من صنع مبادرة حوار لندن؟
كريم المحروس
20 ابريل 2008م
تناهى إلى سمعي النزر اليسير من المعلومات عن وقائع "اللقاء" أو"الحوار" أو "الصفقة" أو " الطبخة" التي تقودها كل من حركتي "الأحرار" و"حق" مع ملك البحرين. وبين معطيات هذه الوقائع الشحيحة لم أجد نفسي كمواطن بحراني منشدا كثيرا للبحث عن المزيد مما يتسرب هنا وهناك. وفضلت الانتظار حتى اطلع على حقائق الأمور وأقف عليها بنفسي من خلال متابعة أحاديث أو خطب صناع هذه الوقائع وآلياتها ويومياتها وما سيتمخض عنها من لقاءات تمهيدية واتفاقات ووثائق وربما توسعة في صفة المتحاورين ومنهج الحوار .
وبين مرحلتي تسرب الخبر والإعلان عن خطاب الأستاذ حسن المشيمع في مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) ورد إلى ذهني التساؤل الابتدائي الأول: أن المدة الزمنية التي فعّلت فيها أدوات الضغط المعارض في داخل البحرين وخارجها ضد انقلاب السلطات ذاتها على وقائع حوار سابق أعقب انتفاضة التسعينات ، ليست معتبرة في العرف السياسي ولا قياس فيها ، لأنها قصيرة نسبيا أولا ، ولم تصل إلى ذروتها ثانيا ..فلماذا هذا السعي نحو عقد لقاء تحاوري مع المعارضة الآن؟!
العرف الذي اعتدنا عليه في العمر السياسي المعارض على ظهر جزيرتنا: أن العملية التراكمية لنتائج الضغط السياسي والمدني لا تكون موصلة إلى المقاصد والأهداف من خلال مدة زمنية قصيرة نسبيا تحت ظل ظرف سياسي اعتيادي، فكيف بهذا العملية التراكمية وقد نشطت في ظرف تولي فيه الملك حديثا سلطات البحرين ودشنها بمشروع انتكاسة سياسية وانقلاب صريح على مسار تحاوري شعبي، فجنت منه العائلة الحاكمة وسلطتها مكاسب تاريخية ذهبية لم تستطع تحقيقها منذ عام وفودها على جزيرتنا في العام 1783م وعلى حساب مبدأ حسن النية الذي أبدته رموز الحوار الشعبي .
اللقاء الأخير مع الملك لم يكن لقاء عابرا صنعته المصادفة، أو علاقة ودية غامرة أو لاعجة من لواعج الحب في السياسة أو الوطن. وبحسب ما تناهى لعلمي عن جميع اللقاءات التي جرت بين أطراف المعارضة ورموزها مع الملك منذ الإعلان عن مرحلة الإصلاحات، أنها لم تكن بطلب قدم من قبل الملك أو ديوانه أو أي موصل آخر ،وانما بطلب قدم بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الأطرف والرموز الشعبية نفسها. بينما جرت وقائع لقاء لندن بتمهيد مسبق من قبل سفير البحرين بحسب ما صرح.. والسفير ممثل عن سلطات البحرين وعن العائلة الحاكمة مباشرة. فماذا يخفي لنا هذا الحوار الذي لم تُذكر تفاصيله من قبل الأستاذ حسن .. لم يذكر تفاصيل اللقاءات مع السفير ،ولا تفاصيل اللقاء مع الملك ولا مغزى اللقاءات المرتقبة اللاحقة.
كان الأحرى بالأستاذ وبالحركتين أن يحيطا الناس بالتفاصيل من خلال وثيقة ببيان مفصل، لا من خلال خطبة موجزة عامة، حتى يكون لهم العذر في أي عيب يطرأ بعد ذلك بشأن دواعي الثقة من عدمها ..والناس وحدهم يشكلون موضوع القضية السياسية برمتها، ولهم كامل الحق في الاطلاع على التفاصيل لا المجمل منها. وكي لا يقع الجميع مرة أخرى في جدل أداة شرط أخرى تقوم عليها كل أعذار ومبررات فشل انتفاضة شعبية كان الناس أدواتها؛ يتوجب على الحركتين التوثيق وشفافية العرض.
ما ذكره الأستاذ حسن عن مسألة المعتقلين وانهم لن يشكلوا مرة أخرى مصدر استجابة لورقة مساومة تقدمها السلطات، وان حوار المستقبل لن يقبل بذلك مطلقا؛ أقول: إننا نتحاور مع سلطة سياسية لا جمعية نفع عام .. والأدوات في الحوارات السياسية هي شأن متجدد عندما تكون في يد سلطة سياسية تمتلك اليوم من أوراق المساومة ووسائل الضغط والقوة اكثر من أي وقت مضى .. ميثاق الـ99% ، دستور ، جمعيات مدنية ، برلمان، تحالفات طائفية ، قوى تكفيرية سهلة الاستغلال والتوجيه ، انشقاقات باسم الشرعية المعارضة، وموازين قوى مختلفة مشكلة من اخوة نضال الأمس المتوثبين لجني المكاسب باسم الاعتدال ، أجواء دولية متشنجة في مقابل أي متنفس ديني ثقافي أو سياسي أو مدني عام ..وغير ذلك مما ظهر وخفي . أمام كل هذه الأوراق وغيرها ؛أرى أن السلطات لم تكن بحاجة للمساومة بورقة المعتقلين .. نعم ، كانت بحاجة إلى مثل هذه الأوراق الأمنية سابقا يوم كانت خلوا منها في ظرف مختلف تماما.
أظن أن دراسة المراحل الماضية ومن خلال معطيات الانتفاضة السابقة وماجريات الحوار؛ أبدت لنا حقائق في أفق السياسة لا يمكن نسيانها .. ويومها كانت قلة حيلة السلطات دافعها الأول نحو اللجوء إلى ورقة الأمن للمساومة. وليس من الحكمة أن نعتقد بأن أدوات حوار اليوم ستجري وفق معطيات الأمس وأدواته.. السياسة لا تعرف أي مستقر في أدوات الحوار .
البعض اعتقد بالجزم أو التبرير أن ما قدمه حوار الانتفاضة الماضية كان مقصودا ، وهو مقدمة طبيعية للوصول إلى مطالب أخرى على مبدأ (طالب وحقق واكسب ثم طالب مرة أخرى ومرة )، وفات المتحاورين انهم بهذا المبدأ قد فتحوا للسلطات أفقا رحبا كدست فيه جبلا من خشب نار إبراهيم (عليه السلام) للمساومة، فقيدوا بذلك حركة من لحقهم من المعارضين وضيقوا عليهم أنفاسهم فبات المتحاور على ضعف لا قوة ، وهذا ما يجعلني كمواطن أظن أن المتحاورين حتى الآن لم يبدؤوا بداية صحيحة، وعليهم الاستدراك على عجل .. وأنا واثق تماما أن المدخل لهذا الحوار عند السلطات سيكون على غير مدخل الحوار السابق .. وان أدواته تختلف تماما .. وأشك أن دواعي الحوار عند السلطات جاءت بسبب ما تراكم من أدوات الضغط السياسي عليها .. هناك ظرف حرب وشيكة في الخليج تستدعي ضبط الأمن الداخلي في دوله والمناورة لإشغال المعارضة بخيار التفاوض .. هناك توازنات سياسية جديدة في البحرين من مصلحة السلطات أن تشد من خلالها – بين الفينة والأخرى- أزر طرف وزيادة حظوته في مقابل التقليل من شأن أطراف أخرى ولي اذرعها .. هناك خيارات داخلية واسعة جدا تستدعي السلطات صناعة اصطفاف معارض في سماطين متقابلين حتى يتحقق مفهوم حصر القدرة.
عندما يغزونا الحلم ونرى فيه السلطات جادة في حوارها السياسي لإصلاح ما أفسدته مظاهر الانقلاب على المطالب الشعبية الأولى ، ومستعدة لكسب الثقة التامة من قبل الجميع للوصول إلى مخارج حل سياسي سلمي نظيف ، ثم نرى في الحلم أيضا أن معطيات الساحة السياسية في البحرين قد أوجدت في المقابل الاستعداد للاستجابة.. سنفزع من هذا الحلم .. لماذا؟..لأن تساؤلا مهما سيرد في دائرة هذا الحلم ليبدده.. التساؤل المتطفل على أسِرّتِنا مفاده: هل المستعدون للاستجابة سيأتون أشتاتا ووحدانا أم وحدة واحدة ؟!
لا خيار أمام قوى التمثيل الشعبي أما خيارات السلطة الوافرة في أي مرحلة حوار، إلا خيار واحد لا آخر له : خيار التجرد من الحزبيات الضيقة والرجوع إلى مشاورة موضوع النضال ذاته : شعب هذا البلد المنكوب.
|