كم يتألم المرء وهو يجد الحراك القائم في العالم على كل الأصعدة وبالأخص التراثية منها لم يمتد إلى (التراث البحراني) الذي يمثل مساحة ليست بالقليلة في خارطة التراث على مستوى العالم، وذلك لـ:
1- أن التراث البحراني له من العمق الزماني الذي يمثل سابقيته على الكثير من أزمنة التراث الأخرى، وإذا قلنا إنه من التراث الألفي فليس في ذلك مبالغة.
2- أن التراث البحراني تراث كمي، وذلك لأن البحرين عريقة في العلم ولا تخلو مدينة من مدنها أو قرية من قراها أو بيتا من بيوتها من واقع علمي ومخزون تراثي.
3- أن التراث البحراني تراث كيفي، إذ ركز علماء البحرين على جوانب مغمورة أو حجم الإنتاج فيها قليل فأثروها بالكتابات والمصنفات، كما كانت لهم السابقية في جملة من الموضوعات.
4- إن التراث البحراني تراث ملتزم، فلم يكن في التراث البحراني أي إسفاف بل كل النتاج المعرفي البحراني هو في خط الالتزام العلمي والخلقي.
5- إن التراث البحراني تراث منتج وناقل للمعرفة، فكما أبدع علماء البحرين في تقديم المفاهيم الأصيلة من منابعها الأصلية (الثقلين) فقد كان للتراث البحراني سهم كبير في نقل المعرفة من خلال التعاطي مع نتاج الآخر، عبر شرحه والتعليق والتعقيب عليه واستنساخ الثمين منه.
وإذ ذلك تجد خزائن التراث البحراني ثرية غاية الثراء بالمخزون المتنوع الذي يحمل الخصوصيات المتقدمة في طياته، ولكن هناك جملة من المشاكل التي مني بها التراث البحراني لذا صار هناك مسيس حاجة إلى الحج إليه بعد هذه السنوات المتمادية:
· المشكلة الأولى:
ضياع التراث البحراني، فكم تبعثرت المكتبات والكتب والمخطوطات وذلك بسبب العنف الذي تعرض له البحارنة منذ القدم وحتى اليوم، فتشتت الكتب والمكتبات بتشتت أصحابها، وإذ تقرأ في بعض الكتب كمقدمة موسوعة الحدائق الناضرة لمفخرة البحرين الشيخ يوسف آل عصفور البحراني (قدس سره) تجده قد أعاد كتابته عدة مرات بعد الحوادث التي وقعت عليه أو جدنا السيد أحمد المقدس الغريفي المعروف بالحمزة والذي قتل في طريق زيارته إلى العتبات المقدسة في العراق، وسرق ما لديه من مؤلفات وكتب ولم يعرف أمرها إلى يومنا هذا، وغيرهما من الأعلام، بل ربما لا تجد عالم من علماء البحارنة إلا وتعرض لمأساة.
· المشكلة الثانية:
جمود الأوساط العلمية عن إحياء التراث، فإذا كان صاحب الحق خاملا فكيف يمكن لغيره، ومع خمول البحارنة عن إحياء تراثهم، إلا أن هناك جهود كبيرة من غير البحارنة لإحياء التراث البحراني لعلمهم بقيمة ما لدى علماء البحرين، وفي الفترة الأخيرة انبرت جهود مبعثرة من البحارنة لإحياء التراث البحراني ونسأل الله أن يديمها، بالرغم من أنها حركة رتيبة وينقصها العون والمدد لكي تواصل مجهودها الثمين فكلها جهود فردية.
· المشكلة الثالثة:
عدم قيام مؤسسات ومراكز لحد اليوم تعنى برصد التراث البحراني وإحياءها، وما هو موجود اليوم في الساحة من جهود هي فردية للغاية وبمعنى الكلمة، وفي إطارها الخاص، وحتى دار حفظ التراث البحراني الذي ننشر باسمه هو صدى حلم مشروع كان سيكون لولا....!!
· المشكلة الرابعة:
دخول جهات من خارج البحارنة وقد يكونوا بحرينين ولكنهم ليسوا بحارنة، مما جعلهم يزيدون في أزمة حفظ التراث وإحياءه بلة وذلك لأنهم لا يعيشون خصوصية هذا التراث حتى يجعلوا له خاصيته بل وأكثر من ذلك إذ يعمل البعض منهم على القضاء على التراث البحراني سلفا لأشياعه الذين رموا كما كبيرا من المخطوطات في الآبار أو البحر كما تحكي المصادر، ومن المؤسف أن بعض البحارنة قد حدى حدوهم.
· المشكلة الخامسة:
حاكمية الزمان والمكان منذ وقت قديم بحيث جعل من قسم كبير من المخطوطات والآثار تغرق في بحر الظلم الذي شمل البحارنة ومخزوناتهم وأودى بالكثير منها.
واليوم وقبل فوات الأوان وقبل الحساب علينا أن نحج إلى التراث البحراني، من خلال:
· أولا:
القيام بحملة واسعة من التوعية على الأصعدة المختلفة بتاريخ التراث البحراني وقيمته وسبل الدفاع عنه وحفظه وإحياءه،
· ثانيا:
إيجاد موقع حر وقوي ماديا ومعنويا لجمع التراث البحراني فيه والعمل على إحياءه ونشره.
· ثالثا:
وقف ما يمكن من الأوقاف داخل البحرين وخارجه لكي تسند مشروع حفظ التراث البحراني وإحياءه.
· رابعا:
تداول التراث البحراني من خلال تصويره وأرشفته في ألأقراص كما ظهرت بعض البوادر اليوم حذوا بسيرة النجف الأشرف وذلك لكي يبقى التراث في ذاكرة الوطن والمواطن، وكذلك تداوله في الأوساط المختلفة في أنحاء العالم.
· خامسا:
تشجيع من يلج هذا الميدان ومساندته وتخطي عثراته، فإن عائد هذا الأمر لكل الوطن..
وأخيرا:
على من يدخل هذا الميدان عليه أن يلتزم بأمانة التراث مهما كان مخالفا لمعتقده، فإن نشر أي مخطوطة أو حفظها لا يعني تبني ما فيها، وإنما يعني حب الوطن وحب الوطن من الإيمان. |