قالوا

 يعيش الجميع اليوم عصر الثورة المعلوماتية التي تنتشر فيها الأفكار و المعلومات بسرعة و سهولة من و إلى أي بقعة من بقاع العالم، و لكن ما فائدة هذا الكم الهائل من المعلومات في ظل هيمنة رأي واحد و فلسفة واحدة على نوعية هذه المعلومات، و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس بمثل هذه الأفعال حقيقة العالم الذي تمثله و تريد في نفس الوقت.

الأستاذ علي السكري
من الذي صام؟ الدرازيون أم النعيميون؟   |    في ذمة الله الشَّابة زهراء عبدالله ميرزا صالح   |   ذمة الله تعالى الحاجة جميلة حسن عبدالله    |   على السرير الأبيض الحاج خليل إبراهيم البزاز أبو منير    |   برنامج مأتم الجنوبي في ذكرى ولادة السيدة الزهراء    |   في ذمة الله حرم الحاج عبدالله سلمان العفو (أم ياسر)   |    في ذمة الله الطفلة زهراء جابر جاسم عباس   |   نبارك للأخ الطالب محمد حسن علي ثابت حصوله على الماجستير في إدارة الأعمال    |   رُزِقَ الأخ عبدالله علي آل رحمة || كوثر || 12/12/2021   |   دورة تغسيل الموتى    |   
 
 الصفحة الرئيسية
 نبذة تاريخية
 أنشطة وفعاليات
 مقالات
 تعازي
 شخصيات
 أخبار الأهالي
 إعلانات
 النعيم الرياضي
 تغطيات صحفية
 ملف خاص
 خدمات الشبكة
 المكتبة الصوتية
 معرض الصور
 البث المباشر
 التقويم الشهري
 أرسل خبراً
 اتصل بنا
 
مقالات الأستاذ حسين المحروس
 
لم يختفِ الحبُّ لكنّه تخفَّى..
حسين المحروس - 2006/09/28 - [الزيارات : 6375]

لم يختفِ الحبُّ لكنّه تخفَّى..
من بذل المجهود عند نافذة الحَبيب إلى سعة المجهول  في نوافذ الحواسيب

لم نعد نسمع عن قصص حبّ في الأحياء، وليس على الحبيبة أن تقصد بيت الجيران. اختصر الحبيب الذي ينتظر مرور حبيبته في حكاية. لا حبّ في شوارع الحيّ وأزقته الضيقة. لا رسائل مكتوبة، ووحي الفتيات المرسلات الصغيرات توقف عن عمله. مريم التي كانت رسولة القند، تتعرق رسالة أختها العاشقة في يدها حتى تصل إلى حبيبيها المنتظر دائماً.. مريم هذه صارت لا تغادر مكانها. نسيم حسين التي كانت تبذل الوسع لتوصيل رسائل كلامية "تنتظرك عند زاوية الخباز" صارت تبذل الوسع لتختفي. تعددت الاختيارات. تغرّب الجيران. كثرت الوجوه، وتناسلت ألوان العيون غير السوداء. نوافذ الحواسيب صارت تُسفر وتخفي، خلفها شباب يضحكون على بذل المجهود عند نوافذ البيوت. لم يختفِ الحبّ لكنّه تخفّى. صار في الإنسان شيء من الجنّ.


                

 

بذل المجهود للقاء الحبيب، أو رؤيته - ولو من بعيد – منح الحبّ صفة "ما يُرى لا ما يخفى" وكان في النيّة أن لا يُرى. كان المحبّ يحتاج إلى كثيرين، ويطوف بكثيرين مرغماً ليصل إلى بغيته. أن يرى محبوبه. تحكي فضيلة الموسوى حكاية فتاة تقطع مسافة طويلة مشياً، تأتي من الشرق،  كلّما عرفت أن الذي تهواه قد نزل في بيت أقربائه بضعة أيام. و"عندما تصل تنسى مسافة الطريق، فلا ينسى أحد حكايتها". الحبّ أن يكون هناك مسافة. أن تختفي المسافة ليخفى.
يروي موظف الاتصالات سعيد مرهون حكايات عشّاق، فقدوا وسائل الاختفاء، فاتخذوا نوافذ العاشقات مكاناً آمناً للحبّ، يراه أهل الحيّ فلا يعلن أحد استنكاره غير حجب الابتسامة في وجهه. "قد يبقى ساعات حتى منتصف الليل، كأنّ الكلام لا ينتهي والنافذة لا تساعد على الاختفاء. فلا يظل أحد لا يعلم بحبّهما، وتنسج حولهما من القصص ما لا ينتهي. تتبارى النسوة في أعادة أحاديثهما، وفي جعل الاختفاء بعيدا عن جنتهما" ألهذا كان الظلام سكن المحبين، ووسيلتهم الطبيعية جداً لإخفاء تواصلهم؟ ولهذا أقدم شاب في الزمن الجميل على إطفاء كهرباء البيت لإخفاء مرور حبيبته إليه. يستبدل كهرباء بكهرباء.
الشاب باسل الوطني الذي تزوج فتاة من خارج الحيّ نفى قلة علاقات الحب في الحيّ، قال " إنّها موجودة، وأعرف بعضها. إنها لا تختفي لكن عليها من الاحترام والتقاليد غطاء. لم تعد تظهر لأنّ الناس لا يستقرون الآن في حيّ واحد. لماذا أحصر نفسي وعلاقتي في منطقتي؟ والقيود على الفتيات لم تعد كبيرة"
يعلل الشاب رياض إسماعيل ضعف القدرة على الاختفاء بأنّ "أهل الحيّ لا يخرجون. صار حبّهم عفيفاً لكثرة ما اشتهر وبان. جاء أبي من قرية "باربار" وأمّي من حيّ النعيم  بالمنامة. تزوجا في العام 1948. كان زواجاً نادراً. كيف تتزوج فتاة الحيّ من قرية بعيدة؟ فكان شرط الزواج أن يسكن أبي عند أهل أمّي. سيكون الحبّ مخفياً لو غادر مكانه لكنّ المواصلات في تلك الفترة لا تسمح بذلك.. لقد تعاطفتُ كثيراً مع محبين من الحيّ لم يملكوا صنعة الاختفاء، فافتضحوا، ونكّل بهم الأهلون، ودخل رؤوس بعضهم الخلل لفرط الحبّ"
         قيل إنّ تقنية التواصل الحديثة فتحت الحي على الأحياء، وصارت المسافات الطويلة تعبر بالخاطر. فعندما اخترع الفاكس كتب الشاعر نزار قباني قصيدة عنونها بـ"الحبّ بالفاكس" قال فيها إنّه سوف يغني عن الرسائل، ويقلل من  مصاعب المحبين فلا يحتاجون إلى ساعي البريد. تقول الموسوي "كان ذلك الفاكس فكيف بالهواتف النقّالة، والماسنجر، والبريد الالكتروني؟ لم يختف الحبّ لكننا بكل هذه الوسائل لا نراه".
 تقنية تظهرك وتخفيك. انقر زراً واحداً تنفتح لك غرفة المحبّ، تتجول فيها بكاميرا صغيرة جداً كانت تُثبت جوار شاشة الكمبيوتر، وصارت الآن خفية في جدار الشاشة. تقول نسيم حسين " الآن لن يُقبض على الفتاة الصغيرة متلبسة بجرم نقل رسالة صغيرة في يدها من أختها إلى حبيبها. كنتُ صغيرة أنقل الرسائل المكتوبة والشفوية. التقنية أخفت العلاقات، والثورة الإسلامية في إيران جعلتها شبهة، والمدن الجديدة غيّرت سيرة الجغرافيا". لن يحتاج المحبون إلى " الأخوات رسولات الغرام" كما تقول الموسوي. ولن يكون حبّ الشابة محصوراً في ولد الجيران. قيل لمحبّ: لماذا يبدأ الشاب بحبّ بنت الجيران؟ فقال: هذا الموجود.
وحدها مريم المنصور تنفي وجود الحبّ الآن، وتنفي أنّه تخفّى. تقول" لقد اختفى. الوضع الاقتصادي للفتاة يسبق الحبّ في الفتى. هي أيضاً. تعددت الأشكال التي تخرج بها الفتاة، وتعددت النظرات. اتسعت الاختيارات. تشتت الشخص. لم يعد الإنسان يحب. ولو حدث عكس ذلك لا يكون الحبّ أولاً. الاقتصاد أولاً. لو تقدّم لي شاب سأنظر إلى اقتصاده وظروفه لا إلى حبّه"
في "المنتدى الأدبي" - الذي تديره شبكة النعيم الالكترونية ولا تراقب حتى الرسائل الخاصة بين أعضائه- نسبة 80% من المشاركات قصائد عشق، وأشكال أخرى من الكتابة يسمونها في المنتدى بـ"الخاطرة" التي يتواضع أصحابها ويسمونها "خربشات، أو محاولات"، وليس في بالهم من تلك التي لم تخطر على بال أحد. المنتدون بلا أسماء إلا واحد أو اثنين أحدهما المشرف على المنتدى: أمير العاشقين، مرسى العشق، سجين الحب، جنرال المحبّة، القلم الجريح، قاضي الغرام، شمس الغروب، نور الليل، قصيدة حبّ، خلية الورد، أسيرة الدمعة، وأسماء أخرى يختفي فيها أكثر الأجيال رغبة في البوح، لكن بلا أسماء. فكلّما غاب الاسم حضرت الجرأة. التخلي عن الاسم رغبة في التغيّر أحياناً، والتغيّر إخفاء. ويتأكد هذا الإخفاء في استعارة صور الآخرين في ما عُرف بـ"التوقيع" أسف كل مشاركة. فـ"مرسى العشق" وضعت صورة فتاة شعرها طويل يكاد يمس مجموعة من الخيول الجارية وبينهما أشعة ضوء. بعضهم وضع صورة طفل يقبل طفلة، وآخر صورة طفلة جوارها قلب وردي اللون.
القصائد والخواطر والخربشات أكثرها يحمل ألم فراق، أو لوعة سفر، وبعضها عاشق يخبر حبيبته أنّه يحبها وهي لا تدري! وبعد النشر ينتظر كاتبها تعليقات الزوار الذين لا يتغيرون. وقبل الدخول إلى الكتابة يضع كاتبها عتبة كلامية يعتذر عن ضعفه أو أنّها "خربشات". فـ"أمير العاشقين" يعتذر عن أخطائه الإملائية لأنّه "خريج صناعي".
وعلى الرغم من غياب الأسماء الرسمية للمنتدين، ثمّة حساسية واضحة في بيان العلاقات فتشعر أنهم يعرفون بعضهم البعض جيداً، وأنّ هذا الاختفاء لا يكون إلا على الزائر الجديد. فمفردة (أخي)، و(أختي) ومشتقاتهما تأتي في أغلب خاتمات التعليقات ومطالعها أحيانا" كلمات رائعة جداً شكراً أخي أمير العاشقين تحياتي. أختكم سجينة الحبّ" ونقرأ الأمير معلقاً " أختي العزيزة نغم (...) تحياتي القلبية لكي أختي الغالية..."
مفردة "الأخوة" طالما استخدمت لاستباق بيان العلاقة التي يريدها البعض لمَنْ يرغب في الاقتراب منهم أو يفكر في علاقة من نوع ما، والذي يسبق في استخدمها يحتفظ بشيء من السلطة، وبثقل الدم أيضاً. إلا أنّها كثيراً ما تؤسس لكتابة جريئة بين الطرفين. أليست هي " أختي" وهو "أخي"؟! الأخوة تلغي الحبّ، وتلغي الجنس.
يعلّق رياض إسماعيل على استخدام البريد الالكتروني في علاقات الحبّ بقوله" إنّها نيّة مَنْ له مآرب أخرى. كيف يرى الشاب الفتاة من خلال كاميرا الانترنت؟.. كان الحبّ عفيفاً وأكثر حرارة من الآن". وعلى الرغم من المبالغة في تخفّي علاقات اليوم إلا أنّ بعض الرسائل الالكترونية تتسرّب. يقول مرهون "أحيانا نرى إيميلاً تسرّب بكلّ القصة التي فيه، خصوصاً عندما تقع العلاقة في أزمة، فنعرف أن علاقات الحبّ صارت تغيب لكنها لا تتوقف ولا تنتهي"
لا يتغيّر الشيءُ حتى يخرج. ولا يوغل في الاختفاء إلا بمحو المسافات. فإذا أمِنَ الحصرَ دخله شيءٌ من صفات الجنّ، وتعدد، وصار كثرة، يتقلّب الشاب به في وجوه الفتيات، وتجُول الفتيات بين مُهَج وخواطر الشباب. يتعدد الأخذُ ويخفى النظر عن النظر. يتحوّل الحبّ من بذل المجهود عند نافذة الحبيب إلى بذل وسع المجهول  في نوافذ الحواسيب.

 

طباعة : نشر:
 
يرجى كتابة التعليق هنا
الاسم
المدينة
التعليق
من
رمز التأكيد Security Image
 
جميع الحقوق محفوظة لشبكة النعيم الثقافية © 2003 - 2024م