قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالات الأستاذ حسين المحروس
 
الذين على وشك..
جريدة الوقت...حسين المحروس - 2008/06/20 - [الزيارات : 6011]

الذين على وشك..


الوقت - نص وتصوير: حسين المحروس:


صباح الشاي المتسكّر بالأحلام... صباح المقهى.. المكان فيه وتقاسيم الوقت، لكلّ جماعة وقتها، مواعيد لقائها، كراسيها، شايها، طلباتها، حواراتها، ضحكتها، أمزجتها، وثقافتها. أعني الثقافة التي تتجاوز بخترة المعرفة إلى لذة التجربة.
لا يمكنك أن تفهم المكان -أيّ مكان- حتى تظلّ فيه على قدر ما تخمّر فيه من حكايات الذين مرّوا به. لا أفهم المكان بغير ذلك. وهذا المقهى في شارع الشيخ عبدالله في سوق المنامة يملك من أرشيف سير الناس أكثر ممّا تملكه أراشيف الوزارات. ربّما لأن الناس مرّت فيه بحبّ، ربّما لأنّه مكان لراحة الخاطر بجدارة، للتنفس، وربّما لأنّه مصنع لإعادة تصنيع حيوات الناس. المقاهي أبواب.
ممرّ طويل ضيّق، يتفرّع عنه في نهايته جهة الغرب ممران متقابلان، يفتح الجنوبي منهما على أحياء المنامة، بينما يفتح الآخر على وسط شارع الشيخ عبد الله. للمقهى ثلاثة مداخل، وعندما تكون فيه فأنت في ظهر السوق.
كنتُ فيه قبل غروب الشمس بقليل، وهو القسم ما قبل الأخير في هذا المقهى. هذا الوقت للمجانين، وللذين هم دائماً على وشك الجنون. لماذا يبدو المقهى أكثر صفاءً في هذا الوقت بالذات؟ لا مكان فيه لما يُسمى ‘’بالعقل’’. يقولون له أدبر فيدلف بعيداً. يعرفون أسماء بعضهم البعض ولا تختلط عليهم الأصوات. يصغون لكلّ شيء ولا يخافون الكلام. يَعبُرون إلى بعضهم البعض خفافاً على صوت الكلام، ولا يملّون الضحك. لم أرَ مكاناً أكثر وضوحاً منه. الشفافية فيه ليست مصنّعة، وليس فيها مواد حافظة. لا دسائس إلا من أجل الضحك باتفاق لا يصمد كثيراً. لا أرشيف للضغائن. لا يعمل فيهم التحريض، ولا يلتفتون للتصريحات مهما كانت. وإذا التفتوا ضحكوا ونسوا.
طلع عليهم من جهة الجنوب نائب شوري مهيب، رفع يده وألقى السلام فردّ عليه الجميع وحيّوه. طلع عليهم رجل مطحون من جهة الشمال. ألقى عليهم السلام فحيوه بأحسن ما حيّوا به النائب الشوري، وزادوا في ترحيبه مهللين: ‘’هلا هلا هلا’’. سعادة النائب لن يتخذ موقفاً من هذا السلوك الواضح. لم يكن فعلهم مسيسياً، وهم لا ينتمون إلى أيّة جهة، جمعية، حزب، أو جماعة، فالسياسة - هنا -من خصال العقلاء.
نهض أقصرهم طولاً فظننتُ أنّه سيغادر. توسّط الممّر الجنوبي ثمّ فجأة انحنى إلى جهة اليسار، أغمض عيناً واحدة، لوى شفته يمثّل دور المعاق. مشى بعرجته الطارئة قليلاً، وقف أمام الناذل قال بلهجة محرقية محرّفة ‘’خوك خوك.. وين باب البحرين؟’’ فيشير الناذل إلى جهة الجنوب لا الشمال فيضحكون.
الباسم فيهم دائما أشار للناذل ‘’أحضر لي صحن نخج وليمون وليمون سمعت..’’ ثمّ كررها ‘’أحضر لي صحن نخج وليمون وليمون’’. كان جواره أضخمهم جسداً، ذا صوت مبحوح لا يناسب نهضة صدره. أليس الصوت يخرج من الصدر؟ مدّ في صوته ليصل إلى الزاوية البعيدة جهة الجنوب أيضاً ونادى ‘’أبو محمد.. أبو محمد دخلوا ليك خمسين دينار علاوة غلاء الأسعار’’ فلما وجده لا يلتفت رفع صوته، أو هكذا ظنّ،ورفع من قيمة العلاوة ‘’أبو محمد.. أبو محمد دخلوا ليك خمسين ألف دينار’’. التفت إلى صاحب الليمون قال ‘’باقي عن موعدي مع الطبيب ثمانية أيام.. كالعادة بيعطيني الحبوب وبرميه في الزبالة قبل البيت. كله سموم’’.
يأتي أحدهم - كان قصيراً ممتلئاً-من جهة الممر الطويل يغني موالاً عراقياً ويُسمع الجميع. ألقى عليهم التحية حتى إذا ما تأكدّ له أنّهم ينظرون إليه قال بلسان فصيح ‘’ نحن في زمن حالك يا جماعة’’.
يعود الموقف لصاحب غلاء الأسعار، يُصوّب صديقه قلماً إلى فمه بما يشبه الميكرفون ويجري معه حواراً:
- ها سلمانوه بعدك تشرب؟
- لا.. الحمد لله.. وقّفت الشرب والرقص. لكن وزراة الصحة (....) ما يجون!
- وين تسكن؟
- أسكن في المنامة.. في الليل كنت أسمع باسم الكربلائي وأسمع صوت من الكنيسة.
كلّ شيئ فيهم يضجّ إلا العقل. وحده الحاج علي دخل المقهى بهدوء، طلبة شايه الصغير بهدوء، شربه بهدوء، جرّ عكازه واستعدّ للمغادرة بهدوء أيضاً. لم يحرّك سكينته غير سؤال ساخر من أحدهم:
- ها حجي علي؟ تعرف الطريق إلى بيتكم؟
- نعم.
ولا شيء غير ‘’نعمه’’ هذه.
كبير السن الذي يجلس جواري تحدث في الفنّ والتمثيل والتلفزيون. كان يعزز كلامه بما يختاره من أسماء، ويستشهد به من مشاهد، قال ‘’ ما تلاحظون أن عباسو كأنّه شارب مودماني؟ يمشي يمين في اليسار، ويمشي يسار في اليمين كأنّه الممثلة ‘’كوكه’’.. راحوا الممثلين العدلين. ألحين الممثل (...) عوجة’’. فالتفتَ إليه أحدهم قال:
- ‘’الوسواس أخس من الجنون’’.
- توكلّ على الله.’’ردّ عليه أحدهم’’
حدث كلّ ذلك في آن، لا حدث ينقص من روح حدث آخر، ولا يلغيه.
إيه.. لو كان صديقي الشاعر جعفر الجمري حاضراً معي لوجد أصدقاءه الغائبين. قال لي يوماً بعد أن تندّر على أصدقائه ‘’عاجزون عن مغادرة غرف نومنا’’. سألته بخبث العقلاء وغدرهم: ‘’مَنْ أصدقاؤك؟’’ فردّ بشفافية المجانين وحبّهم: ‘’ أنا... والشارع’’.

www.alwaqt.com/art.php?aid=119493

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2024م