(2)....أسباب عدم التعاطي مع الفعاليات الدينة
بعد ذكر المقال الأول في مسألة جدلية التعاطي مع الفعاليات الدينية قد ذكر أن هناك أسباب متصورة في قلة نسبة التعاطي مع هذه الفعّاليات ، فإلى هذه الأسباب :
السبب الأول : هي الحالة "الموتغرافية" وهي خروج الناس من مناطقهم الأصليّة حيث أن عامل الهجرة من المنطقة الأم يعتبر من أهم الأسباب في قلة نسبة الحضور مع هذه الفعاليات وعدم التفاعل من الناس ومنطقتنا النعيم من المناطق التي تعيش الهجرة من الأهالى حيث كانت في الثمانينات الى بداية التسعينات مزدحمة السكان من الأهالي وكانت المساجد ممتلئة والفعاليات والبرامج مكتظة بالحضور وهي أكثر مما عليه الآن بشكل واضح والسبب يعود الى وجود الناس في المجتمع النعيمي من الشباب والشيوخ والنساء بحيث لا يكلف الرجل منا أي عناء للحضور الى مثل هذه البرامج المتنوّعة.
أما بعد الهجرة ـ ان صح التعبير ـ وخروج الأهالي من المنطقة إما لسبب الضيق أو من أجل التوسعة أو غير ذلك من الأسباب بدى ضعف الحضور ـ لاسيما في غير المناسبات الدينية ـ واضحا وعدم التعاطي معه جليّاً لأن الرجل الذي خرج من المنطقة لن يأتي من أجل الحضور في هذا البرنامج أو ذاك في ظل زحمة السير والبعد أحيانا وارتباطات العمل . وخاصة اذا ما كانت هناك برامج معيّنة وفعاليات دينية في المنطقة الفرع مما يعوّضه عن الفعاليات في المنطقة الأصل .
من هنا أعتقد أن الحكومة لها اليد الطولى في هذا المجال ، وأعتقد ان من الأمور التي كانت تفكّر فيها الدولة هو تفريغ المناطق في المنامة بشكل خاص لتضعيف حالة الارتباط والتعاطي مع هذه الفعاليات الدينية لأن المنامة تعتبر واجهة الدولة للسواح وفي اعتقادها أن حركة التعاطي بهذه الفعاليات قد تسبب لها ارباكاً للسياحة في البحرين ، فاذا استطاعت الحكومة تفريغ المناطق من الناس خلال عدة عقود سوف تقلل نسبة هذا التعاطي مما يستدعي بعض القائمين على هذه البرامج تقليلها بحجة عدم الحضور والتفاعل معها وهذا هو الحاصل.
ولذا حُرم أهالي المنامة بشكل خاص عن وجود إسكان يجمعهم في مناطق مجاورة بل قامت الحكومة بإبعادهم عن المنامة بشكل ملحوظ وما زالت الخطة مستمرة الى هذه اللحظة لاسيما في ظل أخذ الأراضي .
على كل حال فان الواقع يشهد بقلة نسبة التعاطي في منطقتنا النعيم بسبب الهجرة الاسكانية من أهالي المنطقة وكمثال على ذلك قبل الانتفاضة المباركة في التسعينات وبالتحديد في صيف 93 الى 94 كنت أصلي في مسجد الزهراء "في شرق" وما زلت ، فكان الحضور ممتازا الى درجة أن المسجد لا يكفي للمصلين ، ثم رجعت بعد الهجرة في 2002 واذا بنسبة الحضور قد قلّت ولكن لا بأس بها ثم زادت هذه النسبة وأصبح الحضور في صلاة الجماعة أقل بكثير مما عليه سابقا بسبب خروج الكثير من رواد المسجد عن المنطقة لا سيما الشباب . طبعا هذا يسري على كل الفعاليات والبرامج داخل المنطقة .
أتمنّى لو ان المسألة تقف عند هذا الحد " وليس كل ما يتمناه المرء يدركه " بل أقطع أن المسألة سوف تتعدّى هذا الأفق وهذا التصوّر خلال العقدين القادمين ان لم تبذل الجهود وتتظافر القوى المخلصة للمنطقة. إن خروج الأهالي من المنطقة ـ تحت أي عذر مقبول أو غير مقبول ـ هو في استمرار وفي تزايد بل وإحلال الأجانب بدلا عنهم كذلك. هذا مما يضعف التعاطي والتفاعل مع كل الفعاليات والبرامج الدينية بما فيها صلاة الجماعة ، سوف تزداد ضعفا وتزداد هشاشة أن لم يكن هناك تفكير جدي للمحافظة على بقاء الأهالي في المنطقة بشكل وآخر. وليس معنى ذلك اننا لا نستفيد من الاسكان ولا نوسع على أنفسنا وأولادنا.
هذا السبب سيّال في الكثير من القضايا ولا ينحصر في عدم التعاطي مع الفعاليات الدينية ولذا هو مؤثر في التعاطي الاجتماعي بجميع أنواعه ، وهو مؤثر في سكن الأجانب كما قلت مما يؤدي الى الانحراف الأخلاقي وضياع الهوية والاصالة الدينية ، وهو مؤثر في الحفاظ على أصالة المنطقة وبحرنتها وهويتها ولذا فان العلاج لهذا السبب معناه علاج للكثير من القضايا المتداخلة والمترابطة فيما بينها.
لست هنا في صدد العلاج لهذا السبب لأنه أكبر من أن يكتب هذا العلاج في مقال هنا أو كلمة هناك بل يحتاج الى حراك جماعي من خلال تشكيل لجنة مخلصة محبّة للمنطقة وأهاليها ، معطائة وذائبة في العمل التطوّعي لا سيما الاجتماعي ، فضلا عن أن المنطقة مرتبطة بالناس والتجار وأصحاب الأملاك ، فيا ترى هل المجتمع هنا بامكانه أن يقدم المصالح العامة ومصالح الهوية النعيمية وأصالتها ، ويقدم الانتماء الى الجذور لهذه الارض الطيبة على تحفة قليلة من المال الزائل أم العكس هو الصحيح ؟
أنت صاحب الجواب أيها القارئ الكريم.
أما بقية الأسباب تأتي باذن الله تعالى.
الشيخ منير المعتوق
|