التعاطي مع الفعّاليات الدينية
هناك جدليّة في الشارع البحراني بالنسبة الى مسألة ارتباط المجتمع البحراني بالفعاليات الدينية من محاضرات وندوات واحتفالات ومجالس العزاء في محرم الحرام وغير محرم ، هناك من المجتمع مَن يعتقد أن نسبة التعاطي مع هذه الفعاليات قد قلّت لاسيما في وسط الشباب اذ يرى هذا البعض أن الشباب بعيدون عن هذه الفعاليات وصلوات الجماعة كذلك، وأنهم لا يتفاعلون مع البرامج المطروحة ولا يشاركون ولا يحضرون أصلا في مثل هذه البرامج وكأن الامر لا يعنيهم .
يقول هؤلاء أن هذا الرأي لم ينطلق من فراغ وانما من خلال نظرة دقيقة واقعية مستقاة من الواقع الخارجي حيث نرى من خلال هذه النظرة الفرق الواضح بين الحاضر والماضي ، نرى الفرق في الحضور والفرق في المشاركة والفرق في التفاعل والذوبان في البرامج المطروحة ، فنسبة التفاعل كما يراها هؤلاء أقل من السابق لأسباب معينة ـ سنذكرها لاحقا ـ تحتاج الى دراسة معمّقة.
وفي المقابل هناك رأي آخر لمجموعة أخرى في الشارع ترى خلاف ما يراه أصحاب الرأي الأول حيث يرى هذا البعض أن نسبة التعاطي في هذه الفعّاليات في الوقت الحاضر أكثر مما كانت عليه في الماضي ، ويقول هؤلاء أن هذا التفاعل والحضور المتميز مستقى من الواقع الخارجي الذي يعتبر خير شاهد على هذا الرأي .
ليس الكلام مع أصحاب الرأي الثاني الذي يرى زيادة نسبة التفاعل والحضور بل الكلام مع أصحاب الرأي الأول ، وبالتالي لابد من طرح أسباب العزوف عن هذه الفعاليات بما فيها صلاة الجماعة الذي يعتقد هؤلاء بقلة النسبة. وقبل الدخول في هذه الأسباب وطرح العلاج لها إن أمكن ذلك أحب أن أطرح بعض النقاط المهمة في مسألة التقييم للحضور والتفاعل.
النقطة الأولى : لا يمكن أن نعطي صورة مطردة في هذه المسألة وفي كل مناطق البحرين، ومن الخطأ جدا أن نعطي تصويرا واحدا في كل المناطق بنسبة واحدة وذلك لاختلاف المناطق فيما بينها من جهة التفاعل وعدمه، أنا شخصيّا قرأت في بعض القرى سنة 93 و94 ثم عدت الى البلد وقرأت في نفس تلك القرى فوجدت أن الحضور أكثر مما كان عليه سابقا مع أن تلك الفترة كانت في شهر محرم والفترة الثانية في شهر رمضان ومع ذلك نسبة الحضور أكثر، هذا مثال بسيط لابد أن يأخذ بعين الاعتبار.
النقطة الثانية : ينبغي أن يكون التقييم لهذه المسألة بما هي في الظروف الطبيعية مع غض النظر عن أيام الأحداث التي عصفت بالبلاد ، أو بداية الثمانينات أيام انتصار الثورة الاسلامية المباركة وهو حدث عالمي امتدت آثاره الى الخليج فضلا عن المحيط الاقليمي والعالمي ، حيث أن فترة الأحداث تعتبر فترة استثنائية لا يقاس عليها في مستوى الحضور والتفاعل والاهتمام بكل الفعاليات ، وهذا أمر طبيعي لكل حدث غير طبيعي يسود البلاد ، أيام الأحداث والانتفاضة المباركة كان التعاطي مع الفعاليات ملفتا للنظر سواء في المأتم أو غيره ، في الخطابة الحسينية أو خارجها بل حتى في صلوات الجماعة لاسيما التي كانت تعيش أجواء الساحة على مستوى الخطاب ، وأعتقد أن هذا شأن كل بلد يعيش الاضطرابات الداخلية على أي مستوى من المستويات السياسية وغيرها.
العراق البلد الجريح نرى أن المساجد والحسينيات والمشاهد والمهرجانات الثقافية وغيرها مكتظة بالحضور بجماهير حاشدة من الرجال والنساء لم يعهد لها مثيل على الاطلاق كما يصفها الاعلاميون، ويعود السبب الى كون العراق يعيش اضطرابات سياسية صعبة للغاية ومشاكل مذهبية تعصف به من كل حدب وصوب ، فلابد للجماهير من التفاعل والمساهمة في جميع الفعاليات وعلى جميع الأصعدة.
من هنا فان المرحلة التي مرّت بها البلاد أيام الانتفاضة يجب أن لا تكون مقياسا بالحضور والتفاعل والمشاركة والاهتمام وكما قال البعض "حتى اللي مايروح المسجد كام روح واللي ما يسمع محاضرة كام يسمع" . اذن لابد للتقييم من أن يقيس الوقت الراهن بما قبل الأحداث من أيام التسعينات وماقبلها.
أما الأسباب المتصوّرة في تفليل نسبة التعاطي مع الفعاليات الدينية تأتي في مقال آخر وأسأله تعالى أن أوفّق في ذلك.
الشيخ منير المعتوق
|