مناوشة بحرانية ظاهرة لذئاب دولة البندر المستترة
لأول مرة في تاريخ البحرين يكشف الغطاء عن دولتين: منظورة ظاهرة وسرية مستترة ، تٌقتسم بينهما الوظائف فتتبنى الدولة الظاهرة مؤسسات الرفق بالمواطن وفق ميثاق ودستور ينصان على وجوب الرجوع إلى القوانين المفصلة لموادهما . والى جانب ذلك ، توغل المنظمات والمؤسسات السرية التابعة للدولة المستترة في مشروع الطعن في المواطََنة أخلاقيا وطائفيا وأمنيا .
فمن يقف وراء الدولة السرية ؟!
لا ندري شيئا عن المقاصد المثيرة التي تبناها تقرير المستشار في وزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء (صلاح البندر) ولا عن المجموعة التي وقفت خلفه ودفعته إلى كتابة هذا التقرير وزودته بمادته. فهل ـ" من نقل إليك نقل عنك؟!" .
ولا ندري أيضا شيئا عن مدى إخلاص هذا التقرير ووجه صواب صدوره الآن ، فلربما كان صادقا في مقاصده ولكنه واقع في دائرة طعون المنافسات والأحقاد الداخلية بين بعض أقطاب الدولتين الظاهرة والمستترة ، "فليس لحقود اخوة " . ولربما كان هنالك حساب عاجل يستدعي تصفية ملفاته بين هذه الأقطاب المتشاكسة في مثل هذا الوقت وموازين القوى بين رموز كل من هاتين الدولتين تشقى في البحث عن مواقع وعناصر جديدة لزرعها في دوائر دولة الآخر.. فهل من قائل بالاحتراز ، و" من لم يتحرز من المكائد قبل وقوعها لم ينفعه الأسف بعد هجومها" .
في ظني: أن الإجابة على هذا التساؤلات هي التي ستحدد مستوى الوعي السياسي لدى جهاتنا وجمعياتنا المعارضة . فمن تتبع (تقرير صلاح البندر) ليطالب بمحاسبة الرؤوس التي تضمنها التقرير فقد طمس رأسه في الرمال أو غض الطرف عن حقائق الدولتين الظاهرة والمستترة ، فصار كمن يتقشف سياسيا خوف الإطاحة بما يعتقد انه بنيان مؤسسي وشعبي مدني مرصوص شيده في دوائر دولة وتر ظاهرة لا شبهة محرمة فيها ولا مشكل شرعي! . فعجز و" العجز اشتغالك بالمضمون لك عن المفروض عليك وترك القناعة بما اوتيت"
إن مثل هذا (التقرير) لم يقدم شيئا جديدا سوى بعض الوثائق والأسماء التي تتمكن الدولة السرية في أية لحظة من معالجتها بما توافر لها من إمكانيات الدولة الظاهرة وسبل المناورة والكيد. فهل نسينا أن عناصر إدارة الدولة الظاهرة لا تحتل مكانها الوظيفي إلا بموافقة دوائر الدولة السرية ؟!. وهل نسينا أن رموز الدولة السرية الخاصة تجول المقاهي والمجالس العامة والخاصة وتلتقي بعض رموز المعارضة لتختار من بينها العناصر الإدارية التي يمكن كسب ولائها بيسر في الدولة الظاهرة ؟! فـ"لا تغترن بمجاملة العدو فانه كالماء وان أطيل إسخانه بالنار لا يمتنع من إطفائها"
واما حقيقة الدولتين الظاهرة والمستترة فهي عهد قديم شيدته بعض قيادات السلطة التنفيذية الحالية منذ أربعين سنة ولكنه اتخذ شكله المنظم منذ مطلع الثمانينات، وهو الواقف وراء سن مشروع الإصلاح وما تخللته من تداعيات وانتكاسات تشريعية وقانونية وإجرائية تنفيذية ، وله من الخبرة ما يجعله قادرا على توظيف تقرير البندر لصالح بعض جهاته في الدولة الظاهرة بما يجعل الشكوك تزداد حيرة حول مبتغى تقرير البندر وخلفيات أهدافه ومقاصده.
لا جدوى من إطلاق المظاهرات والمسيرات ولا الندوات التي تعقد هنا وهناك من قبل أطراف الجمعيات السياسية وغيرها حول هذا الأمر الجلل؛ لأن قمة الجبل الجليدي في هذا القضية قد تراءى للمعارضين منذ أمد طويل حتى شكك البعض في شيخوخة أنظار المعارضة ، وراح البعض الآخر يغوص في أعماق التحليل حتى رسخت قناعة في رأسه مفادها: أن جمعياتنا والمعارضة لا تقوى إلا على اتباع مشية النعامة في خيلائها وطمس رأسها في التراب في حال خشيتها وهلعها. فلا مبادرات سياسية ، ولا مناوشات إدارية ، ولا اكتشافات وتصنيفات لتقارير معلوماتية مفيدة. وكنت أظن أن (صلاح البندر) عضو أساسي في جمعية سياسية استطاعت خرق العادة فبددت كل الحجب الظاهرة والمستترة في الدولتين لتسطر لنا تقريرا إعلاميا يفيد دلالة على جديتها في العمل السياسي واتباع مبدأ المباغتة والمناورة والمناوشة والمبادرة السياسية!. فمنذ نشوء العمل السياسي المعارض في البحرين راودت منتمى مختلف التيارات السياسية البحرانية المعارضة - مقولة بسيطة جدا ، اكتشف فيها ذووا الرؤوس المقلوبة على أمها إمكانية تأسيس ألوية سرية مجهزة بأسنة حداد متعددة الأشكال والألوان ومدعمة بألسنة غلاظ لا غرض لها إلا الطعن في خواصر رفاق النضال، ولم يكن من خيار عند المناضلين الشرفاء إزاء ذلك إلا التعايش بصبر مع هذه الحداد الغلاظ مثلما يتعايش الإنسان غير السوي مع أمراضه المزمنة ، فكانت جزء من حياتها ، تأنس بها أحيانا وتندب حظها أحيانا أخرى.. تقول بساطة هذه المقولة : "أن على المعارضة الحقيقية والمخلصة صنع المواقف في كل لحظة حتى تجعل من عناصر القدرة عند غريمها أو منافسها منشأ لخطط وخطوط الدفاع والتبرير لا المبادرة والمباغتة والمناوشة، فتتنزل عند ذلك هيبتها وتضعف شوكتها أمام حركة الحقوق والإصلاح التشريعي والتنفيذي والقضائي والإعلامي".
ومنذ عهد السبعينات كان البحث جاريا عن مصداق واحد لهذه المقولة المتميزة في بساطة ألفاظها والعالية في معانيها السياسية، فلم يكتشف في ذلك أثر لمصداق واحد يجول بين أحوال المعارضة خلال مسيرتها على طريق تحقيق البرامج والمناهج المعارضة . وإذا ما دققنا النظر والحساب فإننا سنلتقي أزقة ضيقة ووعرة تجتمع على جوانبها بعض المحاولات السرية المستهدفة اشغال كل طرف لمنافسه حتى يتنزل به إلى الخوض مع الخائضين في البسيط المراهق من القول والفعل ، ويبتعد به عن الوعي الاستراتيجي في مهام حسم ساعات الصراع ، وربما يتنزل معه بكل عناصره وإمكانياته ليثير الشكوك من حوله بلا هوادة حتى يصل إلى مبتغى الطعن في الأصول والمرجعيات والبرامج السياسية والفكرية والاجتماعية المعارضة. ولا عجب أن تسمى بعض تلك المحاولات بـ(أبواب الرحمة) تعويضا عن المعنى المثير في أفلام الكاوبوي:(رصاصة الرحمة).
وهكذا أصبحت رصاصة (الكاوبوي) الفاعلة في حال عجزت خيل المتنافسين عن مواصلة المسير الصعب في الصحاري القاحلة - بابا للرحمة تتفتح مصارعه كلما اقترب طرفان معارضان أو اكثر إلى خط النهاية في سباق المقاصد . ولست أميل هنا إلى تحديد الميول الفكرية والعقائدية لمثل هذه الأشكال من المعارضة لكون الحال عامة استغرقت كل الأطراف المعارضة في بلدنا منذ الأربعينات حتى اللحظة الراهنة.
وتمر العقود بنا في ركب نائم نترقب عند منتهى كل حلم "سريري" فيه كل جديد في تلك المقولة على أرض الواقع بعد رجعة استفتاء الميثاق ، وإذا بنا نصحوا على تدافع مرير بلا موازين عقلية ولا شرعية ، والعجب في هذا التدافع أن السلطات بدولتيها: الظاهرة والمستترة ، احتلت عنده كل مواقع المعارضة الداخلية والخارجية وشكلت منها منطلقا وقاعدة لمنظماتها الطائفية السرية ، وانتزعت من المعارضة منهج المبادرة والمباغتة حتى تنزلت بها إلى حال الدفاع بلا السنة ولا أسنة ولا ألوية ، وتركت لها ملجأ واحد تمثل في حشد جماهيري كبير استنفذ أغراضه منذ حوار التسعينات وما تلاه من قصص دراماتيكية بائسة تقمصت فيها دور الساذج البسيط ذي الحاجة إلى غير عون ربه.
وتنتهي قضية الدستور لتليها قصة المشاركة والمقاطعة في انتخابات البرلمان ، ثم لم يعقب قانون الأحوال الشخصية حتى أوصل الحشود الجماهيرية المنددة به إلى موقف تزاحمت فيه النظارة لقصة التجنيس ، ثم ما لبثت هذه الجماهير أن زُجت في هرج ومرج قضية كارد الأئمة التي تفتت بها أشلاء البعض وحمد البعض الآخر القدر على تنامي تداعيات تقرير (صلاح البندر) وانصراف الأنظار عنه ، ليكتشف الجميع بعد ذلك وعلى حين غرة أن كل تلك القضايا هي جزء من "مؤامرة انقلابية" كبرى أخرجتها السلطات في شكل تنظيم متكامل الخطط ومصادر التمويل ، يبتغي تقويض مؤسسات الشعب المدنية وكل تقاليده وأعرافه ومنظومته الجغرافية والديمغرافية و"الاقتصادية والسياسية"!. فهلا تنبهنا فـ"من نام عن عدوه أنبهته (نبهته) المكائد" .
وأعود بذلك هنا لأذكر بمقولة وزير الداخلية السابق التي شبه فيها عناصر "المحاولة الانقلابية" لتنظيم الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين بعد اعتقال السلطات لمجموعة الـ73 مناضل - بأنها جبل الجليد الذي لم تكتشف منه وزارته ومخبرات دول مجلس التعاون إلا قمته الظاهرة على رأس المحيط ، ولأقول بأن ما ذكره البندر في تقريره ما هو إلا " رأس جبل الجليد الطافي على سطح المحيط " وان وزير الداخلية السابق قد فلت لسانه في الثمانينات ليستخدم تعبيرا عايش مضامينه كل يوم بين دولتين : ظاهرة ومستترة فـ" ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه " . ، وان هناك "مؤامرة انقلابية" تعني معناها الكامل المطلق خططت لها ونفذت بعض خططها رؤوس كبيرة جدا ترقى إلى مواقع اكبر مما ذكر في التقرير المقتضب ،وتستحق المحاكمة وفق نصوص (قانون أمن الدولة) ، فأين قانون أمن الدولة ؟!
كريم المحروس K_almhroos@hotmail.com
|