الوقت - نص وتصوير: حسين المحروس:

الذهاب إلى مُحترَف لبنى الأمين لا عجلة فيه..
وضع لوحات فنّية كثيرة على جدران السلم المؤدي إلى المحترف في الدور الثالث يجعل مرورك بطيئاً.. لوحات لفنانين مختلفين بعضهم قضى، والبعض الآخر غادر مزجاج لوحاته القديمة. غالباً ما يدور كلام كثير عليها قبل أن تصل باب المحترف. تدخل فتذهلك طاقة التنظيم فيه. كلّ شيء فيه لا يبرح مكانه إلا بأمر لياقة الفنانة، وبأمر مزاجها ساعة الرسم.
في المرّة الأولى جاء في بالي مُحترف 'عشتار' للفنانين جبار الغضبان وعباس يوسف والمسافة الشكلية بين المحترفين. الأوّل لا نظام فيه، فهو غارق في التشبّه بالبستان البحريني. الأشجار والنباتات فيه على هندسة الخواطر: خاطر البستاني، خاطر الشجرة، خاطر العصافير، وخاطر الأرض. ليس في البستان جهة تشبه جهة. محترف لبنى غارق أيضاً ولكن في النظام والترتيب وما إن يمسّ اللون خشبات لبنى حتى يأخذ الناظر إلى البستان البحريني ذاته. المحترفان: عشتار ولبنى بساتين بحرينية بامتياز.

يأخذك الباب إلى الباب الأوّل. تقول لبنى 'هذا باب محترفي قبل أن نضيف قسماً آخر ونوسع المكان فيه' صار الباب الأوّل باباً يفتح على خزنات كتب أكثرها في الفنّ التشكيلي، جوارها لوحات صغيرة تغني عن فتح الكتب. كراسي متحلقة حول أربعة صناديق من الخشب القديم، عشق لبنى الدائم. هنا الجلوس يهب المكان معنى الشخص، والجالس صبر لبنى وهي تصقل الخشب بالخشب.
كانت لبنى تصعد إلى محترفها قليلاً وترسم بشكل متقطع. تقول وفي يوم قال لي زوجي جمال فخرو 'هذا غير صحيح. لا يوجد فنان يفعل ما تفعلنيه. لا بدّ أن تدخلي المحترف كلّ يوم تقريباً وتظلي فيه طويلاً.. أن تحترفي الرسم' أعرف، 'هو الشخص الذي حرضني على ذلك. منحني كلّ ما تحتاجه المرأة الفنانة من زوجها: التفرغ للفن، الحرية، والاحترام'.
تروي لبني للصديق عباس يوسف 'في تقديري أن المبدعين هم أكثر من يحتاجون العاطفة والحب والاستقرار والاهتمام. ولكون ظروف المرأة تختلف بعض الشيء عن الرجل في كل المجتمعات فهي بحاجة إلى الرعاية والمراعاة بشكل أكبر. بالنسبة لي شخصيا أرى أنه من الضرورة بمكان أن يكون رفيق العمر- الزوج - مقدرا إلى ما تقوم به زوجته، ومتفهما الوضع الذي هي فيه وعليه، ومراعيا لحساسية الفنان ونشاطه وفعله وما يترتب على ذلك من مشاريع، وإلا فإنه يحكم على مشروع الفنانة بالإعدام، وحتى لا أبالغ أقول إن زوجي وأولادي والدتي ووالدي هم خير عضيد وسند لي في ذهابي واستمراريتي في ممارسة الرسم الذي أزاوله بشكل يومي تقريبا وهم من يسهم في رسم ضوء الدرب الموصل لباب الدخول.. دخول جنّة الرسم'. (راجع كتاب: إلى البحر بجناح فراشة، عباس يوسف- 2006)
خمسة وعشرون سنة لونية مرّت على لبنى في هذا المحُترف وهي تستعد الآن لتوديعه إلى محترفها الجديد. قالت ' لا أعرف كيف سيحدث هذا؟ '. المحترفان يطلان على بعضهما البعض.. المسافة ليست بعيدة 'فكل مشهود قريب من العين، ولو كان بعيداً بالمسافة' كما يقول ابن عربي.
لبنى علي راشد الأمين ولدت في المحرق، درست في كلية الأعلام في جامعة القاهرة، ثم انتقلت إلى الجامعة الأميركية لدراسة علوم الحاسب الآلي. تابعت عدة دراسات حرة في الفن في البحرين والقاهرة وسويسرا، ولها أربعة معارض فردية. أوّلها في البحرين العام 1999 وآخرها في باريس العام .2005 شاركت في عدة معارض دولية ولها مقتنيات داخل متحف موناكو للفن الحديث والبحرين والكويت ولبنان وسوريا والأردن، وهولندا وفرنسا.