قصــةُ الحقوق، وروايات السَرقة
حقُّ الصورة
حسين المحروس hussaina@info.gov.bh
- مَنْ يملكُ حقوق الصورة؟ المصور الفوتوغرافي، المؤسسة، أشخاص الصورة أم المستفيدين منها؟ من يحمي حق الصورة؟ - ماذا يبقـى لمصوري الإتاوات؟ - أيهما أهم.. الفكرة أم الصورة؟ - لماذا يتوجب على المصور أن يتفاوض من اجل اسمه ولماذا تصر المؤسسة على محوه؟ - كثيراً ما اقترض الرسم من التصوير واقترض التصوير من الرسم فلِمَ لا يعدّ خميس هذا الأخذ ضمن سيرة التقارض التاريخي بينهما؟ - هل الملكية الفكرية للصورة هل السرقة نفسها؟
في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشرت صحيفة "الوسط" على صفحتها الأولى صورة صغيرة لشاب بحريني يحترق، قالت إنّه حاول مع مجموعة إحراق برميل كيروسين في أعمال شغب في قرية (الدراز) غرب العاصمة المنامة.
وضعت الصحيفة اسم المصور (مازن مهدي) بين قوسين أسفل الصورة. وبعد يومين (18 ديسمبر/كانون الأول 2005)، نشرت صحيفة "الوطن" البحرينية صورتين كبيرتين للشاب نفسه يحترق في صفحتها الأولى، وصورة ثالثة له في صفحتها الرابعة، لكن اسم المصور لم يُكتب أسفلها.
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2005 نشرت صحيفة "الوطن" نفسها في صفحتها الأولى "هددت وكالة أنباء عالمية بمقاضاة صحيفة محلية بدعوى نشرها صوراً بطريقة غير شرعية منتهكةً قانون حماية الملكية الفكرية. وأوضح المصدر أن الصورة كانت لأحداث التخريب في المطار (25 ديسمبر/كانون الأول 2005) وتمّ تصويرها ونشرها ضمن قائمة الصور بالوكالة وأخذتها الصحيفة ونشرتها على الصفحة الأولى".
يقول المصور الفوتوغرافي عبد الله الخان (69 عاماً) "لو أنّي أردتُ أن أشكو الذين استخدموا صوري لشكوتُ على كلّ وزارات المملكة، والكثير من المؤسسات والناس هنا (...) كثيراً ما سُرِقتْ صُوري".
المصور الصحفي مازن مهدي (30عاماً) من جهته يقول "لقد سُرقت منّي صورٌ كثيرة، نُشر أكثرها في صحف بحرينية، وعلى مواقع الإنترنت".
المصور الفوتوغرافي علي خميس (44 عاما) "مصورون فوتوغرافيون سرقوا صوري وشاركوا بها في معارض صور وفازوا".
أبعد من هذا، نشرت مؤسسة بحرينية صوراً في كتب عن البحرين والخليج، لكن لا أحد يعرفُ من المصورين غير اثنين. لقد تمّ تغييب أسماء المصورين الآخرين نظير مبالغ وعقود مجحفة.
وفي مؤتمر اقتصادي عقد بالمنامة في 27 أبريل/نيسان 2004 تحت شعار "حماية حقوق الملكية الفكرية في دول مجلس التعاون". قال وزير الإعلام آنذاك نبيل يعقوب الحمر "إن الملكية الفكرية هي أحد أهم الحقوق الأخلاقية للأفراد وتولي المملكة أهمية قصوى لدور المنظمات الدولية المعنية بحماية هذه الحقوق كجزء من البرامج السنوية التي وضعتها المملكة لتحقيق الأهداف المرجوة من حماية حقوق الملكية الفكرية للأفراد" .
مَنْ يملكُ حقوق الصورة؟ المصور الفوتوغرافي؟ المؤسسة التي يعمل بها هذا المصور؟ الأشخاص الذين في الصورة؟ وكالات الأنباء؟ الصحف والمجلات؟ أم دور الطباعة والنشر؟ ومن يحمي الصورة؟ وممّن يحميها؟
قصّة الحُقوق
في العام 1996 انضمت مملكة البحرين إلى "اتفاق بيرن" لحماية المصنفات الأدبية والفنية برعاية المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) ومقرها جنيف في سويسرا.
وفي العام 2005 وقعت في باريس اتفاق حقوق الملكية الفكرية. ومنذ ذلك التاريخ صار على البحرين تخصيص مكتب وطني يرعى هذه الحقوق، وينظم تسجيلها، ويميّز بين المصنفات، ويحفظ نسخاً منها، ويتلقى قضايا الحقوق المثارة حولها فيما سمي "معاهدة الويبو بشأن حقّ المؤلف".
لكن رعاية حقوق المؤلف في مملكة البحرين لم تبدأ منذ التوقيع على هذا الاتفاق، فكلّ مَنْ يطالب شخصاً بحقّ من حقوقه، يكفله القانون المدني، ويحقّ له المطالبة به عبره. وكلّ مَنْ ينتهي من إعداد مصنف ما مهما كان نوعه يدخل في ملكيته حتى لو لم يقم بتسجيله لدى مكتب تسجيل الحقوق.
هذا ما تشير إليه الفقرة الثانية من المادة (5) من معاهدة بيرن "لا يخضع التمتع أو ممارسة هذه الحقوق لأي إجراء شكلي، فهذا التمتع وهذه الممارسة مستقلان عن وجود الحماية في دولة منشأ المصنف. تبعا لذلك، فإن نطاق الحماية وكذلك وسائل الطعن المقررة للمؤلف لحماية حقوقه يحكمها تشريع الدولة المطلوب توفير الحماية فيها دون سواه، وذلك بصرف النظر عن أحكام هذه الاتفاقية".[1] أيّ أنّ حقّ الملف ذاته لا يعتمد على إجراءات رسمية. ويعتبر المصنف الإبداعي محمياً بموجب حقّ المؤلف فور إعداده.
متى تبدأ علاقة مصنف ما مع مكتب حقوق حماية حقوق المؤلف؟ يجيب مدير إدارة المطبوعات والنشر(منذ 2 أغسطس/آب1997) جمال داود على ذلك بأنّه "لا تبدأ العلاقة بين مصنف ما وبين قانون حماية حقوق المؤلف حتى يحوز هذا المصنف على صفة الانتشار، بإحدى وسائل النشر. فلو كان المصنف صورة فوتوغرافية فإنّ وضعها في معرض فنّي، أو نشرها في مجلة أو جريدة أو كتاب يعطيها صفة الانتشار، وتصبح خاضعة لقانون الحماية هذا".
صار "حقّ المؤلف" مصطلحاً قانونياً يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين في مصنفاتهم الأدبية والفنّية. وتشمل عبارة "المصنفات الأدبية والفنّية" حسب المادة(2) من اتفاق بيرن "كلّ إنتاج في المجال الأدبي والعلمي والفني أيا كانت طريقة أو شكل التعبير عنه مثل الكتب والكتيبات وغيرها من المحررات، والمحاضرات والخطب والمواعظ والأعمال الأخرى التي تتسم بنفس الطبيعة، والمصنفات المسرحية أو المسرحيات الموسيقية، والمصنفات التي تؤدى بحركات أو خطوات فنية والتمثيليات الإيمائية، والمؤلفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أم لم تقترن بها، والمصنفات السينمائية وتقاس عليها المصنفات التي يعبر عنها بأسلوب مماثل للأسلوب السينمائي، والمصنفات الخاصة بالرسم وبالتصوير بالخطوط أو بالألوان وبالعمارة وبالنحت وبالحفر وبالطباعة على الحجر، والمصنفات الفوتوغرافية وتقاس عليها المصنفات التي يعبر عنها بأسلوب مماثل للأسلوب الفوتوغرافي، والمصنفات الخاصة بالفنون التطبيقية، والصور التوضيحية والخرائط الجغرافية والتصميمات والرسومات التخطيطية والمصنفات المجسمة المتعلقة بالجغرافيا أو الطبوغرافيا أو العمارة أو العلوم.[2]
ويتمتع المبدع الأصلي للمصنف المسجّل المحمي بموجب حقّ المؤلف بالانتفاع المادي والمعنوي من هذا المصنف، يمتدّ هذا الانتفاع إلى ورثته القانونيين. كما لهذا المبدع الحقّ في التصريح للآخرين بالانتفاع به بشروط متفق عليها. كما له الحقّ أيضا في منع استنساخ المصنف بآليات النسخ كافة، أو الموافقة على بثّه، أو ترجمته، أو أدائه أمام الجمهور.
وتمتدّ المُهلة المادية للانتفاع من هذا المصنف وفق معاهدات الويبو إلى خمسين عاماً بعد وفاة المبدع، كما تشمل الحماية بموجب حقّ المؤلف ما يُعرف بالحقوق المعنوية التي تشمل حقّ المبدع في طلب نسبة المصنف له وحقّ الاعتراض على التغييرات التي من شأنها أنّ تمسّ سمعة المبدع.
بهذا القانون يضمن المبدع ضمان احترام حقوقه، والمطالبة بها عبر مكاتب حقوق الملكية الفكرية، أو عبر المحاكم. وجاء في أدبيات منظمة الويبو أنّ هذا النظام" يُطمئن المبدعين إلى إمكانية نشر مصنفاتهم دون خشية استنساخها من غير تصريح أو قرصنتها".
مَنْ يملكُ حقوق الصورة؟ المصور الفوتوغرافي؟ المؤسسة التي يعمل بها هذا المصور؟ الأشخاص الذين في الصورة؟ وكالات الأنباء؟ الصحف والمجلات؟ أم دور الطباعة والنشر؟ ومن يحمي الصورة؟ وممّن يحميها؟
صحف بحرينية تنشر صوراً من غير أسماء، ووكالة أنباء عالمية ترفع دعوى على واحدة من هذه الصحف لنشرها صورا بطريقة غير شرعية منتهكةً قانون حماية الملكية الفكرية. مصورون يرون صورهم عند غيرهم من غير حقّ، قصة حقوق المؤلف في مملكة البحرين.
َمنْ يملك حقوق الصورة؟
قانونياً المصور الفوتوغرافي وحده يملك حقوق الصورة (copyright)، ويملك حقّ طباعتها كلما رغب في الاستفادة منها. لكن ماذا لو اتخذت شركة أو مؤسسة ما مصوراً فوتوغرافياً يعمل لديها بأجر وفق خطّة لمشروع ما تضعه هذه المؤسسة؟. هل تملك المؤسسة عندها حقوق طباعة الصور؟ كم مرّة تستطيع المؤسسة طباعتها؟ هل يملك هذا المصور الأجير حقوق الصورة؟ هل ما تدفعه المؤسسة هو ثمن حقوق هذه الصور، أم هو ثمن الوقت الذي أنجز فيه المصور عمله؟.
في العام 2005 بدأت مؤسسة بحرينية في إصدار كتب صور.وعلى الرغم من الخلل الفنّي في صور الكتاب الأوّل استطاعت هذه المؤسسة تجاوز ذلك في كتابها الثاني. لكن لا أحدَ يعرفُ غير أسماء اثنين من المصورين في هذه الكتب لقد تمّ تغييب أسماء المصورين الآخرين نظير مبالغ وعقود مجحفة.
واكتفت المؤسسة بوضع مقدمة، والسيرة الذاتية لمعدّي الكتابين حتى ظنّ كثيرون أنّ صور الكتابين من انجازهما وحدهما. مَنْ يملك حقوق الصورة في الكتابين؟.
يرى (أحد معدّي الكتب)، أن الصور في الكتابين من حقّ المؤسسة ، لأنّها أبرمت عقداً واضحاً مع المصورين، أصبحت الصور بموجبه حقاً من حقوق المؤسسة "لاننا نستخدم المصورين بعقد واضح، تكون بموجبه الصور من حقوق المؤسسة تماماً مثلما تفعل وكالات الأنباء والكثير من المؤسسات عندما توظف مصورين ثم تضع اسم الوكالة أو المؤسسة على الصور في جميع أنحاء العالم".
يضيف "إنّه ليس عملاً تطوعياً حتى نضع اسم المصور عليه، هو عمل تجاري بعقد راجعه محامون وأقرّوا صحته".
صاحب مؤسسة "الصقر"، الفوتوغرافي عبد الله الخان يقول "ليس من حقّ المصور الفوتوغرافي الموظف في مؤسسة ما المطالبة بوضع اسمه إلى جوار صوره، إلاّ إذا تمّ الاتفاق بين هذا المصوّر والمؤسسة على وضع اسمه، أو إذا ارتأت الشركة أن وضع اسم المصوّر يُعطي للمطبوع قيمة ما، وعدا ذلك يُوضع اسم المؤسسة لا غير".
مدير المعمل الفرنسي للتصوير، الفوتوغرافي علي العرادي "لابدّ من إثبات أسماء المصورين إلى جوار صورهم أو في بداية المطبوع حتى لو كانوا موظفين لدى المؤسسة. إنّه حقّ أدبي لا يمكن تجاهله (...) عندما أحذف أسماء المصورين تُصبح الصور مجهولة الهويّة".
يتابع "لماذا لا تُحذف أسماء الفنانين التشكيليين من على لوحاتهم حتى لو كانوا موظفين؟ إنّ أخذ الأجر على وضع عمل إبداعي ما لا يبرر حذف اسم المبدع. وعندما أنتجُ مطبوعاً ما في المستقبل سوف أثبت أسماء المصورين كافة إلى جوار صورهم".
تستلم وكالات الأنباء الكثير من صور حوادث العالم على مدار الساعة من موظفيها المصورين، أو من أولئك المتعاقدين معها، تختار منها ما يناسب الأخبار وتعيد توزيعها على الصحف والمجلات ومؤسسات النشر والإعلام، بعد أن ترفق مع كلّ صورة أصلية اسمها واسم مصورها. هذه الوكالات لا تمنع مصوريها من المشاركة بصورهم في مسابقات التصوير حول العالم، و حين تحصل صورة صحافية ما على جائزة فنّية، أو عالمية تساعد هذه المؤسسة على شهر اسم مصورها وتروّج له.
وعلى الرغم مما تبذله مجلة (ناشيونال جيوغرافيك) لمصوريها في جميع أنحاء العالم، إلاّ أنّها لم تنشر صورة واحدة في مجلتها دون كتابة اسم مصورها، وكذا تفعل في الكتاب السنوي الذي تنشر فيه أفضل صور العام.
مصورو الإتاوات
هل التطوّع وحده يجعل حقوق ملكية الصورة فعّالة؟ هل الأجر ينفي الحقوق؟ هل يموت المصور بمجرد تسليمه صوره إلى المؤسسة التي يعمل فيها؟ ماذا يبقى للمصور من حقوق ملكية في صور وضعت المؤسسة فكرتها؟.
يقول (أحد معدّي الكتب)، "توفّر المؤسسة ما يحتاجه المصور لرحلة التصوير سواء كانت في البحرين أو في خارجها، كما أنّها تضع فكرة المشروع للمصور وتحدد له الهدف من التصوير، فلا يبقى لهذا المصور غير الذهاب والتقاط الصور. وقد لا تعجبنا صوره لكننا ندفع له وفق العقد المبرم".
هل الفكرة هي الصورة؟ إنّ عملية التصوير لحظة بالغة الحساسية، فيها يتمّ القبض على تجربة تخلق علاقة إنسانية بين المصور وصوره، وهو لا يعود من أيّة رحلة تصوير إلاّ وهو يحمل هذه العلاقة في داخله تجاه كل الذي قبضت عليه كاميرته. العقد مُلزمٌ لِمَنْ وقعه، لكنّ الصورة تعزُّ على مصورها كثيراً، ويعزّ عليه أن يراها ولا يرى اسمه جوارها.
ثمّة مصطلح في قانون حقّ الملّف يُسمى "الإتاوات"، ويُطلق على ما يجنيه المبدعون من مصورين فوتوغرافيين وغيرهم من بيع حقوق ما أبدعوه إلى جهات مختلفة للتصرّف فيها وفق شروط معيّنة تهتمّ بعدد مرّات طباعة هذه الصور، وطريقة استخدامها. لكنّ هل تلغي هذه "الإتاوات" الحقوق المعنوية للمصوّر، مثل رغبته في نِسبة الصور إليه، وظهور اسمه جوارها، وهل تلغي حقّه في الاعتراض على أيّة تغييرات تمسّ بسمعة المبدع، أو بعمله؟
يرى داود أنّ "مبدأ التعاقد يحدد الكثير من التفصيلات، ويحدد نوع الاستفادة من إبداع مصور ما (...) فعندما يكون المصوّر موظفاً في مؤسسة ما، وعمله هو تصوير ما يُطلب منه فكلّ ما ينتجه من صور في مشروع ما تكون ملكيتها إلى هذه المؤسسة فقط (...) وكذا لو استأجرت المؤسسة مصوراً لمشروع ما، أي أنّ عمله مؤقت فإنّ ملكية الصور للمؤسسة فقط".
يستثني داود من ذلك "لو أن العقد وضع على أن يستفيد المصور من بعض صوره فتصبح ملكية هذه الصور المتفق عليها للاثنين معا: المؤسسة والمصور. فهي صورة لها ملكيتان. مبدأ التعاقد هو الذي يحدد نوع الاستفادة".
صَوَّرَني واشتكى
لدى الخان قصص كثيرة تحكي طرقاً مختلفة في سرقة صوره واستخدامها، منذ أن بدأت مؤسسة "الصقر للتصوير" في الانتشار في البلاد. أخذٌ واضح، مستمر، واستعمال تجاري، وثقافي أحياناً. أمّا سُرّاق الصور فمنهم تجار، أساتذة أكاديميين، باعة، محررو صحف، وزارات، جمعيات، مؤسسات، وأفراد.
يروي الخان "هاتفني أستاذ جامعي قال إنّه يرغب في استخدام صورة من صوري، فقلت له لا أسمح لك باستخدامها (...) عاد وطلب فعدت ومنعت وهددت باللجوء إلى القانون فقال أنا سأنشر وأنت اشتكِ (...) نشرها ولم أشكوه".
لكن كيف يمكن الحصول على صور مؤسسة "الصقر"؟ ما الطرق إليها؟ يقول الخان "كثيراً ما سُرقت صور المؤسسة وصوري من البطاقة البريدية (Post Card) التي كانت متوافرة بكثرة في المكتبات، والمكاتب السياحية، والبرادات، والمطار وغيرها. إنّها الطريق السريع للوصول إلى صوري وصور الصقر".
يروي الخان بعضاً من استعمالاتها "وضع مصنع محارم ورق إحدى صوري من البطاقة البريدية (Post Card) على علب المحارم الورقية (...) عندما اتصلتُ به لم أجد عنده جواب غير الاعتذار، ظلّت الصورة على العلب حتى نفاد الكمية".
المزيد لدى الخان “استعمل تاجر آسيويّ صورة أخرى من صور البطاقة البريدية خلفيةً لإعلان ورقي كبير عُرض في الشوارع، اتصلت به فقرر أن يدفع لي مقابل استعماله الصورة لكني رفضت فوضع اسمي عليها".
المصور الفوتوغرافي علي خميس "مصورون فوتوغرافيون سرقوا صوري وشاركوا بها في معارض صور وفازوا، وحصلوا على جوائز. مصورون لديهم المال وليست لديهم التجربة. لم أحتجّ على أحد قط. الذي يسرق صوري يعرف جيداً أنّها صوري، كثيرون يعرفون أنّها صوري. تشكيليون مشهورون حوّلوا بعض صوري إلى لوحات باعوها".
اختفت الصورة وظهرت اللوحة. كثيراً ما اقترض الرسم من التصوير، واقترض التصوير من الرسم على مرّ التاريخ، فلِمَ لا يعدّ خميس هذا الأخذ ضمن سيرة التقارض التاريخي بينهما؟. اشتهر عن أولغا كوخلوفا زوجة الرسام الشهير بابلو بيكاسو أنّها روتْ بأنّ "أكثر لوحات زوجها منقولة عن صور فوتوغرافية". لكنّها صور بيكاسو نفسه.
الملكيةُ هي السرقة إلا قليلا
حقوق المصور الموظف بين إظهار وإخفاء، بين عقود الشركات واحترام الإبداع. هل يملك هذا المصور الأجير حقوق الصورة؟ هل ما تدفعه المؤسسة هو ثمن حقوق هذه الصور، أم هو ثمن الوقت الذي أنجز فيه المصور عمله؟
سُرّاق الصور منهم تجار، أساتذة أكاديميون، باعة، محررو صحف، وزارات، جمعيات، مؤسسات، وأفراد. مصورون يلاحقون حقوقهم، وآخرون يصمتون. تشكيليون يرسمون صوراً لتدخل في حقوقهم راضية مرضية.
صحافة مسروقة أيضا
لكنّ سرقة الصورة قي حقل الصحافة أكثر. ربّما لكثرتها، ليوميتها، لارتباطها بحدث مشاع، لتهاون كثير من المصورين في فنّيتها، وربّما لأنّها صحافية سوّغ سرقتها كما سوّغ التلاعب بها، والكذب عبرها. استخدم المصور الصحافي مازن مهدي علامة صوتية "أوووه" للدلالة على كثرة ما سُرق منه من صور في الصحافة.. "لقد سُرقت منّي صور كثيرة، نُشر أكثرها في صحف بحرينية، وعلى مواقع الإنترنت. ولست المصور الصحافي الوحيد الذي تُسرق صوره".
سرقة الصور وحدها لا تكفي في الصحافة البحرينية، فثمّة طريقة أخرى للنيل من المصورين البحرينيين العاملين في وكالات الأنباء الأجنبية.
يقول مهدي "على الرغم من كثرة احتجاجنا لا أحد يعبأ هنا بما نحتج به، ولا لِم نحتج(...) الصحف البحرينية غالباً لا تضع أسماء الوكالات الأجنبية أسفل صور التقطها مصورون بحرينيون".
يروي مهدي مثالاً لذلك "ما فعلته صحفية (الوطن) بصور الشاب المحترق (...) لقد صورّت أنا الشاب يحترق في قرية الدراز لصالح وكالة الأنباء الأوروبية. ولأنّ الصحيفة عضو في هذه الوكالة نشرت ثلاث صور منها من غير الإشارة إلى مصورها ولا حتى مصدرها وأكثر من ذلك عندما نسبت الصور إلى وزارة الداخلية".
يردّ مدير إدارة المطبوعات والنشر جمال داود ان ملكية الصور الصحافية إلى وكالات الأنباء لا للمصورين الموظفين لديها. لكنه أيضا يعرض نوعا آخر من التصوير الصحافي يجب فيه وضع اسم المصور جوار صورته عند النشر. فعندما "تشكل الصورة بذاتها خبراً، أي هي الخبر كلّه ولا ثمّة خبر مكتوب إلى جوارها، هذه الصور الخبرية لابدّ من كتابة اسم المصور والشركة معاً جوار الصورة".
محكمة الصور
في الخامس من مارس/آذار 1960 التقط المصور الصحافي الكوبي ألبرتو كوردا صورة للثائر أرنستو تشي جيفارا أخذت اسم كوردا إلى محبي جيفارا حتى استقرّت يوماً على زجاجات" الفودكا" في أحد المصانع البريطانية.
احتجّ كوردا بأنّ ذلك لا يليق بشخص ثائر نبيل، وأنّه آخر من يصلح للدعاية عن الخمور. فهو لم يشربها في حياته. ولم يعرف من (نزوات) البشر إلا تدخين السيجار الكوبي. رفع كوردا دعوى قضائية على الشركة في لندن فكسبها. لقد استخدم حقّه في ملكية الصورة.
قضايا حق الصورة في العالم كثيرة، بعضها مثير، لكن قضايا حقوق الصورة التي وصلت إلى المحاكم في البحرين قليلة جداً. يعلل الخان ذلك بقوله "لو قدّمت سارق صورة ما من صوري إلى المحاكمة فإنّ ما سأجنيه سيكون للمحامي فقط".
يروي داود أن "بعض قضايا حقوق الملكية الفكرية تمرّ عبر مكتب حقوق الملكية الفكرية في إدارة المطبوعات والنشر التابع لوزارة الإعلام فنقوم بالتحقيق فيها (...) إذا ثبتت السرقة نُوجّه إنذاراً مكتوباً إلى السارق وإذا لم يكتفِ صاحب الصورة بإجراء الإدارة الأوّل وبحماية حقوقه لاحقاً وطالب بتعويضات عن خسارته يتحوّل الموضوع إلى قضية مدنية، مكانها المحاكم المدنية".
لكن ماذا يحدث لو لم تمرّ القضية بمكتب حقوق الملكية الفكرية؟. يقول داود "هذا يحدث لكن لابدّ من تواصل المحامين أو المحكمة بهذا المكتب لاحقاً (...) أحد المؤلفين وضع صورة طالبة مدرسة ترتدي أزياءً شعبية بحرينية في كتاب له، فأقام أهل الفتاة دعوى قضائية عبر محامِ من شقّين، الأول نشر الصورة من دون موافقة الأهل ممّا يُعدّ تشهيراً، والثاني تسريب الصورة من الجهة التي كانت تملكها".
يتابع "اتصل المحام بمكتب حقوق الملكية لمعرفة ما إذا كانت الصورة مسجلة، ولمعرفة بياناتها، فكان الجواب (لا) كسب أهل الفتاة القضية وتمّ تغريم المؤلف".
إنّ أكثر القضايا التي وردت إلى مكتب حقوق الملكية الفكرية في استخدام الصور بشكل غير قانوني، ارتكزت حول استخدام هذه الصور في إعلانات تجارية، أو على سلع وبضائع تجارية.
الصور الأختام
يستطيع المصور تسجيل صوره الفوتوغرافية في مكتب حقوق الملكية الفكرية في المنامة، واستخراج شهادة حقوق لها يستند لها وقت الحاجة. ويعطي المكتب المصورَ الحقّ في حصر شهادة التسجيل في صورة واحدة فقط، أو وضع عشرات، أو مئات الصور في ألبوم صور واحد أو حتى عشرة ألبومات وتسجيلها في شهادة واحدة.
يروي الخان أنّ هذه الطريقة في التسجيل "لم يكن معمولاً بها في مكتب حقوق الملكية" و"أنّ التسجيل يفرض استخراج شهادة حقوق بقيمة 25 دينار لكل صورة ويتساءل "ماذا أفعل بمئات الآلاف من صوري إذا؟ زرت وكيل وزارة الإعلام آنذاك عبد الحسن بوحسين فاقترح وضع الصور في ألبوم وتسجيله كاملاً على هيئة كتاب بـ 25 دينار! فوافقت".
يتابع "فعلاً بدأت أسجل بعض هذه الألبومات لكني وجدت هذه العملية صعبة أيضاً وأن عليّ تسجيل أكثر من ألبوم واحد في كل يوم".
اتّجه الخان وآخرون مثل المصور البحريني حسين علي إلى اقتراح تسجيل ختم مادي للصور الورقية و آخر إلكتروني للصور الرقمية يتمّ تسجيله في مكتب حقوق الملكية. يحوي الختم كلمة (Copyright) واسم المصور. وهو ما يعمل به الآن في مكاتب حقوق الملكية في بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا.
داود رحبّ بهذا الاقتراح وقال "إنّه يحتاج إلى دراسة لأنّ إمكانية التزوير والسرقة قائمة أيضا، وقد يكون أشدّ تعقيداً عندما يُسيء مصور ما استخدامه، فيختم صور الآخرين به (...) إنّ عملية إثبات صاحب الصورة في عصرنا الحاضرة ليست سهلة، وتسجيل الصور لدى المكتب أكثر أماناً من الختم".
ثمّة إقرار مهم جداً يُوقّع عليه مودع المصنف في مكتب حقوق الملكية: أن المصنف من إنتاجه هو، وأنّه يتحمل المسؤولية كاملةً أمام أي مساءلة قانونية، وما لم يثبت أحقيته بهذا المصنف لاحقا يكون جرمه ثابت مع سَبق الإصرار والترصد. يعلّق داود "إنّ هذا الإقرار جعل بعض الأشخاص يعدوننا بالعودة للتوقيع لكنهم لا يعودون".
الملكية هي سرقة
منذ أن وُجدت الصورة والإنسان يأخذ منها إلى صور أخرى، باسم السرقة، التناص، وحدة الفكر البشري، وقع الحافر على الحافر، الانتحال، الأخذ، أو باسم توارد الخواطر البصرية. ألا تعتبر حقوق الملكية الفكرية سرقة؟.
الشركات ربّما هي أكثر المستفيدين ممّا يأتي من كسب قضايا الحقوق الفكرية حيث يتفرغ محاموها إلى خوض معارك لكسب القضايا وتحقيق مردودِ مالي من ذلك، وهذا ما لا يصبر عليه المصور الفنان ولا يطيقه، فيتركه كما فعل الخان وخميس وغيرهما الكثير من المصورين. ولا تشبه إمكانيات الفنان إمكانيات أصغر الشركات. كما أنّ هذه الشركات ليس في بالها وضع الثقافة، إنّها لن تنشر إلاّ ما تملكه هي، ويظل ما لا تملكه فردياً بعيداً عن أخذ مكانه في الثقافة.
كأنّ الملكية سرقة. وكان القديس يوحنا فم الذهب (القرن الرابع الميلادي) أول من صاح "الملكية هي السرقة".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المنظمة العالمية للملكية الفكرية جنيف 1998، اتفاق بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية. [2] المصدر السابق.
ملحق1
ما هي الملكية الفكرية؟ الملكية الفكرية هي ثمرة الإبداع و الاختراع البشري و هي تشمل كافة الحقوق المرتبطة بالموضوعات التالية: 1. حق المؤلف و الحقوق المجاورة و التي تضم مجموعة واسعة من المصنفات الأدبية و الفنية و يضاف إليها الأداء العلني و منتجي التسجيلات الصوتية و هيئات البث الإذاعي. 2. الملكية الصناعية و التي تضم الاختراعات الجديدة في مجال العلوم و العلامات التجارية و علامات الخدمة و الرسوم و النماذج الصناعية و البيانات الجغرافية و الأسماء التجارية و الحماية ضد المنافسة غير الشريفة.
حق المؤلف عنصر أساسي في تشجيع الإبداع الإنساني لما يوفره من تشجيع للمبدعين عن طريق الاعتراف بهم و بأعمالهم و بمكافأتهم مكافآت مالية عادلة
يتمتع المبدع الأصلي للمصنف المحمي بموجب حق المؤلف وورثته بحقوق أساسية, إذ أن لهم الحق الإستئثاري في الانتفاع بالمصنف أو التصريح للآخرين بالانتفاع به بشروط متفق عليها و يمكن لمبدع المصنف (المؤلف) أن يمنع أو يصرح بما يلي: 1. استنساخ المصنف بمختلف الأشكال كالنشر الطبيعي أو التسجيل الصوتي. 2. أداء المصنف أمام الجمهور كما في المسرحيات أو الأعمال الموسيقية. 3. إجراء التسجيلات للمصنف على أقراص مدمجة أو أشرطة سمعية أو أشرطة فيديو. 4. بثه بواسطة الإذاعة أو الكيبل أو القنوات الفضائية. 5. ترجمته إلى لغات أخرى أو تحويره من قصة عمل روائي إلى عمل سينمائي أو تلفزيوني أو إذاعي. 6. و يتيح القانون للمؤلف بيع الحقوق المرتبطة بأعماله إلى أشخاص أو شركات مقابل بدل مالي.
ملحق 2
ماذا يقول الفقهاء حول السَرقة الأدبية؟
« إنّ أخذ نتاج الآخرين، ونسبته إلى مَنْ أخذه خيانة واضحة، ومخالفة صريحة لآداب المعاشرة والاعتراف بسلطة الكاتب والمؤلف، والشاعر ونحوهم على نتاجهم الفكري والأدبي. بل ربّما كانت هذه العملية أشد على صاحبها من اختطاف ولده الصُلبي، ونسبته إلى غير أبيه. ومن الواضح أن الخيانة محرمة في الشريعة الإسلامية. وإذا استفاد (السارق) من هذه العملية فلا يبعد أن يكون مسئولا عن التعويض، والله العالم (جمادي الأولى ) السيد فاضل الميلاني أستاذ الجامعة الإسلامية وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإمام الخوئي بلندن
« ...الظروف الاجتماعية في الماضي كانت لا تمنح الأديب ولا المفكر ثمناً في مقابل إنتاجه. أما اليوم فالمقالات الأدبية والفكرية لها ثمنها، فهي إذن مادة ينبغي حمايتها من جانب الشريعة، فأنا أرى أن مرتكبها قد تلبس بجريمة ينبغي أن يعاقب عليها عقوبة تعزيرية، أي غير محددة، يقررها الحاكم ردعاً لعامة الناس من ارتكابها، والله أعلم» الشيخ الدكتور زكي بدوي عميد الكلية الإسلامية ببريطانيا 16 يوليو 2003
"أولاً: لا يجوز نسبة النص الثابت لكاتب معين إلى كاتب آخر لأنه كذب وتزوير للحقيقة. أما اعتباره سرقة بالمعنى الشرعي للكلمة فيتبع اعتبار الملكية الفكرية للنص من قبل القانون العام، أو العرف بحيث يؤاخذ الشخص على ذلك تماماً كما لو نسب الكتاب إليه أو طبع المؤلف على حسابه لاستثماره من دون إذن صاحبه. ثانياً: الحكم هو الحكم إذا علم بأن الفكرة مأخوذة من الفكر الآخر لا على أساس توارد الخاطر، أو الإعلان بتبنيه من قبل الشخص الذي يتبناه» السيد محمد حسين فضل الله - 3يناير 3003 (رشيد الخيّون - جريدة الشرق الأوسط العدد (9021) 10 أغسطس/آب 2003)
ملحق3
هل الملكية الفكرية هي السرقة؟
هل نحن في حاجة إلى نظام للملكية الفردية من اجل تسويق الخلق الفني؟ ليس في الحقيقة. يستند عدد متزايد من علماء الاقتصاد إلى الدراسات للتأكيد أنّ انتشار حقوق المؤلفين يعود بالفائدة على المستثمرين أكثر من الفنانين أو الممثلين. في الواقع أنّ نسبة 90 في المائة من عائدات هذا النظام تذهب إلى جيوب 10 في المائة من الفنانين. يخلص الاقتصادي البريطاني مارتن كرتشمرز إلى القول "أنّ طرفا ثالثا هو الذي يدافع في شكل واسع عن حقوق المؤلفين، فالناشرون وشركات الاسطوانات أي المستثمرون في مجال الخلق الفني (أكثر من الفنانين) أصبحوا المستفيدين الرئيسيين من هذه الحماية الواسعة" .
كذلك فأنّ هذا النظام لا يعمل لصالح العالم الثالث. يوضح الأستاذ الجامعي جيمس بويل أنّ على الفنان تقديم البرهان على جدارته للحصول على حق الملكية الفكرية. يعطي هذا الشرط الدول المتقدمة الارجحية بما لا يقاس. هكذا فأنّ مواد الكورار والباتيك والاساطير ورقصة اللمبادا تغادر الدول النامية من دون أي حماية لتعود إليها على شكل البروزاك وسراويل الجينز وروايات جون غريشام وفيلم "لمبادا" ولكن تحت حماية قوانين الملكية الفكرية".
أما الهدف الثاني من وراء قيام نظام جديد فهو أنّ يتمكن العديد من الفنانين في البلدان الفقيرة أو الغنية من العيش بكرامة من ثمرة أعمالهم الفنية. لهذه الأسباب جميعها لم يعد إبقاء نظام حقوق المؤلف مرغوبا ولا قابلا للتطبيق. فالعلاقة المباشرة مع الفنان لم تعد موجودة عمليا كما أرادتها في الأساس فلسفة حقوق المؤلف. لماذا لا نقدم على خطوة أضافية ونلغي هذا النظام؟ لماذا لا نستبدله بنظام آخر يؤمن مردودا أفضل لفناني العالم الثالث كما العالم المتقدم ويحقق مزيدا من الاحترام لأعمالهم ويعيد الملكية العامة إلى محور اهتمامنا؟
(دفاعا عن إلغاء حقوق المؤلفين، غوست سميرز – لوموند ديبلوماتيك، سبتمبر/ أيلول 2001) |