بسم الله الرحمن الرحيم (من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا) صدق الله العلي العظيم
الآية الكريمة تشير الى ثلاث حقائق مهمة : الحقيقة الاولى: مصطلح الرجولة في القرآن الحقيقة الثانية: بيان العهد الذي وقع من المؤمنين مع الله تعالى الحقيقة الثالثة: ماهية الانتظار في الآية
الحقيقة الاولى: وهي مصطلح الرجولة في القرآن الكريم اذ ان الرجل في القرآن ليس هو الانسان الذي وصل الى مرحلة البلوغ .. وليس هو الانسان الذي دخل القفص الذهبي وليس هو الانسان الذي رزق الولد.. فهذا هو التصور السائد عند الناس. بل ان مصطلح الرجولة في القرآن مبني على المواقف العملية الصادقة . سواء وصل ذلك الانسان الى سن البلوغ ام لم يصل.. تزوج ام لم يتزوج رزق الاولاد أو لم يرزق، فهذه كلها امور لادخالة لها بمصطلح الرجولة في القرآن على الصعيد الاخلاقي، فالرجل في القرآن الكريم هو الذي صدق في وعده مع الله، واطلاق الآية خير شاهد على ذلك. (من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه)
الحقيقة الثانية: ولبيانها نقول هناك ثلاثة اسئلة: مامعنى العهد؟ ومتى بدأ هذا العهد؟ ومتى يكون عهدا تشريعيا تترتب عليه الآثار الشرعية؟
وللجواب على السؤال الاول: العهد هو الالتزام لله سبحانه وتعالى بفعل شيء أو تركه بأن يقول: عهد علي أن افعل كذا أو أعاهد الله على كذا.
والجواب على السؤال الثاني: لقد بدأ هذا العهد من حين خلق الله الانسان، فقد فطره على الطهارة القلبية المتمثلة في توحيده تعالى. قال الرسول الكريم(ص) {كل مولود يولد على الفطرة الا ان أبواه يهودانه أو يمجسانه او ينصرانه} وهذا عهد فطري تكويني
وأما الجواب على السؤال الثالث: وبمجرد ان يصل الانسان الى مرحلة التكليف الشرعي يوجه اليه الخطاب الشرعي بالزامه بالاحكام الشرعية الواجبة في حقه . فاما ان يعاهد ذلك الانسان الله بأن يلتزم ويكون صادقا في عهده ، والافهو خائن.
الحقيقة الثالثة: ماهية الانتظار عند اولئك المؤمنين تتمثل في الاستعداد التام لساعة الرحيل من هذه الدنيا. ولقد ودعنا في العام الماضي أيها الاحبة رجلا من عظماء المنبر الحسيني وهو سماحة الشيخ احمد مال الله. وسأحاول ان آخذكم معي أيها الأحبة في جولة سريعة في حياة هذا العظيم وهي قراءة متأنية لشخصية الشيخ احمد مال الله( رحمه الله) ايها الأحبة ان شخصيات العظماء اذا مرت علينا من دون ان ننفذ الى حناياها وآفاقها فذلك غبن لأنفسنا اولا وغبن لشخصية ذلك العظيم ثانيا.
فلذا طفقت اجول في شخصية هذا العظيم فاستوقفتني أربع محطات في شخصيته: المحطة الاخلاقية المحطة العلمية المحطة الحيادية المحطة الخطابية
المحطة الأولى: لقد كانت الاخلاق معلما بارزا في شخصيته من حين تلقاه الى مفارقتك اياه. فعند اللقاء تراه يفتح باعه ليضمك اليه ويلثمك تقبيلا كأنك من اقرب الناس اليه ، وهذه عادة لم نألفها عند كثير من الناس ،سواء كانوا علماء ام وجهاء ام عموم الناس. فقد درجت عادت الناس اذا التقيت معهم اما المصافحة باليد واما السلام من دون مصافحة والبعض يكتفي بطأطة رأسه ووضع يده على صدره .
ترى لماذا الشيخ احمد يقدم العناق عند القاء معه؟ الجواب على ذلك انه بذلك يربطنا بتطبيق النصوص المرشدة الى كيفية ملاقاتنا باخواننا بابنائنا. قال الامام الصادق (ع) قال الصادق-عليه السلام-: «ان المؤمنين اذا اعتنقا غمرتهما الرحمة،.
ولذا ترى ذلك اللقاء يعطي آثارا رائعة على روح الانسان منها: 1)ازالة الفوارق بينك وبينه مما يجعلك تستشعر عزة الايمان فلا تتردد او تتهيب في تبادل الحديث معه. 2) يحسسك بانك قريب منه . 3)يزيل الهموم من قلبك .
واذا جلست معه يجعلك لاتمل الجلوس معه ان بقصة او برواية او بمسألة . ومن المحطة الاخلاقية ايضا محافظته على صلة الارحام وذلك منه تجسيد لما لماأكدث عليه الآيات والاحاديث الشريفة (واتّقُوا اللهَ الذي تَساءَلُونَ بهِ والارحامَ إنّ اللهَ كانَ عليكُم رقيباً ) (وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه : (أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أصل رحمي وإن أدبَرَت) ومن المحطة الاخلاقية ايضا مواصلته للناس في افراحهم واحزانهم فقلما تجد مجلس فاتحة لاتجده هناك معزيا ومشاطرا اهل العزاء في مصيبتهم . ومن المحطة الاخلاقية ايضا مساعدته للمحتاجين وقد كانت مساعدته للمحتاجين تحمل طابع الاسرار بحيث لايحسها الا الذي اعطي المساعدة. كما قال الامام زين العابدين(ع) صدقة السر تطفئ غضب الرب. وهناك الكثير من الشواهد احاول ان اتناولها في بحث مستقل عن سماحته رحمه الله..
المحطة العلمية: كان الشيخ رحمه الله من عشاق القراءة بحيث انك تجده لايمل من المطالعة ، و لم يترك التدريس في منزله،وكان تواقا لطلب العلم بحيث تراه على كبر سنه يكرر هذه الكلمة: متى يتسنى لي ان اذهب الى النجف الاشرف لمواصلة الدراسة؟ ومما امتازت به شخصيته العلمية دقته في حفظ النصوص والتأمل فيها. وكذلك حبه في طرح الجلسات الحوارية والمشاركة فيها.
المحطة الحيادية: عصفت بالبحرين الكثير من الأحداث ، وقد كانت شخصية الشيخ تحمل طابع الحيادية لكل الفئات والتيارات بمختلف طوائفها ومشاربها فلم يمل الى فئةدون أخرى ،بل كان ميزانا في تعامله مع الجميع ،لأن الشيخ رحمه الله كان يسعى لإحتواء الجميع بأبوته. المتتبع لمجالس المرحوم الشيخ احمد مال الله يلمس في خطابة الشيخ ثلاث ميزات:
الميزة الاولى: تأثيرخطابه السريع في النفوس وذلك عبر تعديه حواجز الخطاب التبليغي الى مخاطبة المستمعين له بتوجيه خطابه له على نحو المباشرة بتذكير ذلك المستمع لحادثة قد وقعت ولها أثر بليغ وقد عايشها ذلك المخاطب، فكم رأيناه وهو على المنبر يقول لفلان من الناس اتذكر في اليوم الفلاني اذحدث ذلك الأمر ؟ وبذلك يخلق الشيخ رحمه الله جوا من التأثر والتفاعل مع خطابته رحمه الله.
الميزة الثانية : لقدوقف كل من استمع الى خطابة الشيخ انه اذا طرح المصيبة يعيش التأثر بها قبل المستمع فتراه تارة يميل الى اليمين وتارة الى الشمال وتارة يصفق يدا على اخرى. فترى هذا التأثر يأخذ بيد الحاضر في مجلس المرحوم الشيخ احمد يتفاعل وتظهر عليه معالم الحزن مما يجر ذلك المستمع الى البكاء على مصائب اهل البيت(ع).
الميزة الثالثة: التزامه بطرح السيرة المتعارفة ويؤكد على ذلك ويأمر بتحريك السيرة بأمثلة عملية من وحي الواقع الاجتناعي كي تترسخ تلك السيرة في نفوس افراد المجتمع.
|