ما أشبه اليوم بالبارحة فعندما دشنا العريضة الشعبية المطالبة بعودة الحياة النيابية - و تفعيل الدستور - و إطلاق سراح المعتقلين و عودة المنفيين و إيجاد وظائف للعاطلين ، كانت الأجواء محتقنة السبب هالة الرعب و الخوف التي رافقت قانون أمن الدولة ، و ما أحدثه من دمار في العلاقة بين الشعب و الحكم .
بسبب جموع المعتقلين و المبعدين و المستشهدين تحت التعذيب ... و هروب رأس المال و الاستثمارات من البلد ، لعدم توفر أجواء الحرية و الشفافية و الديمقراطية و انعدام حقوق الإنسان .
و مع هذه الأجواء تلقفها الشعب بالترحيب و بادرت الجموع في توقيعها فكانت تطوف المساجد و المآتم و الأندية و المجالس .. و وصل عدد الموقعين رغم الملاحقات و المداهمات و الاعتقالات إلى أكثر من 25 ألف توقيع تحدوا قانون أمن الدولة و أثبتوا حقهم بكل شجاعة في مخاطبة السلطات لتغيير هذا الواقع اللا إنساني.
و الآن و بعد مرور أكثر من عشر سنوات على العريضة الأولى ... و بعد ما أحدثه الانفراج الأمني الذي دشنه عظمة الملك .. و ما أحدثه من توسيع لدوائر الحريات في بعض المجالات و ضيقها في البعض الآخر و خصوصاً في مجال الصحافة .. حيث شهدت الفترة المنصرمة مجموعة من التراجعات بتقديم ثلاثة من رؤساء التحرير للمحاكمة .
و كذلك تتعرض الجمعيات السياسية لمضايقات لمنعها من ممارسة أنشطتها و عدم تحولها إلى أحزاب سياسية ليستمر التعامل معها حسب قانون الجمعيات .
و أخرها تهديد وزير العمل بإغلاق الجمعيات بالشمع الأحمر إن هي أقدمت على تدشين العريضة الشعبية الثانية و المطالبة بتعديلات دستورية .. تتوافق مع ما جاء في ميثاق العمل الوطني و تعهدات رموز النظام .
و يشاهد المواطن على شاشات التلفزيون أداء مجلس النواب ... و وصل إلى قناعة بأن هذا المجلس لا صلاحية تشريعية لديه و لا صلاحية رقابية ، حيث حول ديوان الرقابة للديوان الملكي .
فعليه أما من حق هذا المواطن الذي يرى مراوحة المشروع الإصلاحي في مكانه ... و استمرار رموز الفساد في وظائفهم ... و وجود من مارس التعذيب و انتهاك حقوق الإنسان بحق الشعب يسرحون و يمرحون معززين مكرمين و يتمتعون بالحصانة .
و يرى هذا المجلس الذي جاء بعكس تطلعاته أقل صلاحية من مجلس 1973م .
أما من حقه أن يرفع رأيه بصورة فردية أو جماعية لتصل لرموز الحكم .
أما من حقه محاورة أولي الأمر في شأن يمس حياتهم و مستقبل أولادهم .
إذاً .. ما هي الديمقراطية .. و ما هي الحرية .. إذا كانت تمنع الناس من حرية التعبير و المطالبة بالتغيير نحو الأفضل أم تريدونها ديمقراطية للاستهلاك المحلي و الدولي ليقول العالم .. بأننا بلد ديمقراطي .. و واقع الحال يكذب ذلك .
و المادة 29 دستور التي تقول : لكل فرد أن يخاطب السلطات العامة كتابة و بتوقيعه - و لا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية و الأشخاص المعنوية هذا المادة لا تمنع جمع التواقيع جماعياً و رفعها للسلطات كما هو الحق في العريضة الأولى .
و بما أننا لا نملك تفسير لهذه المادة في مذكرة التفسير للدستور و بما أن هذه الفقرة المادة وردت نصاً من الدستور الذي يجيز رفع التظلمات و الرسائل بشكل فردي و جماعي للسلطات و تمنع هذه المادة المنع .
فعليه أين نحن من الديمقراطية ..
و تكرار وزير العمل لتهديداته للجمعيات الأربع بالإغلاق دليل ورطة أوقفت الحكومة نفسها بها ، لمصادرتها حق طبيعي للمواطنين و الجمعيات .
و إن أقدمت على خطوة الإغلاق .. ستثبت للعالم بأننا في ديمقراطية هشة لا تتحمل رأي المواطن الذي يريد مخاطبتها بشكل حضاري و سلمي .
فعليه أمام هذا الواقع ... الذي تستطيع فيه الحكومة العودة بالبلاد للمربع الأول - قانون أمن الدولة - و تضييق الحريات و سحبها متى ما شاءت .
ألا يحق للمواطن المطالبة بتعديل مسار المشروع الإصلاحي و التقدم به للأمام ، لبناء ديمقراطية حقيقية ، يسود فيها القانون و تنمحي بها التفرقة الطائفية ، و يكون المجلس المنتخب هو صاحب الصلاحيات الرقابية و التشريعية - لا مجلساً للوجاهة و تعديل الأوضاع المعيشية لأعضائه على حساب الشعب - و تسود العدالة و المساواة .. لينعم الجميع في وطنهم و خيرات وطنهم ، لا كما قال الشاعر المعاودة رحمه الله
يشقى بنوها و النعم لغيرهم
و كأنها و الحال عين عذاري
|