هـو سليل العائلة الغريفية التي يعرفها الجميع و الموصوفة بالعلم و العلماء و المنتشرة بين العراق و البحرين و معروفة علما و محتدا ، و شخصيتنا هذه من الأعلام الذين شهد لهم التاريخ على مدى عمره الشريف بعلمه الإسلامي و نضاله الوطني ، فعرف بين أهله و أبناء بلده بالعالم العامل الجليل الوقور الذي يتمتع بشخصية إيمانية محببة لها قيمتها و وزنها في المجتمع البحريني المسلم ، وله الفضل في إصلاح ذات البين في وطنه البحرين وبين أهله و بني قومه أبناء هذا البلد ،فكانت حياته عامرة وقد قدرها من عمل لأجلهم خير تقدير ..
نـسـبـه :
أنه فضيلة العلامة السيد علي بن السيد إبراهيم بن السيد محسن بن السيد عبد الله جده السيد أحمد المقدس بن السيد هاشم البحراني .
و يتصل نسبه الشريف الكريم بالسيد سلمان بن جعفر بن أبي العشائر موسى بن أبي الحمراء محمد بن علي الطاهر .. بن علي الضخم ، ينتهي نسبه إلى السيد إبراهيم المجاب بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم( ع ) .
لقد أختار السيد أن يطلق عليه لقب ( كمال الدين ) و هو نفس اللقب الذي أختاره قبله جده الأعلى السيد حسين الغريفي الشهير ( بالسيد علي كمال الدين ) ، وجده المباشر فهو ( السيد محسن الغريفي ) المتوفى في كربلاء المقدسة في ذي الحجة سنة 1341 هجرية ، وكان من الفضلاء المشار إليهم بالبنان ، و للسيد أخ هو السيد حسين والد السيد عبد الله الغريفي العالم البحراني المعروف .
وقد توفي والده ( السيد إبراهيم ) سنة الحرب العالمية الأولى سنة 1335 هجرية في النجف الأشرف وكان عمر السيد علي يومئذ ثماني سنوات و تاريخ مولده سنة 1327 هجرية .
أنها ذرية مباركة أصلها ثابت و فرعها في السماء .
مولده و نشأته :
ولد السيد علي الغريفي ( رحمه الله ) في النجف الأشرف بالعراق في يوم 25 رجب المرجب سنة 1327 هجرية ، الموافق 1907 ميلادية ، وعاد إلى وطنه البحرين وله من العمر 14 سنة وكان حينها طالب علم ، فواصل هذا الطلب في العلوم و المعرفة في بلده البحرين حيث تتلمذ على أيد أفاضل العلماء المعروفين في ذلك الوقت .
أسـاتـذتـه :
عرفت البحرين بأنها بلاد العلم و العلماء ، وسيدنا الجليل كان له النصيب في الدراسة على أبرز أولئك العلماء المتميزين و نذكر منهم :
- الشيخ عبد الله محمد صالح آل طعان .
- السيد عدنان الموسوي ( والد السيد محمد صالح الموسوي ) .
- الشيخ محمد علي المدني .
- الشيخ عبد الحسين الحلي ( المميز ) .
و غيرهم كثيرون من أجلاء العلماء في هذه الأرض الطيبة ، ثم هاجر ( رحمه الله ) إلى العراق للاستزادة من طلب العلم في حوزات النجف الأشرف الدينية العريقة بتخريج الأفواج من العلماء و كان ذلك في عام 1926 ميلادية ، حيث بقى هناك مدة سبع سنوات متنقلا بين المدارس و العلماء ،ثم رجع مرة أخرى إلى موطنه وكان ذلك في عام 1933 ميلادية .
وقد كان سيدنا الغريفي ( رحمه الله ) يرغب بأن يكون خطيبا حسينيا و لكنه لميله الشديد إلى طلب العلوم الدينية لم يوفق لذلك .
حـيـاتـه :
لقد كان السيد علي الغريفي ( رحمه الله ) يتمتع بشخصية محببة بين الناس و كان لهم إماما للجماعة يصلي بهم في مسجد السيد محمد بمنطقة ( النعيم ) من المنامة البحرين حيث كان يعيش و أسرة في هذه المنطقة ، وكان مأذونا من قبل الجهات الشرعية في الدولة لأجراء عقود الزواج حيث تزوج على يديه عدد كبير من المواطنين و غير المواطنين في البحرين وكان الناس هنا يتبركون و يتفاءلون بالخير بعقده لقران أبنائهم و بناتهم و فعلا كانوا على صواب حيث أنه ( رحمه الله ) كان دقيقا في تحري الليلة المباركة التي يستحب أن يعقد القران فيها و كان يهتم بذلك كثيرا ، ثم أنه كان على درجة كبيرة من التقى و الإيمان و حسن الخلق و المعشر ، الأمر الذي جعل الناس يتبركون به و يعتبرونه فألا حسنا لحياتهم الزوجية .
دوره الـوطـني :
عمل الاستعمار ممثلا في المستشار البريطاني ( بلكريف ) على الفرقة الطائفية بين مواطني البحرين ، وقد رأى أن مصالح دولته تكون مهددة في حالة الوحدة الوطنية بين جناحي الأمة ( السنة و الشيعة ) ، فأمعن في الكيد لتقطيع عرى التلاحم الوطني الإسلامي ، وكانت المؤامرة الدنيئة ضد وحدة الوطن و الأمة في العاشر من شهر محرم الحرام سنة 1373 هجرية ( الأول من سبتمبر سنة 1953 ميلادية ) ، حيث أغرى بعض البسطاء من المواطنين السنة بالهجوم على اخوتهم في الوطن و العقيدة ، وهم يمارسون شعائر عاشوراء المعتادة في كل عام لدى شيعة آل البيت ( ع ) في البحرين ، و أعقب ذلك سيل من الدماء كان آثارها الهاب مشاعر الحقد و الضغن بين المواطنين البحرانيين .
أدرك الغيارى من الطائفتين خطورة ذلك المخطط الرهيب ، فعقدوا سلسلة من الاجتماعات لمناقشة الوضع المؤسف للبلاد في ظل الانقسام الطائفي المقيت ، و تمخضت عن الإعلان عن أول كيان سياسي وطني عام في البحرين عرف ب ( هيئة الاتحاد الوطني ) .
تم ذلك في اجتماع جماهيري واسع في حسينية ( السنابس ) في 13 من أكتوبر سنة 1954 ميلادية ، و اختيرت هيئة تنفيذية عليا قوامها 120 مواطنا ، أنبثقت عنها لجنة تنفيذية من ثمانية أعضاء أعتبروا وحدهم ممثلين للشعب البحراني قاطبة ، وهم :-
- السيد علي بن إبراهيم الغريفي ، المعروف ب ( كمال الدين ) ، وهو شخصيتنا هذه .
- الحاج محسن التاجر .
- الحاج إبراهيم بن موسى العالي .
- الحاج عبد الله أبو ديب .
- الحاج عبد علي العليوات .
- الأستاذ عبد العزيز الشملان .
- الحاج إبراهيم فخرو .
- الأستاذ عبد الرحمن الباكر .
و الجدير بالذكر أن الخمسة الأوائل من الأعضاء هم من الطائفة الشيعية ، و الثلاثة الآخرين من أبناء الطائفة السنية في البحرين .
و من مطالب ( الهيئة ) المذكورة تأسيس مجلس تشريعي ، و وضع قانون عام للبلاد ، وحرية الصحافة ، وعزل المستشار البريطاني ( بلكريف ) باعتباره المسؤول عن الأوضاع المتردية للبلاد يومئذ .
لم تستطع أجهزة الاحتلال البريطاني تحمل هذا الكيان الجماهيري الفاعل ، فعملت على اجهاضه وفق خطط مدروسة . وقد أستغلت تلك الأجهزة مظاهرات الرابع من نوفمبر سنة 1956 ميلادية ، فدست بين المواطنين من يعمل على تخريب بعض المنشآت القائمة و إشعال النار فيها ، و أعتبرت سلطات الاحتلال ذلك ذريعة لاعتقال أعضاء الهيئة ، و محاكمتهم ، و أخيرا صدرت الأحكام بنفي أربعة منهم إلى خارج البلاد لمدة 14 عاما ، وهم :-
- السيد علي بن إبراهيم الغريفي ( شخصيتنا ) .
- الحاج عبد علي العليوات .
- الأستاذ عبد الرحمن الباكر .
- الأستاذ عبد العزيز الشملان .
و قد قضى السيد الغريفي ( رحمه الله ) مدة النفي في ( النجف الأشرف ) بالعراق ثم رجع إلى البحرين في أخريات حياته معتزلا الحياة السياسية ، أما رفاقه ، فقد توفي ( العليوات ) في دار منفاه العراق ، و توفي ( الباكر ) في مصر ، فقد ألقى عصا التسيار فيها منفيا ، أما ( الشملان ) الذي كان منفيا في ( سوريا ) فقد رجع إلى البحرين ، وساهم في العمل البرلماني في البلاد في أوائل السبعينات ، ثم اختير سفيرا إلى ( مصر ) ، ثم ( تونس ) ، وقد توفي مؤخرا .
الـدور السياسي للسيد الغريفي :
لا شك أن المتتبع لمراحل حياة السيد علي ( رحمه الله ) ليدرك بأن هناك دور أساسي بارز له في ( هيئة الاتحاد الوطني ) ، فقد اختير أحد الثمانية الممثلين للشعب البحراني ، و كانت له الهيمنة الروحية باعتباره العالم الوحيد بين هؤلاء الأعضاء الذين يمثلون ( الهيئة التنفيذية العليا ) ، وكان يقدم في تمثيل هذه الهيئة في المفاوضات الرسمية مع الحكومة و غيرها ، و النطق باسمها في مختلف الأصعدة .
كانت لتلك الهيئة تعاطف كبير من قبل الجماهير المؤمنة في البحرين لكونه أحد أعضائها البارزين باعتباره عالما دينيا و قاضيا شرعيا .
لقد كانت صور السيد علي الغريفي ( قدس الله سره ) تزين بها الجدران لبعض المنازل و المحلات في العاصمة و غيرها كزعيم وطني عام ذي قداسة دينية شارك في تعبئة الجماهير للوقوف في وجه الاحتلال في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة .
صــفــاتـه :
لقد كان سماحة السيد علي الغريفي ( رحمه الله ) مثالا للزهد و الورع ، فكان للناس بمثابة الأب و الأخ و المرشد و العالم المعلم ، لشدة اهتمامه و عناية بالناس و الشباب و قضاياهم بالخصوص ، وكان مهتما بهم كثيرا واضعا مصلحتهم فوق مصلحته معتبرا إياهم كأبنائه .
لقد كانت نبرات صوته الهادئة تثير الشجون و الأسى ، و تؤكد في الوقت نفسه صمود هذا الشعب المستضعف في وجه التحديات عبر العصور ، وكان حديثه ذا طابع سياسي في مجمله ينم عن عمق المعاناة التي عاشها شعبنا الصامد في ظل الاحتلال البريطاني الغاشم .
إجازاته :
أن المكانة العالية التي كان يتحلى بها السيد علي ( رحمه الله ) جعلته ينال الثقة من قبل الفقهاء و العلماء الذين أوكلوا له الإجازة في تلقي الحقوق من الناس ، ونذكر من هؤلاء العلماء و أبرزهم :
أية الله العظمي السيد أبو الحسن الأصفهاني ، وأية الله العظمي السيد محسن الحكيم الطبطبائي ( قدس سرهما ) .
شـعـره :
أن السيد الغريفي ( رحمه الله ) بجانب تعلقه بالأمور الدينية ، كان أيضا له اهتمام في نظم القصائد في مدح ورثاء أجداده المطهرين ( عليهم السلام ) ، وهذه المحاولات أكسبته بعدا طيبا في تقديم ما أمكنه لخدمة الدين و حماته و معتنقيه .
وهذا نموذجا من شعره الشيق ، وهي من قصيدة له تتألف من 25 بيتا من الشعر المنظم الجميل .
وقام لي في سماء العز أربعة ملك وأهل وأسوار وأوطان وما عدا ساحتي والحق أربعة جند وخيل و أنصار و أعوان وأقلقني لخير الرسل أربـعـة حب وود و إخلاص و إيمان وطالبتني إلى المختار أربعة حمد و مدح و آداب و عرفان منه أضاءت على الأيام أربعة نجم و شمس و أقمار و قرآن و ساعدته من الجبار أربعة حفظ و نصر و تأييد و غفران و كلمته بأذن الله أربعة ضب و ديك و ثعبان و غزلان منه استقامت لنا في الدهر أربعة عدل و دين و أسرار و إعلان و هل في ثغرة الدرى أربعة در و شهد و ياقوت و مرجان و عنه ولت من الأقوام أربعة نفل و قلب و خنزير و شيطان خير النبيين حارت فيه أربعة أنس و جن و أملاك و ولدان مـن نور غـرته تفتق أربعة برق و لمع و إشراق و لمعان
ذريتـــــة :
لقد كانت للسيد علي الغريفي ( رحمه الله ) ذرية من الأبناء و البنات يرفعون أسم والدهم ذو العلم الكبير و النضال الوطني و الناطق بأسم الأحرار في بلاده فقد تزوج عالمنا ثلاث زوجات و خلف من الأبناء عشرة وهم : السيد محمد حسن كمال الدين ( وهو عضوا حاليا في مجلس الشورى البحريني ) منذ تأسيسه ، إبراهيم ، سلمان ، جعفر ، جلال ، عباس ، صادق ( وهو خطيب للمنبر الحسيني ) ، رضا ، حيدر ، وأخيرا السيد أحمد ( وهو أمام للجماعة في الصلاة و خطيب للمنبر الحسيني كأخيه ) ، الأول و الثاني و الثالث ، فأمهم بنت السيد سلمان السيد محمد الفريضي ، و أما الرابع و الخامس ، فأمهم بنت الحاج يوسف الإسكافي ، والخمسة الآخرون فأمهم بنت الشيخ جعفر الساعدي من النجف الأشرف بالعراق .
وفــــاتــه :
ضريح العلامة السيد علي الغريفي بمقبرة الحورة في المنامة
لـبى السيد علي ( قدس سره ) نداء ربه الكريم في سنة 1974 م ، و بالتحديد في يوم ( 3 من شهر محرم الحرام سنة 1394 هجرية ) ، وهو في ( السابعة و الستين ) من عمره الشريف ، حيث شاع خبر وفاته جميع أرجاء البلاد حيث شارك الجميع هذه المراسم وهم يدرفون الدمع حزننا و ألما لرحيل هذا السيد الجليل الوقور عنهم و هو الذي طالما كان معهم يلوذون به كلما اشتدت بهم المحن حيث شيع تشييعا يليق به و بمقامه العلمي و الديني و الاجتماعي ، حيث طافت الجنازة شوارع العاصمة المنامة حيث دفن ( قدس الله سره ) في مقبرة الحورة بالمنامة ، حيث يعتبر قبره هناك من القبور المتميزة بجانب قبور العلماء الآخرين المدفونين هناك حيث يزوره الناس و بالخصوص يوم الخميس لقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة ، و أقيمت على روحه مجالس العزاء و التأبين حيث نوه المشاركون من الخطباء و العلماء و الشعراء بدور السيد في شتى المجالات مثل كرم أخلاقه و فضائله المتعددة ، وحضر تلك المجالس الكثير من الناس من المحبين و المؤمنين .
رحمك الله يا سيدنا الوقور و أسكنك في رياض الجنان مع الصديقين و الشهداء و الصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .
المصــــادر : 1 - أعلام الثقافة الإسلامية ( النويدري ) . 2 - مجلة المواقف العدد - 841 - ( المهدي ) . 3 - ماضي البحرين و حاضرها (
المبارك ) . Goedkope Replica Horloges
|