قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالات الأستاذ حسين المحروس
 
استبدال صوت زفير جهنم بصوت عصافير الجنّة
حسين المحروس - 2007/03/03 - [الزيارات : 10403]
الصوت بالصوت

استبدال صوت زفير جهنم بصوت عصافير الجنّة



الوقت - حسين المحروس:

- بابا.. رأيت طاولة بالمنامة عندها يستبدلون الأشرطة.
- أشرطة الكاسيت؟
- إيه.. تعطيهم شريط أغاني يعطونك شريط دعاء.
- وبعدين؟
- غداً أجمع أشرطتك في كارتون وأستبدلها كلّها.
- اسمع يا بابا إن فعلت ذلك استبدلت أمك.
- هه ما تقدر... أنا أقدر’’.

لم يكن ذلك حواراً مصنوعاً، هو حوار ‘’حقيقي’’ - مع أنّي أكره كلمتي ‘’حقيقي وحقيقة’’- دار بين طفل في العاشرة من عمره توقّف عند طاولة ‘’الاستبدال’’ في إحدى زوايا سوق المنامة. لم يرَ هذه الموضة الجديدة من قبل. أقصد لم يعها من قبل. كان يراها أشبه بالسحر. كيف تستبدل أشرطة دينية: قرآن، دعاء، محاضرات، أناشيد إسلامية، قصائد عزاء حسيني بأشرطة أغاني وموسيقى مجاناً؟ من أين جاءت هذه الموضة؟ كيف يتمّ استبدال صوت الشيطان بصوت الملائكة؟ استبدال صوت زفير جهنم بصوت عصافير الجنّة؟ استبدال ‘’الأوبئة الصوتية’’ كما ينعتها أحد العاملين المتطوعين في هذا المجال بأصوات الشفاء؟ مَنْ يدعم هذا الاستبدال؟ ماذا يختار ‘’التائبون’’ عوضاً عن أشرطة الخطيئة؟

في العام 1926 تمّ تسجيل أوّل اختراع لتسجيل الصوت في العالم. جاء الاختراع من ألمانيا على يد المهندس ريتز بيفلومر’’Fritz Pfleumer’’ (1881-1945) مستغلاً اختراع الديمار بولسن Valdemar Poulsen لسلك التسجيل الممغنط في العام .1898 اختراع بيفلومر اعتمد على مسحوق أكسيد الحديد يتمّ به طلاء شريط طويل من الورق. هذا الاختراع الذي بدأت شركة ‘’AEG’’ الألمانية في تصنيعه وتوزيعه عُدّ من أهم الاختراعات في عالم الالكترونيات في تلك الفترة. وما إن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى استطاع ثلاثة من العلماء الأميركيين أخذ هذا الاختراع إلى خارج ألمانيا. انتشر أكثر.

في مطلع الستينات جاء شريط التسجيل الممغنط الصغير إلى البحرين. سبقته شريطة الكاترج. سبقته بكرة الشريط الممغنط. سبقته اسطوانات التسجيل. اكتسب الشريط الجديد أهمية كبرى لسهولة التحكم فيه، والقدرة على إعادة التسجيل عليه، وصغر حجمه. صار زمنه أطول والتسجيل فيه على مسار واحد فقط، في اتجاهين متعاكسين بدلاً من أربعة مسارات. لكن التقنية لم تختلف. أشرطة شركة فيلبس كانت أول وأكثر شركة تصنيع الأشرطة حضوراً في البحرين. يقول مدير مؤسسة ‘’صوت وصدى’’ عمران جمال (44 عاما) ‘’مازال لدّي شريط كاسيت صغير سجّل فيه أبي صوتي. كان عمري ثلاث سنوات فقط. الشريط الكاسيت في مطلع الستينات أمر جديد في البحرين’’.


صوت وصورة

صوت الغناء والموسيقى سبق أصوات المحاضرات والأناشيد والأدعية في البحرين. في البدء كانت محلات ‘’أحمد إبراهيم جمال’’ ومحلات ‘’فن الصوت’’ أهم موردي وباعة صوت الغناء والموسيقى في البحرين. كان ‘’المخزن الغربي’’ و’’أشرف’’ و’’المؤيد’’ و’’شارب’’ في المنامة أهم موردي أشرطة الكاسيت الخالية. يقول جمال ‘’كانت غالية بعض الشيء. سعر الشريط الواحد يصل إلى 500 فلس وأكثر. الماركات المتوفرة: هيتاشي، سوني، سانيو، شارب، توشيبا، وماركة “TDK” التي توردها محلات العوضي في المنامة’’.

منتصف الستينات هي الفترة الذهبية لشريط الموسيقى والغناء في البحرين. انتشار بشكل لافت. سرعة التسجيل والتشغيل ووضوح الصوت من أسباب ذلك. في العام 1967 قرر أحمد إبراهيم جمال تغيير ‘’محلات أحمد إبراهيم جمال’’ من مؤسسة تجارية إلى محلات ‘’صوت وصورة’’. صار متخصصاً في أشرطة الموسيقى والغناء فقط. وكان يضع على علبة الشريط صورة المغني أو الموسيقار. لذا أسماه ‘’صوت وصورة’’. وبعد أن صارت الصورة متحركة ومتاحة للجميع، تخصصت أمكان لبيعها، وصار اسم المحل ‘’صوت وصدى’’.


ثورة الكاسيت

في العام 1979 كان للشريط الكاسيت حضوره لكن بشكل مختلف. صارت أشرطة الموسيقى والغناء صوت زفير جهنم، والأصوات الجديدة عصافير الجنّة. سبق ذلك الفعالية الأكبر للشريط الكاسيت في العالم كلّه العام .1978 أعني ‘’ثورة الكاسيت’’ التي قادها وبثّها الإمام الخميني من فرنسا إلى إيران. وقتها كانت إيران جنهم تغلي بتيارات لا حدّ لثورتها وغليانها. أسرّ لي أحد أعضاء ‘’الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين’’ سابقاً بأنّ لشباب الجبهة البحرينيين دور غير عادي في تهريب كاسيتات خطب الإمام الخميني إلى داخل إيران. كانوا مثاليين في ذلك ليسر دخولهم، والتساهل في تفتيشهم. سقط الشاه العام 1979 وسميت الثورة باسم ‘’ثورة الكاسيت’’. الثورات استغلت التقنية، واستغلت الجنسيات المختلفة أيضاً. وإذا قامت ثورة جديدة في مكان ما من العالم اليوم فإنها لن تستغني عن المدونات الإلكترونية ‘’البلوجرز’’.

انتشرت أشرطة المحاضرات الدينية السياسية في البحرين: هادي المدرسي، محمد تقي المدرسي، حسن الشيرازي، عبدالحميد المهاجري، حسن الصفار، عبدالحميد كشك، أناشيد من إنتاج الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين. جاء مصطلح ‘’الشريط الإسلامي’’ في مقابل شريط إبليس. أشرطة مجانية توزع من الجمعيات الإسلامية من اتجاهات مختلفة، والذي يباع لا يتجاوز ثمنه ثمن شرائه قبل التسجيل عليه. انتشر ‘’الشريط الإسلامي’’. تضررت محلات بيع أشرطة الموسيقى والغناء. يقول جمال ‘’ لم يعد في البيت الواحد تيار واحد. تنوعت الاتجاهات في البيوت. جاء الشريط الإسلامي وتضررنا كثيراً. مع ذلك كنا نبيع أشرطة محاضرات عبدالحميد كشك من القاهرة، وأحمد القطان من الكويت وأحمد الوائلي من العراق. وبعد 8 سنوات من الثورة تمّ إدخال الموسيقى في الأناشيد الإسلامية بينما اقتصرت أناشيد السعودية على أصوات الدفوف. تأثرنا كثيرا خصوصاً أن أكثر مواليد ما بعد الثورة التقوا مع الشريط الإسلامي مباشرة. أقصد لم يمروا بالمرحلة السابقة؟ أشرطة الموسيقى والغناء. صارت للشريط الإسلامي محلات تنافس محلات الأغنية العاطفية. لقد احترفوا في إعداد الشريط وإنتاجه، وصار لدى زبائنهم هوس ‘’النسخة الأصلية’’ من الشريط. زاد في الامر تراجع الأغنية العاطفية عموماً. صار أكثرها هابط لا أسمح لأولادي بالإصغاء إليها’’


موضة ‘’استبدلني’’

كثرت محلات إنتاج ‘’الشريط الإسلامي’’ وتعددت ووصل عددها الآن في البحرين إلى 431 محلاً. صارت تتنافس في جذب الزبائن وجاءت موضة جديدة تؤكد مقولة قديمة للشيخ سليمان المدني رحمه الله ‘’البحرين بلد الموضات’’. جاءت موضة ‘’استبدلني’’ كما أسميها. استبدل أشرطة الشيطان: الغناء، والموسيقى بأشرطة عصافير الجنة: محاضرات دينية، محاضرات سياسية، أدعية، أناشيد بموسيقى، أناشيد من دون موسيقى، أناشيد بدفوف فقط، قصائد حسينية قديمة، قصائد حسينية حديثة. أيّ شيء من الجنة. استبدلها الآن ‘’أستبدل شريط ‘’ الكاسيت، أو الفيديو غير الإسلام بشريط إسلامي أو تبرع بالأشرطة التي لا تحتاجها أو التي ترغب في التخلص منها واطلبْ استبدالها بالأشرطة الدينية. اتصل الآن على هاتف..’’

يسرد الشيخ عبدالنبي عبدالمجيد النشابة (40 عاماً) حكاية مع مشروع ‘’استبدلني’’ منذ العام .1985 النشابة له موقع إلكتروني بعنوان “www.alnashaba.net” كتب في الصفحة الأولى منه ‘’أخذنا على عاتقنا بمكتب النشابة إيصال العلم إلى الأخوة المؤمنين بشكل مبسط عبر الشبكة العنكبوتية’’ صورة لبروفايل النشابة جوارها صورة للقرآن الكريم. ولا شيء غير ذلك. يقول النشابة ‘’في العام 1985 رأيت مكانة كبيرة تأتي على آلاف من أشرطة كاسيت للغناء والموسيقى كانت إحدى الجمعيات الإسلامية في المحرق تعدمها. سألت أحدهم: لماذا لا تعيدون التسجيل عليها ثم توزعونها فقال لدينا تبراعات كافية لهذا المشروع. لسنا في حاجة لاستخدامها مرّة أخرى’’. ظلت فكرة الاستبدال في رأسي حتى العام 1990 بدأت مشروعاً متواضعا في مدينة حمد لاستبدال الأشرطة بأخرى غير جديدة وإنما بإعادة التسجيل عليها مرة أخرى. نشرت إعلانات كثيرة في المساجد والمآتم وكانت الاستجابة غير عادية. جاءتني أشرطة كثيرة جداً.. أحدهم وضع 500 شريط موسيقى على باب بيتي وغادر. قال لي ‘’أسألك الدعاء’’. البعض تبرع بمبالغ يسيرة لاستمرار المشروع. كان الشريط الواحد يكلف 300 فلس تقريباً. كنت أنتجها في البيت قبل أن أتعاون لاحقاً مع أحد محلات تسجيل وبيع الأشرطة الإسلامية في البحرين. وضعت بعض المحفزات: مبلغ مالي لمن يحضر أكبر كمية من أشركة الغناء والموسيقى واللهو. سحب جوائز متواضعة. أنشأت أكشاش صغيرة: المنامة، النعيم، مدينة عيسى أيام مناسبة عاشوراء في شهر محرم. كانت: قرآن، محضرات، وأناشيد وطنية، وقلّما استبدلناها بأشرطة عزاء حسيني’’.


الاستبدال رغبات

في سوق ‘’واقف’’ بمدينة حمد يدير الشاب فاضل محمد صالح الموسوي (37 عاما) محلاً متواضعا لبيع وإنتاج الأشرطة الإسلامية. الحركة فيه نشطة. الصوت الذي يخرج منه يدّل عليه. كتب على لافتته التجارية ‘’دار الزهراء للتسجيلات الإسلامية’’. الشاب الموسوي بابتسامته المستطيلة وخفّة دمه قال ‘’بعد افتتاح المحل في العام 1997 جاءني الشيخ النشابة. عرض عليّ مشروع استبدال الأشرطة فوافقت. يحضر لي أكياساً فيها مجموعة أشرطة موسيقى وغناء وعليها اسم الشخص وهاتفه. نسأله عن رغبته ثم نسلمه الاشرطة وقد تغير ما بها تماماً. نحن نتكفل بنصف المبلغ وعلى الشيخ النشابة النصف الآخر. استمر المشروع معي 5 سنوات تقريباً ثمّ ضعف. بعض الذين يستبدلون أشرطتهم يعودن لأشرطة الغناء من جديد. بعضهم لا يفعل ذلك إلا في شهر محرم فقط. وفي العام 2005 تقريباً انتقل المشروع إلى إحدى الجمعيات الإسلامية. كانت تستبدل 5 أشرطة فقط، فإذا أحضرت 6 أشرطة مثلا سيكون عليك أخذ شيء مكرر. توقف المشروع مع الشيخ النشابة بعد أن صار مُكلفاً قليلا وقلّ الإقبال عليه’’. لكن المشروع صار يعمل وحده من دون تنظيم من الشيخ النشابة. يقول الموسوي ‘’صارت السيدات العاملات في بوتيكات سوق واقف يحضرن أكياساً ممتلئة بأشرطتهن من اجل استبدالها. سيدات: متزوجات وأبكارا’’. المغني الفنان يوسف محمد (30 عاما) وصف موضة ‘’استبدلني’’ بأنّه ‘’مصادرة للحرية والإبداع وهو أمر مؤلم أن يُؤسس مشروع على إلغاء الآخرين، والوصايا عليهم. هذه ليست روح التسامح. لقد خسروني وخسروا آخرين’’.


Bluetooth

ومع بدء ظهور الوسائل الحديثة للصوت: أقراص ‘’CD’’، حافظات ‘’MP3’’. صار الإقبال على المشروع ضعيفاً لكن ذلك لم يمنع بعض الجهات من وضع كشك صغير في أيام عاشوراء في المنامة لاستبدال الأشرطة. يقول الشيخ النشابة ‘’بعض أن ضعف المشروع، وجاءت التقنيات الحديثة صرنا نرسل رسائل التوعية عبر تقنية “Bluetooth” في التجمعات، وصرنا نثقف الجالية الأندونسية في البحرين عبر موقعنا الالكتروني وعبر أقراص “CD”.

يرى جمال أن ضعف المشروع كان متوقعاً ‘’لرخص التقنية المتبعة فيه، ولأنّ العملية كلّها مرتبطة بمناسبات دينية معنية، ولأنّ هوس ‘’النسخة الأصلية’’ للشريط بدأت تنتشر عند مقتني الشرطة الإسلامية، ولأنّها صارت سياسية أكثر منها دينية، وصار بعض الرواديد منشغلين أحياناً بالردّ على بعضهم البعض في القصائد الحسينية السياسية، ومثال على ذلك بعض قصائد الرادود باسم الكربلائي والرادود البحريني أمير’’..استبدال الصوت بالصوت. ما الذي بقي من مشروع ‘’استبدلني’’ الآن؟ ما الجديد لدى الجمعيات والتيارات الإسلامية في هذا الشأن في البحرين الآن؟ كيف سيستقبلها الناس؟ هل سنرى عمليات بيع مواقع إلكترونية ومدونات شيطانية لصالح جهات إسلامية تستبدلها بمواقع خيّرة؟ هل سيتمكّن الطفل من استبدال موقع أبيه الإلكتروني على شبكة الإنترنت؟

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2024م