسسات جاء بشكل اكثر فعالية بعد المرحلة التى تلت الثورة الإسلامية في إيران وبشكل أوسع من السابق . وقد تصدى بعض الرواد للحركة الاجتماعية والدينية حينها ( العلماء ) لااستلام تلك المؤسسات وتفعيل دورها الاجتماعى ضمن التغيرات الكبيرة التى واكبت احداث الثورة الاجتماعية فى دور المؤسسات الدينية ، ومن أشهر رجالات تلك المرحلة ورواد الحركة الدينية ( الاجتماعية ) السيد هادى المدرسي والشيخ عيسى قاسم والشيخ عبدالامير الجمرى والشيخ سليمان المدني والسيد عبدا لله الغربفى و المرحوم السيد احمد الغريفى وان كان السيد هادى المدرسي قد أسس وبني ذلك الصرح ابتداء ( إلا أن إبعاده ونفيه عن البحرين ) عطل ذلك الدور المهم الذي كان قد بدئه منذ بداية السبعينات في القرن الماضي ، وقام أولئك العلماء بالعمل على نشر المفاهيم الجديدة والمتقدمة فى المسار الاجتماعي والسياسي ، وهو بلا شك كان لمشروع الدولة الاسلامى السياسي الذي رفعته الجمهورية فى ابران ( ولاية الفقيه ) أهمية أيضا بالدفع لتشجيع تلك المؤسسات الإسلامية لتأخذ دورا اكبر في تشكيلة المنظومة الاجتماعية ورفد حراكها السياسى عموما . فتجرية الثورة الإسلامية ( الاجتماعية ) قد تركت اثارا كبيرة على الدول الإسلامية والعربية المجاورة خصوصا والبحرين من تلك الدول التي تأثرت بهذا التغيير وبشكل كبير ومتميز عن الدول الأخرى نظرا لوجود الوعي والثقافة والتربية الرسالية الخلاقة لدى الشباب الطلبعى في ذاك الوقت ، , لتنتهج ذات التجربة وتسعى لتطبيقها وتحقيقها عمليا في داخل بلدانها . ومن هنا يعتبر فان مد الثورة الإسلامية يعتبر تحولا مفصليا كبيرا طراء على الدور التقليدي للمؤسسات الاجتماعية والدينية ، حيث اصطبغت بلون سياسي أكثر في مناهجها الإرشادية والتثقيفية والتوعوية ، وبدأت تصدح فى وسط تلك المؤسسات أفكار ونظريات اسلامية سياسية ذات مفاهيم جديدة ومتغيرة ، وهو على العكس من النشاط التقليدي الجامد الذي صاحب قيام تلك المؤسسات قبل ذلك ، فقد كان ذلك التحول قفزة ونقطة تغيير مهمة ومفصلية في أهداف تلك المؤسسات الدينية والاجتماعية .
وقد نتج عن ذلك التغيير في المفاهيم بتبلور فكر سياسي واجتماعي ذو صبغة (دينية سياسية ) وهو ما ترك اثارا على الأجيال اللاحقة لحقبة التسعينات والألفية الجديدة . ففي الوقت الذي كانت تلك المؤسسات تلعب دورا دينيا اجتماعيا محدداالاهداف أخذت ايضا دورا سياسيا متقدما ضمن برامجها ومناهجها العامة . كما استطاعت أن تخلق جيلا رساليا واعيا و قادرا على تحمل المسئولية ( الاجتماعية والسياسية) معا ، ولذا فقد اتسمت الحركة الاسلامية بعد ذلك من خلال نشاط الشباب ببعدا دينيا في المفهوم وإطارا سياسيا في العمل .
وعودة للواقع العملى للمؤسسات الإسلامية فى الوقت الراهن ، فالملاحظ هنالك انحراف عن ذلك المنهج ، فهناك عودة بالمؤسسات الدينية و الاجتماعية الى سابق عهدها من التقليدية والجمود ، كما ان تلك المؤسسات مع الاسف بداءت تخسر فى القدرة على استقطاب الشباب وتشجيعهم على الانخراط فى العمل فى تلك المؤسسات ( الدينية والاجتماعية ) ، بل وصل الأمر أن تقوم المؤسسات اللادينية( العلمانية والليبرالية واليسارية ) باستقطاب فئة الشباب لصفوفها على الرغم من افتقار تلك المؤسسات إلى البعد الديني والقيمى الحيوى، على عكس المؤسسات الدينية التى تملك برنامج متكامل وشامل لكافة متطلبات وتطلعات الشباب والقدرة على تحقيق طموحهم الدينى والدنيوى .
والسؤال المطروح هنا هو :
أين الخلل ؟ - هل فقدت تلك المؤسسات يريقها ونصاعتها وبالتالي عجزت عن استقطاب الشباب ؟ أم لازالت تلك المؤسسات هي القادرة على ضخ المخزون الفكرى والتريوى من خلال المناهج والرؤى !الذى تمتلكها تلك المؤسسات؟
- أم هل الخلل هو في منهج المؤسسات التي ربما اتخذت وسائل تقليدية جامدة في العمل ؟ أم هو في أساليب التأثير عند تلك المؤسسات العمل داخل تلك المؤسسات ؟
- أم هل الإشكال في الاشخاص القائمين على تلك المؤسسات وعدم قدرتهم على الانفتاح على الاخريين ، وبالتالي عدم قدرتهم على التكيف مع الواقع والمستجدات الحديثة والقدرة على مواكبة التطورات ؟
وهنا تطرح الأسئلة نفسها مرة أخرى وبشكل اخر ! - هل يمكن لنا أن نعيد دور تلك للمؤسسات في إطارها المتجدد الديني والاجتماعي وفق المتغيرات العالمية ووفق المخزون الفكرى الواسع والغنى التى تمتلكه المؤسسات الدينية ؟
- أم هل يمكن لتلك المؤسسات خلق برامج قادرة على الاستقطاب للشباب في ظل التجاذبات للاافكار والرؤى المتباينة فى عصرنا هذا ؟
والكثير الكثير من الاسئلة التى تطرح ايضا الاشكالات فى اشكالية الدور الاجتماعى والوظيفى لمؤسسات التيار الاسلامى . إذا استطعنا نجيب أن على تلك الأسئلة المهمة ، يمكن ان نحدد خارطة طريق جديدة لمؤسساتنا الدينية والاجتماعية لتأخذ أدوارا متقدمة ورائدة اكبر فى مجالها ولكي نرسم الخارطة لابد من تحقيق المبادئ التالية لنتمكن من لنهوض بتلك المؤسسات وتفعيل دورها الحقيقي فى المجتمع ومن أهم تلك المبادئ : 1- خلق البرامج المنفتحة والعصرية إلى تستوعب التطورات والتغيرات التى طراءت على العلوم الاجتماعية المختصة بمعالجة قضايا وهموم الشباب
2- رسم الية عمل واضحة وبرامج اكثر انفتاحا مع الشباب لتتمكن على استقطاب وتشجيع الشباب على الانخراط في العمل التطوعي داخل المؤسسات الدينية . 3- إيجاد البرامج الخلاقة إلى تساهم فى تأصيل الروح الدينية والرسالية القادرة على صياغة جيل واعي وقادر على تحمل المسئوليات .
4- رفد تلك المؤسسات الناجحة والمتقدمة بتجارب وخبرات المؤسسات المشابهة في ذات الأهداف فى بلدان العالم الاخرى .
5- إبعاد المؤسسات عن الحالة الفردية التى تفرز حالة الاستبداد فى الراى وخصوصا ممن لديه احادية التفكير ، وهم عكس الفكر الجمعى او العمل الجمعى ، وتجديد المؤسسات دائما بالدماء الجديدة التى تستطيع ان تخلق افكار ورؤى ومشاريع حيوية . 6- ابعاد المؤسسات عن حالة الحزبية والفئوية الضيقة والمحاباة التى تعزل المؤسسة عن الميط الاجتماعى العام لها . 7- افساح المجال لذوى الافكار المنفتحة والمتجددة بدلا من الاشخاص التقليديين ( الجامدين ) فكريا والذين قد يؤثروون بتفكيرهم على اداء المؤسسة وتطورها و يهيمنون بأفكار أحادية فى العمل .
وقد تكون تلك مداخل أخرى أيضا هامة للبدء بتفعيل دور مؤسساتنا الدينية والاجتماعية لتاخذ دورها الحقيقيى فى المجتمع وتقوده الى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة . كلمة أخيرة : وأنا استعرض المشكلة والحل في موضوع استنهاض مؤسساتنا الدينية ، قد أكون وفقت في ما أود إيصاله من رسالة في هذا المضمار ، وقد لااصيب في تحديد حل المشكلة من خلال هذه المقالة فيها (نقصا في الرؤية )، إلا اننى اعتقد قبل ذلك بان ماقصدته هو هدف لتحريك المياه في البرك الراكدة في هذا الشأن . ومن يعتقد بان هنالك افكار اخرى يمكن تطويرها والدفع بالمؤسسات للنجاح والتقدم وتبويئ لموقعها الحقيقي، فقد ينبغى ان ينخرط اى فرد يرى في نفسه الكفاءة و العمل بوسط تلك المؤسسات ، ويعمل على التغيير من الداخل العمل الميدانى بلا شك هو أفضل بكثير من التنظير بالخارج ورسم الافكار النظرية المجردة ، لاانه أكثر فاعلية أهمية وفاعلية ، لان ذلك سيكون من واقع تجربة حية ، عوضا عن أفكار قد تصيب وقد تخطئي.
|