عودة ثالثة لموسم الفاطمية
ما فتئنا في الشهرين الماضيين عن الحديث حول موسم الفاطمية الذي بدأ في الثامن من ربيع الآخر وذلك استنادا لرواية أن الزهراء(ع) فارقت الدنيا شهيدة بعد استشهاد أبيها (صلى الله عليه وآله) بأربعين يوما، واليوم إذ تحل الذكرى وفق الرواية الثالثة الموافقة للثالث من جمادى الأخرى نعود مرة ثالثة للحديث غير آبهين بجملة من الصيحات المعارضة لمسألة الاستغراق في الحزن.. إذ لا نعد الاستغراق في الحزن مسألة سلبية في الشخصية الشيعية بل هي إيجابية وقد نعتت في الثقلين، واتسم بها بعض الأنبياء والأئمة(ع) والصلحاء، فهذه آية البكائين الخمسة، وهذا حديث (من سلاحه البكاء) وهذه .. وهذه.. بالإضافة إلى أن مرجعيتنا الفكرية والدينية القائمة والقاعدة متفقتين على مسألة الاستغراق في الحزن.. والتي تعني: عمق الرابطة مع الموقع التي تعيش معه تلك العاطفة.. فلماذا والأمر بهذا الحجم من المشروعية نعيش عقدتنا من ممارسة سلوكنا بكل وضوح في ظل وجود الآخر الذي لا يلتقي معنا في الكثير من المفاهيم..
وطالما أن النص والموقف الفقهي الأصيل يحمي هذه الممارسة لماذا لا نمارس سلوكنا ونقنع الآخر به..
إلى متى سنبقى حتى في علاقتنا مع مواقعنا المقدسة أسرا لرغبة الآخرين.. ومتى كانت حجة هذا الآخر أبلغ من حجتنا؟!
صحيح أننا نمثل القلة ولكن لا يعني أننا الباطل والكثرة هي الحق.. وقد تحدثنا عن هذا المقياس والبرهان في موضوع سابق من خلال كتاب الله.. وعلى هذا الأساس لابد وأن نمارس برهنتنا لخطابنا وسلوكنا بتحدى كامل لا على أساس الصراع مع الآخر بقدر ما هو صراع ضد الباطل وإثباتا للحق..
وكل هذه القضايا نستمد الرؤية فيها من حادثة وحديث مولاتنا الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بدءا من رحيل والدها، وكل مفردة في هذه الحقبة من الزمن تتجلى فيها مبادئ الصراع المقدس..
ومن هنا فنحن في أمس الحاجة إلى الاستغراق في الحزن على مولاتنا الزهراء عليها السلام.
وأيضا: القراءة التقليدية لحدث الرحيل بكل رواياته ومروياته الضعيفة والقوية الثابتة بالقطع والمشهورة بالظن..
وليجرب المتراجعين عن التراث في هذه الذكرى أن يقرأوا القضية بالعمق التراثي بعيدا عن الحداثويات فلربما تتكامل لديهم عذوبة التشيع بلغته التقليدية..
كما نذكر بشعيرة خاصة كان قد سنها المرجع الديني والعالم الرباني المقدس المدافع عن العقيدة آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (قدس الله سره الشريف) في هذه الرواية بالخصوص وهي المشي حافيا على القدمين في موكب خاص باسم موكب الحفاة تعظيما للمصاب وإبرازا لعظمته، وقد تبعه في هذه السنة جملة من الفقهاء الكبار، وقد ذكر سماحة السيد عبدالصاحب الموسوي ممثل الولي الفقيه السابق في لبنان لمجموعة من شباب حزب الله في إقليم البقاع أن أحد العرفاء رأى الشيخ التبريزي في عالم الشهود والمكاشفة وهو في قمة الفرح والسرور، فلما سأله عن السبب قال له: كل هذا المقام حصلت عليه من المشي حافيا يوم استشهاد الزهراء عليها السلام..
اللهم بلغنا ما أكرمت به هذا الفقيه.. واجعلنا وجهاء عند مولاتنا الزهراء(ع).
|